أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


تصدّع الاقتصاد الأردني

بقلم : سلطان كليب
13-02-2016 08:00 AM
المشكلة الكبرى التي عانى منها الإقتصاد الأردني هو التصريح الرسمي الدائم أن الأردن بلداً فقيراً يعاني من شُحٍ في الموارد الطبيعية التي هي من أسس أي اقتصادٍ عالمي،حتى أصبح الشّعب يؤمن بهذا المصطلح بل ويقدسه،راضياً بالكلفة المعيشية التي يتحملها من فقرٍ وجوع لإيمانه بفقر وطنه وموارده ،وقناعته أنه في وطن بلا موارد،واصبح هذا من أسس الدولة أنها بلا موارد وتعتمد في وجودها وتبني اقتصادها على هذا الاساس معتمدة على الهبات والمنح والمساعدات التي تقدم لها من الدول العربية وغير العربية لدعم اقتصادها وموازنتها ونموها وتبني عليه موازنتها السنوية .

وهذا لا يُعتبر مبرّراً لأي دولة تعاني من شُح في الموارد الطبيعية ،علماً أن هذا المُصطلح سياسيٍ ومُسيّس قبل أن يكون حقيقياً والأردن غني بثرواته الطبيعية كبقية دول العالم لو كانت هناك نيّةً حقيقية لاستثمارها والانتفاع منها ،فكثيراً من دول العالم أكثر شُحّاً في الموارد ولكنها استطاعت ان تبني إقتصاداً قوياً من خلال تطوير الصناعة والسياحة كاليابان مثلاً ، واعتمدت على ذاتها،دون اللجوء للإستلاف من أي جهة مانحة تملي عليها شروطاً سياسية واقتصادية ترضخ لها مرغمة بارادتها .

الأردن منذ التأسيس نشا على المساعدات الدولية العربية والعالمية من خلال موجات اللجوء المتتالية منذ اللجوء الفلسطيني حتى اللجوء السوري اليوم ، وقدّمت دول العالم المليارات المتتالية التي لا تتوقف باسم استيعاب موجات اللجوء والنهوض باقتصاد الدولة ومساعدته على استيعاب الهجرات، واصبحت هذه الهبات جزءً من اقتصاديات الدولة التي تعتمد عليها في موازنتها والتي تحدد ملامحها ومستقبلها السياسي والاقتصادي على المدى البعيد ،دون نظرة وبصيرة للمتغيرات التي تطرا على مستقبل العالم وتغير الظروف السياسية للدول المانحة مستقبلاً وأثرها على الاقتصاد الارني بسكل سلبي .

ولا ننسى ما قدمه العراق في فترة حكم الرئيس صدام حسين من مليارات للدولة من خلال دعم الخزينة بما يقارب ال 300 مليون سنويا والنفط شبه المجاني ، واغلب ابناء الأردن تلقوا تعليمهم في الجامعات العراقية والسورية مجاناً أسوة بأبناء تلك البلاد ، واغلب مشاريعنا الاقتصادية ،والتعليمية ،والصحية ،وكذلك الانشاءات كالطرقات كانت ولا زالت تـُقدّمْ لليوم مِنَحاً من دول الخليج، وامريكا، والاتحاد الاوروبي ،حتى السيارات التي تنقل نفاياتنا وتفتح طرقنا وتنقل موتانا كلها هبات وليست جزءًا من خزينة الدولة ،ومع هذا لم نسمع يوما عن تحسن في الاقتصاد الأردني،ينعكس على حياة المواطن،ولا نعرف أين تذهب الايرادات ولا نعلم حجمها الحقيقي الذي يزيد أضعافاً عن المعلن .

الاقتصاد الأردني منذ بداية العام 2000 تقريباً وهو يعاني من عجزٍ متزايد ومتسارع في الموازنة ،وهذا له عدة أسباب ،اهمها الاعتداء على المال العام، أو ما نطلق عليه قضايا الفساد التي طالت كثيرا من المسئولين في مختلف مؤسسات الدولة الخاصة والعامة وكل مشاريعها الاستثمارية ، وتم تقديم بعضهم للمحاكمات الوهمية ، كذلك سوء الإدارة حيث أن اغلب المشاريع الاستثمارية اثبتت فشلها في حين انفق عليها الملايين ولم يتم محاسبة المقصرين وتحميلهم مسئولية الفشل،ووضع الكفاءات غير المناسبة في المكان غير المناسب القائمة على المحسوبية مقابل مصلحة الوطن ،والفشل في استقطباب الاستثمار في الاردن اسوة بالبلاد الاخرى التي تسخِّر جهداً كبيراً لدعم اقتصادها ونموها ،ونحن نساهم في طرد تلك الاستثمارات من خلال فرض ضرائب لا تطاق وعدم تقديم تسهيلات مستقطبة ،فإن كانت الدولة لا يوجد لها مشاريع استثمارية في وطنها فكيف تقنع المستثمرين الآخرين بالاستثمار في وطنهم ،وهذا ترتب عليه تباطؤ في نمو الاقتصاد الاردني وعجزاً دائماً في الموازنة للأسباب التي ذُكِرتْ.

الاقتصاد الاردني يعاني من المديونية التراكمية عبر سنوات والتي أثرّت بدورها على عجز الموازنة العامة ،وهذا بدوره سيؤثر على العجز في الاحتياط من العملات الأجنبية في خزينة الدولة مم يضعف قيمة الدينار أمام تلك العملات ويؤثر على القيمة الشرائية للدينار ويؤدي الى ارتفاع على اسعار الواردات يدفع ثمنها المواطن الاردني لاحقاً .

