أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


من بلد لجماعة لبلد للجميع

بقلم : د. مراد الكلالدة
31-01-2016 08:00 AM
من المعروف أن نظام الحكم بالأردن هو ملكي دستوري، يحكم فيه الملك من خلال مجلس الوزراء الذي يخضع لرقابة مجلس الأمة بشقيه الأعيان والنواب الذي يُعطي الحكومة صلاحية الولاية العامة، ولكن السؤال الذي يتبادر للذهن: هل الحكومة رديف للنظام بالأردن، هذا ما سنحاول الإجابة عليه في هذه المقالة.
لقد كثر إستعمال كلمة (النظام Regime) في السنوات الأخيرة، والتي قد لا تروق للبعض، حيث إرتبطت بشعارات رفعها المتظاهرين في بلدان الربيع العربي لإسقاط النظام أو إصلاحه، ولكن التسمية مستعملة ونقصد بها خيراَ لأنها أفضل تعبير ممكن بالعربية عن البنية الفوقية (الناس) التي تدير أجهزة الدولة بتوافق بين الحكومة التنفيذية ومجلس الأمة والقضاء وغيرها من المؤسسات العامة والخاصة التي تحتكم بعملها الى التشريعات النافذة، وفقاَ لتوافقات إقتصادية مصلحية أو عقائدية سياسية أو مذهبية طائفية.
لقد أبدى جلالة الملك عبد الله الثاني أبن الحسين إنزعاجه من إستخدام كلمة النظام بالمفهوم السلبي حينما قال: النظام هو الدولة، وهو محق بذلك، لأن النظام يضم الموالاة والمعارضة، كأن يكون قسم من النواب من حاجبي الثقة عن حكومة ما، ولكنهم جزء من منظومة الدولة التشريعية والرقابية، وبالتالي هم جزء من النظام.
لقد أعتمد جلالة الملك الراحل، الحسين بن طلال طيب الله ثراه على نهج ثابت في الحكم مفاده بناء مؤسسات وجيش الدولة الأردنية وتحسين أوضاع المواطنين لدرجة أنَ الأردن قد سَبق غالبية إن لم يكن جميع جيرانه العرب من الناحية التنموية وعاش غالبية مواطنيه في بحبوحة إقتصادية بدرجات متفاوتة. حدث هذا في ظل غياب لنشاط الأحزاب السياسية في مؤسسات الدولة، لدرجة أن الناس كانت تصف من يعمل في مؤسسات الدولة ب (إبن النظام) لأن الدوائر الأمنية كانت تمَنح صكوك الغفران وأوسمة التزكية للموالين للخدمة في أجهزتها، بينما تُحجب هذه الموافقة عن المعارضين أو حتى المطالبين بإلغاء الأحكام العرفية التي كانت تَمنح النظام سُلطة تعطيل القوانين والزج بالمعارضين في السجون بدون محاكمة الى ما شاء الوالي.
العام 1989 كان عام مفصلي للأردن حيث تم إلغاء الأحكام العرفية التي طال أمدها 32 سنة، أي ما يقارب نصف عمر المملكة الأردنية الهاشمية وهي فترة طويلة نسبياً قد يختلف المؤرخين على ضرورتها طيلة هذه المدة، فهل كانت هذه الفترة عرفية كما سميت.
لقد ادرك النظام بأن الحظر الكلي للعمل الحزبي غير ممكن في منطقة شهدت حركات سياسية نشطة للقوميين والشيوعيين والأخوان المسلمين، والأردن ليس ببعيد عن هذه الحركات، لدرجة أن حزب البعث العربي الإشتراكي احتفظ بفروع للحزب الأصلي (عراقي أو سوري) في الأردن، فترك النظام الباب موارباً لتاسيس النقابات المهنية وفقا لقوانين عصرية تمكنها من إدارة شؤونها بحرية.
من المعروف أن اليسار الأردني هو من أسس النقابات المهنية بالأردن، بينما كان اليمين محتمياً بالنظام السياسي الحاكم لأنه وببساطة كان هاربا من ملاحقة القوميين في كل من العراق وسورية ومصر، واختار العمل في ظل الدولة الرسمية الأردنية ونأى بنفسه عن التيارات الناشطة التي وَجدت في النقابات المهنية ساحة مناسبة ومتنفس وبديل عن العمل الحزبي المحظور قانونياَ.
لقد تمتعت النقابات المهنية بحصرية لا مثيل لها حينما نصت قوانينها على إلزامية العضوية، بما ضمن لها التمويل وبالتالي النجاح، وأسست مجالسها المنتخبة صناديق تقاعد وتأمين صحي مما زاد من الشهوة لدراسة الطب والهندسة وغيرها من المهن التي تؤمن دخلاَ جيداَ وتقاعداً كريماَ بعد طول عناء.
