28-04-2011 10:23 AM
كل الاردن -
الدستور ليس قرآنا ً مقدساً يُمنع المساس به تطويراً أو تعديلا ً ..
كتب د. محمد ابوبكر - واخيراً , قطع الملك قول كل خطيب , لقد التقط الفكرة , واغلق الابواب امام المنافقين , فهم ليسوا بملكيين اكثر منه , يعرف مصلحة شعبه وما يريده الوطن , فاتخذ قراراً هو الاهم بتشكيل اللجنة الملكية لمراجعة نصوص الدستور الاردني , وهو دستور طيب الذكر الملك طلال , الذي انجزه في فترة حكمه التي لم تتجاوز عاما ً واحدا ً وحتى هذه اللحظة كلما ذكر دستور 1952 ذكر اسم الملك طلال الذي غادر الحكم وهو في ريعان شبابه ولم يكمل عامه الحادي والاربعين الى ان اختاره الله الى جواره عام 1972 .
كان الملك واضحا ً في رسالته للرئيس العتيق وشيخ الرؤساء احمد اللوزي عندما اشار فيها الى ان الساحة الاردنية قد تأثرت بما يدور في المحيط العربي , يعلم الملك ذلك جيدا ً , فهو متابع جيد ومن طراز رفيع , ولماذا يتناقض الحاكم اصلاً مع شعبه , لأن الأصل أن يتصالح أي نظام مع شعبه , هذا ما افتقدته معظم الشعوب العربية التي طالت ساحاتها ثورات عارمة فسقط من سقط من الحكام والباقي على الطريق .
يتصرف الملك بروح الشباب الذي يتطلع الى آفاق أوسع وأرحب من العمل الديمقراطي وتكريس التعددية الحزبية , وتلاقي الأفكار وصولا ً الى النتائج الإيجابية التي نتطلع اليها جميعا ً لتشكل نبراسا يضيء طريقنا في القابلات من الأيام , لأننا جميعا ً نعلم بأن ما هو قادم مختلف تماما ً عما فات وذهب , ولذلك جاء القرار الملكي في الوقت الذي نعتقد أنه مناسب , فقطع الطريق على كل اولئك الذين كانوا يرون في الدستور قرآنا ً مقدسا ً يُمنع المساس به ويُجرّم من يتناول نصا من نصوصه بالتعديل او التطوير , في حين ان هذا الدستور عُدل ما يقارب الثلاثين مرة بعد صدوره قبل حوالي ستين عاما ً .
من البديهي , وبعد انجاز لجنة الحوار الوطني لعملها ان ينظر في الدستور بحيث يتلاءم ذلك مع متطلبات المرحلة المقبلة التي تقتضي تعديلات على بعض النصوص وخاصة فيما يتعلق بقانون الانتخابات النيابية والعمل الحزبي , حيث ان الاصل في العمل الحزبي هو الاباحة , وبالتالي يجب اصدار قانون يتيح الممارسة الحزبية بسهولة ويسر ويعمل على تبسيط الاجراءات اللازمة لترخيص الاحزاب السياسية , ومن هنا اكد جلالة الملك على ضرورة النهوض بالحياة السياسية في السياق الدستوري على ان نأخذ في الاعتبار ما سيصدر عن لجنة الحوار الوطني. وهذا يشير بوضوح الى رغبة الملك الارتقاء بالاداء السياسي الحزبي والنيابي وصولاً لصيغة دستورية تمكن مجلس الامة من القيام بدوره الرقابي والتشريعي , اضافة الى تكريس النزاهة والاستقلال والانسجام بين السلطات الثلاث كما جاء نصا ً في تكليف جلالته للجنة المذكورة .
التقط الملك الفكرة , وغاص في تفكير الاردنيين وأدرك بأن التطور الديمقراطي يحتاج الى عقول شابة لا تشوبها شائبة .. عقول تفكر في المستقبل لا ان ينحصر هذا التفكير بين قدميها دون نظر وتطلع الى الامام , نحن بحاجة الى رؤية واضحة لتطبيق ناجح للنتائج وبما يحفظ التنوع السياسي الوطني ويرسخ النظام النيابي الملكي , لذلك فإن اجراء التعديلات الدستورية يحتاج الى منهجية وعمق , وهذا بحد ذاته لا يصلح له الا الرجال من ذوي الخبرة والكفاءة , وليس اولئك الذين اطالوا اللسان ورفعوا الاصوات حتى بحّت الحناجر , وكانوا على وشك ان يعيثوا في الارض فساداً وخراباً, ونحن شعب نؤمن بالعمل العقلاني الهادئ الرزين حفاظاً على مكتسباتنا وانجازاتنا التي ستتوج قريباً بنهضة ديمقراطية وتطور سياسي بتنا نشتاق اليه كثيراً . المرحلة الآن تتطلب من لجنة الحوار الوطني سرعة الانجاز دون الحاجة الى خلوات هنا او هناك .
او اطالة للوقت ومضيعة للجهد , اعتقد ان الامور اصبحت الآن في خواتيمها , وعلى اللجنة ان لا تسوق الحجج ولا تمارس التسويف بحجة ان القانون المختلط للإنتخابات قد يطيل عمل اللجنة , علينا أن لا ننسى ان المصريين انجزوا تعديلات دستورية في غضون عشرة أيام وقاموا بإجراء استفتاء في بلد الثمانين مليون مواطن .
لجنة الحوار مدعوة اليوم للإسراع وخلال ايام لتضع جهدها بين يدي اللجنة الملكية المكلفة بمراجعة نصوص الدستور , واجزم ان مثل هذه المراجعة واجراء التعديلات اللازمة هو ممر اجباري لتستوي الامور ونضع اقدامنا على السكة الصحيحة لنبدأ مشواراً في العمل الديمقراطي الحقيقي الذي يكرس لحياة حزبية راقية جادة وجديدة ومختلفة عما سبق مع التاكيد على حق كل الاردنيين في ممارسة حقوقهم السياسية التي كفلها الدستور , ويضمنها اليوم لهم جلالة الملك الذي أزاح عن ظهورنا حملا ً ثقيلاً فاجراء التعديلات الدستورية بات أمراً محتوماً ومحسوماً بعد سنوات طويلة وشاقة من استئثار السلطة التنفيذية بكل شيء , وتغولها على كل شيء ايضاً وفي المقدمة السلطة التشريعية وكذلك القضائية , وحان الوقت لتثبيت الحدود بينها وهذا ما نريده وما يقرره الدستور الاردني لعام 1952 .
نحن امام مرحلة مفصلية وهامة في التاريخ السياسي الاردني , نأمل أن نستثمرها جيدا ً دون تعصب او عصبية , ودون إيغال أو تشدد , بعيدا ً عن التمترس في الخنادق , واحتراما ً لكافة الآراء والأفكار والرؤى , هكذا نحن وسنبقى دائما ً , ولا مجال بعد الآن لأي مزايدات أو مهاترات أو نفاق تزكم الأنوف حتى بتنا لا نفرق بين روائح الديمقراطية و كوارث الديكتاتورية.
" شيحان "