كذلك لم تتمكن الدولة من الايفاء بسداد نسبة الفوائد على مديونتها حيث أن كل ما تقدمه من ايفاء للديون هو أقل من نسبة الفائدة وهذا يعني تراكما ً ضخماً ومتسارعاً للمديونية لأن الحكومة لم تتوقف عن الاقتراض والاستدانة من صنودق النقد الدولي ،وهو السبب في الارتفاع الفاحش الذي لمسه المواطن على قوت يومه وضريبة الضريبة حتى على انفاسه،والدولة ربما تحتاج عشرات السنين وهي لا تتمكن من ان تسد الفائدة على قروضها ،وهذا يعني عجزاً دائماً لن يتوقف لعشرات السنين .

ارتفاع المديونية يعني مزيداً من الفقر والجوع والتقشف ومزيداً من الغلاء الفاحش الذي أصبح لا يُطاق وخاصة مع موجات اللجوء السوري وكما صرّح الملك بشكل واضح فإن الشارع الأردني يغلي ،فهل يغلي بسبب اللجوء وتبعاته أم بسبب تراكم المديونية قبل اللجوء وما بعد اللجوء كلها اسباب ترتبط بعضها ببعض،لأنه لا توجد سياسة اقتصادية واضحة ،ولا توجد نية لمحاسبة من سلب ونهب كما يشاء دون حسيب ولا رقيب،ولا توجد استراتيجية حقيقية تنفذ بقيمة الحبر الذي كتبت به .

حتى صندوق النقد الدولي ضاق ذرعا من عجز الموازنة ،وأصبح يتحكم بالدولة والحكومة في املاء شروطه ،رغم أن هذا العمل مسيس كما اسلفت سابقا وهو ما اراد ان يصل له البنك الدولي لإملاء شروطه ،هذه الشروط الجديدة تتمثل في توفير 200 الف فرصة عمل للاجئين السوريين ،وسياتي الطلب التالي بتجنيس اعدادا أكبر من هؤلاء وتوطينهم في الاردن كما حصل مع الشعب الفلسطيني لأن الهدف افراغ سوريا كما تم افراغ فلسطين وتطوير خرائط سايكس بيكو بمعالمها الجديدة المعدة منذ العام 1917 ،وهذا سيزيد الأمر تفاقماً ومعاناة على معاناة الاقتصاد الاردني بل ويهدد بانهياره على المدى البعيد لأن العالم سيتخلى بعد التوطين ان حصل .

لا أرى في الأفق القريب أي أملٍ لنمو الاقتصاد الأردني وانعاشه من جديد ،فلا يمكن لدولة اقتصادها منهك أن تستثمر وتقوم بتنمية وتطوير الصناعة لتحقق مزيداً من النمو ،أو الحد من نسبة البطالة ،وتوقف ارتفاع الاسعار وانعاش الاقتصاد ، وهي اليوم تلهث خلف تأمين رواتب موظفيها ،ومحاولتها عدم تاجيج الشارع الاردني وانتفاضته بوجه الحكومه كما قال الملك ان الشارع الاردني يغلي ،فهل نستطيع ان نوقف الغليان ؟ ،حتى التنمية تحتاج الى سنوات واسواق تستوعب الانتاج ...والدول التي كانت تدعم الاقتصاد الاردني بالهبات والمنح كدول الخليج ،هي ذاتها اصبحت تعاني أزمات مالية بعد انهيار أسعار النفط ،وانشغالها بالحروب ونفقاتها كحرب السعودية في اليمن ،ودعمها للثورة السورية ،وتحملها نصيبا من حرب التحالف .

كذلك أمريكا لها نفس المعاناة من النفقات في الحروب التي تخوضها في المنطقة والتكلفة العسكرية في محاربة ما تسميه بالارهاب،واقتصادها اصلا منهار لولا قوة السلاح وماكنات طبعة الدولار دون رصيد ،وايران توجه لها الطعنة القاتله ان تم اعتماد شراء النفط باليورو ،والاتحاد الاوروبي هو كذلك اصبح يعاني من الهجرات وتكلفتها وتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي،ولا زالت لم تتعافى من انهيار الاقتصاد عام 208 ،اذا هذه الدول اصبحت منشغلة بنفسها ،وهذا سيترتب عليه التوقف عن تقديم الدعم بسخاء للأردن كالعهد الذي مضى وعلى المواطن الأردني أن يتحمل عبء تحمل دعم الاقتصاد الاردني من قوت بطنه وصحته،والخطر الأكبر أن يفقد الدينار قيمته أمام العملات الأجنبية كما حصل عندما هبط سعر صرف الدينار امام الدولار من 3 دولارات الى دولار وثلث تقريبا لليوم،ولا نعلم كم سيصل صرف الدينار أمام الدولار بعد مديونية وتضخم تجاوز الثلاثين مليار هل يهبط الى النصف لاحقا .

كل ما يقال عن تحسن الوضع الاقتصادي ليس أكثر من ابر تخدير للمواطن الاردني ،المنطقة مشتعله بالحروب ،وربما يتوسع نطاقها مستقبلا ليشمل العالم أجمع ،والاقتصاد العالمي معرّض للإنهيار كلما زادت رقعة الحرب والتوتر ، ولكن الحقيقة المُرّة مهما اخفيناها سياتي وقتاً لتنفجر ويدرك خطرها الجميع على مستقبل الوطن والشعب،وعلينا ان لا ننسى أننا شركاء فيما وصلنا اليه لأننا نغض الطرف عن الجناه ومن دمروا اقتصاد الوطن ونتغنى ببطولاتهم الوهمية من اجل مصالح خاصة آنية يدفع ثمنها ابناء المستقبل .

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
08-05-2016 11:28 AM

قد اسمعت ان ناديت حيا ولكن لا حياه لمن تنادي

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012