صحيح أنَ تفرد اليسار بقيادة النقابات المهنية قد بدأ بالإنحسار في بداية التسعينات من القرن العشرين، إلا أن النظام لم يكن راغباَ في الإستحواذ على النقابات، لأن لديه ما يكفي من المناصب يوزعها على الموالاة من غير حسيب في ظل إستبعاد تام لليمين واليسار، فمتى كانت صحوة اليمين وما هي الاسباب التي دعتم للسعي للإستحواذ على النقابات المهنية.
لقد أشتغل اليمين أو الإسلام السياسي على إستراتيجية اقرها التنظيم الدولي للإخوان المسلمين تسمى (التمكين) بمعنى آخر (أتمسكن حتى تتمكن) حيث استغلّ التنظيم هامش الحركة الواسع الذين منحه إياه النظام للعمل في سلك التربية والتعليم والتعليم العالي، فعمل على خلق جيل متدين وملتزم بالأوامر لدرجة استحوذ فيها أبناء وبنات التنظيم على مجالس الطلبة في غالبية الجامعات الأردنية وسيطروا لاحقاً على نقابة المعلمين كتحصيل حاصل لنفوذهم في هذا القطاع الهام، فهل ترك النظام أهم ساحة يتم فيها بناء الأجيال ليسرح ويمرح فيها اليمين بمعرفته ودرايته (بمزاجه) أو عن ضعف، سؤال سنحاول الإجابة عنه في السياق التالي.
من المؤكد بأن النظام قد تأخر في إلغاء الأحكام العرفية، وقد نجتهد لنقول بأن الرغبة في إبرام معاهدة للسلام بين الأردن وإسرائيل قد عجلت بموضوع إلغائها، حيث تم التمهيد لذلك بعودة الحياة البرلمانية بإقرار قانون الإنتخابات للعام 1989 وإشاعة مناخ ديمقراطي أفرز المجلس النيابي الحادي عشر الذي ضم تشكيلة واسعة من الحزبيين وذوي التوجهات الديمقراطية والدينية.
أما وقد تم تمهيد الأرضية لمشاركة اليمين بالسلطة، فإن الوقت أصبح مواتياَ لفتح شباك التغيير الذي طال إنتظاره وخاصة بعد إزدياد التذمر الشعبي بعد تخفيض قيمة الدينار الأردني وهبة نيسان عام 1989. وللتذكير فإن أحداً من قادة الإسلام السياسي لم يسجن بعد هذه الأحداث وإنما تم الزج بقادة اليسار الأردني في السجون، فهل هذا من باب الصدفة.
لقد كان اليمين جاهزاَ لإثبات حسن النية والرغبة بالتعاون مع النظام، حيث أيد معاهدة وادي عربة حين قالوا (الحسين نادى ونحن نلبي) وهذا كان أكبر دليل على إستعدادهم للإعتراف بإسرائيل وتنفيذهم لتوجيهات التنظيم الدولي الذي كان يحضّر نفسه لإستلام الحكومة على أساس القبول بما رفضه القومين العرب الا وهو (الإعتراف بدولة إسرائيل كجزء من الشرق الأوسط الجديد على الطريقة الأردوغانية).
يجادل أصحاب نظرية المؤامرة بأن هذا الترتيب مُعد سابقا، بدليل أن الغرب إستبدل نظام الشاه العلماني في إيران بنظام ديني متعصب، ممهداَ الطريق لإقتتال طويل الأمد بين السنة والشيعة يستنزف فيه الطرفين مواردهم. ويعزز هذه النظرية وقوف الولايات المتحدة الأمريكية الى جانب الأخوان المسلمين بمصر وتخلصهم من نظام القذافي ومحاولتهم مع حلفائهم بإزالة بشار الأسد وحزب البعث العلماني من السلطة واستبداله بمجموعات طائفية تقتتل فيما بينها على غرار حرب داحس والغبراء أو حروب الزير سالم للثأر لمقتل أخيه كليب من قبل إبن عمه جساس أبن مرّة.
لسنا هنا لإصدار الأحكام النهائية لأن التاريخ ما زال يكتب بالدم في منطقة ما زالت بعيده عن السلام الذي تنعم به شعوب العالم الأخرى، ولكننا بتنى قادرين على رؤية طوق النجاة الذي تاه عنا في هذا البحر الهائج من العالم، والمتمثل بالتمسك بالثوابت التي قامت على اساسها جامعة الدول العربية في العام 1945 والتي تؤيد إقامة (وطن عربي) مع إحترام سيادة الدول الأعضاء، وطن تتوفر فيه عوامل الوحدة في إطار التنوع، وإقامة السوق العربية المشتركة. هذا الحلم الذي نادى به القوميين العرب واخفقوا بتحقيقه، هو طوق النجاة الوحيد، وإلا سيستمر الغرب بتقطيعنا ارباَ إربا، لتسهل سيادة إسرائيل وتفوقها علينا. وقد يخالفنا الليبراليين الجدد واتباع الإسلام السياسي بهذا الطرح العروبي الذي يضمن حقوق الأقليات في إطار الدول الوطنية الساعية للوحدة على الأمد الطويل على غرار الإتحاد الأوروبي، ولربما نصل الى (الولايات العربية المتحدة) يوماَ ما.
