أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


مشهد سياسي بلا سياسيين

بقلم : م. محمد يوسف الشديفات
10-01-2016 11:37 AM
يعاني المشهد السياسي في الأردن من اختلالات وراثية تراكمت تبعاتها عبر العقود الماضية، فالقرار السياسي الذي يحدد المزاج العام للدولة عادةً ما تتم صناعته خلف الكواليس بعيداً عن الطرق الصحيّة لاتخاذه، فلا وجود لمعارضة حقيقية أو أحزاب وطنية مؤثرة أو حكومات ظل أو حتى مؤسسات مجتمع مدني تشكل قوة ضاغطة وبشكل إيجابي على صانع القرار الذي وجد نفسه منفرداً بدون أية كفاءات سياسية حقيقية يتكئ عليها وبالتالي وجد نفسه متحرراً من أية ضغوط وقد تفرّد بصناعة القرار السياسي.

الأزمات التي أفرزتها المرحلة برهنت بما لا يرقى إليه الشك أن هنالك مشكلة حقيقية يمر بها إتخاذ القرار السياسي تتراوح بين عدم الوضوح وتصل أحياناً إلى درجة التخبط، فالجهد الحكومي بات ينصبّ على كيفية الحصول على معونات ومساعدات وقروض جديدة، وتوجيه الرأي العام بشكل مستمر نحو ان المشكلة الحقيقية تكمن فقط في الوضع الإقتصادي للدولة وأما بقية الأحوال فهي 'قمرة وربيع'، لكن واقع الحال يشي بأن الحكومة –أو صانع القرار- وقفت مكتوفة الأيدي أمام إيجاد حلول حقيقية لمشاكل التطرف وارتفاع معدلات الجريمة وتراجع مستوى التعليم الذي يضاف إليه أفواج العاطلين عن العمل ومشكلة اللاجئين وتهالك البنية التحتية وغيرها الكثير من المشاكل اليومية التي باتت جزءاً لا يتجزأ من الروتين اليومي للمواطن الأردني، وحتى على مستوى السياسة الخارجية فالقرار السياسي على سبيل المثال ينقل الأردن وبرشاقة يشار إليها بالبنان بين التحالفات والتكتلات بدون مسوّغات مفهومة أو حتى نتائج تُذكر.

اختفاء المعارضة الإيجابية أو القوة الضاغطة سهّل من ارتكاب الأخطاء وتراكم نتائجها السلبية، فأحزاب المعارضة التي كان لها حضور على الساحة الأردنية كانت إمتداداً لأحزاب خارجية، وحالما إنهارت تلك الأحزاب في مواطنها وتراجعت أو انحسرت القضايا الجامعة لتلك الأحزاب، تحولت من أحزاب عقائدية إلى أحزاب برغماتية أو أحزاب الرجل الواحد، وباتت مطالبها غير منطقية وغير مقنعة للمواطن العادي قبل صانع القرار، وعلى سبيل المثال تجد من أقطاب المعارضة وفرسان المنابر من يطالب الدولة الأردنية بأن تكون دولة مدنية حقيقية ذات نظام ديمقراطي معاصر، في ذات الوقت الذي تجد فيه نفس الشخص يؤازر أنظمة شمولية دكتاتورية وأخرى ثيوقراطية ويرتّل لها أبيات المديح، والبعض منهم ينادي بالحرية والديمقراطية ليل نهار، ولكنه يضيق صدره بحديث رفاقه في الحزب نفسه ويجد أصوات التغيير والتجديد في حزبه خطيئة وذنباً لا يغتفر، الأمر الذي دفع صانع القرار إلى الإعتقاد جازماً بأن الطبقة السياسية الموجودة ليست مؤهلة ليكون لها أي دور في صنع القرار أو التأثير على عملية اتخاذه أو حتى تقييم نتائجه لاحقاً، والذي عمل بدوره على اتساع الفجوة بين الطرفين.

وحده المواطن الأردني من سيدفع ثمن تلك الأخطاء والخلافات، وهو وحده أيضاً من سيكتوي بنار تلك القرارات، ومن بقي من رجال السياسة الذين كنا 'نحلف بحياتهم' اختفوا طوعاً أو كرهاً، وبعضهم آثر البقاء صامتاً كي يمهد طريق 'الوظيفة المحترمة' لذريّته من بعده.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012