إن الطريق الى ذلك طويل ويبدأ بالنضال ضد شخوص الليبرالية الجديدة الساعين للإمساك بمفاصل الدولة الأردنية ويعملون بدون كلل الى تقطيع أوصالها وبيع ممتلكاتها ورهن مستقبل أبناءها لصندوق النقد والبنك الدولي. هذا النضال هو أصعب مما كان عليه الأمر في القرن الماضي لأن الصراع لم يعد إقتصادي بين نهجين، وإنما كذلك مذهبي وطائفي، فأصبح من العسير الوصول الى توافق بين جميع هذه الإتجاهات المتصارعة. وقد تنبه النظام الى ضرورة مأسسة عمل الموالاة من خلال التمويل لتأسيس أحزاب وطنية تضفي تنوعاً للخريطة السياسية على ان تظل صغيرة ومسيطر عليها وغب الطلب.
كبار الموظفين، وهم الممسكين حاليا بخناق الدولة الأردنية ويتداولون المواقع فيما بينهم ويورثونها لأبنائهم وبناتهم، يركزون على تعزيز مكتسباتهم التي حققوها حتى تاريخه بالتمكين المالي وذلك بالإمساك بمفاصل الإقتصاد والسيطرة على أسهم الشركات وتسييل حصصهم الى الخارج من خلال القوانين التي فرضوها تحت مسميات التجارة الحرة والإستثمار. أما الإسلام السياسي فهمّه الوصول الى السلطة وفرض مفهومه للدين بالترهيب. أما اليسار فقد بدء يستعيد ثقة الناس كما حصل في أمريكا اللاتينية وبعض دول أوروبا الغربية، وعودة روسيا والصين للساحة كقوى إقتصادية- سياسية مؤثرة.
إن حركات التحرر في المناطق المختلفة من العالم غير معزولة عن بعضها البعض، لا بل أنها أصبحث تتأثر بشكل كبير بفضل تطور وسائل الإتصال والتنقل المختلفة، مما سيوحد جهود الشعوب المستضعفة في مواجهة ثلة قليلة تستحوذ على 95 بالمئة من ثروات العالم. إن هذا الأمر لا يمكن ان يستمر، وستنتفض الشعوب بوجه الأفراد الذين يملكون عشرات المليارت في حين أن غالبية شعوب الأرض لا تجد ما يسد رمقها، هذه الرأسمالية المتوحشة تحفر قبرها بمعول الجشع وسيردمها الناجين برماد نارهم المستعرة.
الوضع بالأردن ذو خصوصية، حيث أصبح لدينا ثلاث إتجاهات واضحة المعالم، وأي تحالف بين إثنين منها سينهي الطرف الثالث الى حين، وقد تبدو الصورة قاتمة بعض الشيء، إلا اننا نمتلك صمام أمآن يضبط المسيرة ويتمثل بالنظام الملكي الدستوري الذي يدرك بأن الوضع غير مثالي ويحتاج الى تحرك سريع لإعادة ثقة الشعب بالنظام الذي فقد من رصيده عند الناس لأسباب عدة قد يكون من أهمها ضعف أداء المجالس النيابية التي صممت لشرعنة الحكومات على علاتها.
إن النظام الأردني قد عقد العزم لإتخاذ خطوة إضافية بإتجاه (ملكية-ديمقراطية) محسوبة بالأرقام تتمثل بالانتخابات على أساس القائمة النسبية المفتوحة على مستوى المحافظة، الا أن هذا التوجه سيمئسس النظام الحالي (ولم لا) ما دامت تجربة الحكومات الحزبية لم تنجح في الدول العربية في كل من (مصر واليمن والعراق وسورية وتونس والجزائر والسودان) فلم لا يكون لدينا نموذج خاص يستند الى تجربتنا التي اثبتت نجاعتها على مدى مئة عام وأكثر.
إن نجحنا بذلك، فإننا نكون قد أرسينا قواعد لنظام جديد، يتجنب الرؤى الضيقة لبعض الأحزاب ويشذب العشائرية ويحد من سلطة مراكز القوى الإقتصادية والأمنية ليتحول الأردن تدريجيا من بلد لجماعة الى بلد للجميع... بحكم القانون.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012