أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


اسباب الانسحاب الروسي المفاجئ من سوريا

بقلم : سلطان كليب
16-03-2016 08:00 AM
لم يكُن الانسحاب الروسي مفاجئا ،وربما جاء بتوقيته الصحيح ، ولا يمكن أن نجعل لهذا الانسحاب المفاجئ سببا واحدا ان لم ندرس جميع الظروف السياسية التي تمر بها المنطقة منذ التدخل الروسي المفاجئ حتى الانسحاب الجزئي المفاجئ ،ومن الخطأ أن نعتبر أن هذا الانسحاب هو نتيجة ضعف القوات الروسية بعد الانتصارات التي حققتها على ارض المعركة وان كانت افعالا اجرامية ولكن نسميها انتصارات حسب المفهوم العسكري في ساحة المعركة.

في البداية يجب ان نؤكد أن هذا الانسحاب المفاجئ كان كما التدخل العاجل والمفاجئ للقوات الروسية عندما أوشكَ نظام بشار الاسد على السقوط ، روسيا كانت ولازالت تقف مع نظام الاسد منذ اندلاع الثورة السورية ، أما الاسد فقد استخدم كل قوته العسكرية المفرطة للسيطرة على الثورة وسحقها بالتدرج لكنه لم يستطع الوقوف بوجه الثواروتنامي قوتهم ،وهذا جعل ايران تتدخل بشكل تدريجي سرّياً حتى اعلنت وقوفها بكل قوة مع نظام بشار، وكذلك الحال التدخل السري ثم العلني لقوات حزب الله والنفي ثم التأكيد والحال نفسه مع المليشيات العراقية التي ساندت النظام لليوم .

رغم كل القوة المفرطة التي استخدمها بشار الاسد ضد الثورة ،والتعزيزيات العسكرية الايرانية وحلفائها إلا أنها على ارض الواقع انهارت وتكبدت خسائر كبيرة بالارواح والمعدات ،واغلب القوات الايرانية التي تم الزج بها والقوات المرتزقة من المليشيات العراقية والقادمين من افغانستان قضوا نحبهم على الارض السورية ، ونال حزب الله كذلك خسائر فادحة، واوشكت دمشق على السقوط بيد المعارضة حيث اصبح القتال على ابواب دمشق، ووجدت روسيا نفسها كمراقب للوضع عن كثب مجبرة ان تخوض الحرب بنفسها بكل ثقلها العسكري حفاظا على مصالحها في اللحظات الأخيرة وكان القرار بالتدخل المفاجئ كما الانسحاب المفاجئ .

وبما ان لروسيا مصالحها في الشرق الأوسط ،وهي حليف لإيران ونظام بشار الأسد فإن سقوط سوريا بيد الثوار يعني نهاية وجود الدب الروسي وانهاء مصالحه في المنطقة، وخاصة منطقة حوض البحر المتوسط، منطقة الصراع التاريخي للحضارات، فكان التحرك الروسي المفاجئ وتحريك قواته العسكرية البرية والبحرية والجوية لقمع الثورة وتحجيمها باسرع وقت ممكن ،واستخدام القوة المفرطة حتى اللحظات الأخيرة .

نعود لبعض أسباب الانسحاب، الاقتصاد العالمي بشكل عام يمر بمرحلة حرجة نتيجة انخفاض اسعار النفط ،وهذا أثر على الاقتصاد الروسي الذي ينتج 10 مليون برميل يوميا ،وأثر على قيمة الروبل أمام الدولار ،والأحداث أدت إلى تدهور العلاقات التركية الروسية وتأزيمها، وكان لانخفاض النفط وتوتر العلاقات مع تركيا أثرا على الاقتصاد الروسي ، وكذلك الحال بالنسبة للسعودية، ودول الخليج، وإيران التي تأثرت بانخفاض اسعار النفط ،والحرب تحتاج الى دعم اقتصادي كبيرلتمويلها ،ودفع تكلفة نفقات الحروب من قبل الدولة الصديقة ،وعادة الدول الكبرى عندما تقوم بحرب بالانابة فإنها تحتاج الى تغطية تأمل استردادها من الدولة التي تدافع عنها كما فعلت امريكا مع العراق والتي لا زالت لليوم تدفع جزءًا من عائدات نفطها ثمنا لنفقات الحرب الأمريكية .

سوريا دولة محدودة الموارد وان توفر بها النفط، والغاز، والزراعة، لكن مواردها لا تكفي لتغطي حربا طويلة الأمد تفي بتكلفة الحرب لروسيا مستقبلا وخاصة في مجال ثمن الأسلحة التي تشتريها بالآجل،ونفقات الجيش خارج وطنه حيث الرواتب مضاعفة، وايران تعاني من الوضع الاقتصادي رغم افراج امريكا عن أرصدتها، ولا تستطيع ان تستمر في تمويل الفاتورة الروسية باهضة الثمن لسوريا وروسيا ثمنا لتكلفة الحرب،لذلك لا مصلحة لروسيا ببيع مزيد من السلاح بالمليارات ولا امل لها ان تقبض ثمنه لا من نظام بشار ولا من البديل للنظام كموارد نفطية كالعراق .

الأمر الآخر رغم الاتفاق الظاهر بين ايران وروسيا على المصالح في المنطقة ،إلا ان هناك خلافات كثيرة بينهما وتناولته بمقالات سابقة ،روسيا لا يهمها نظام الأسد بقدر ما يهمها ان يكون الرئيس البديل لبشار يتوافق مع مصالحها بالمنطقة، فكانت متوافقه مع أمريكا حول تغيير نظام الاسد واستبداله ، وهذا لا يتوافق مع الرؤيا الايرانية التي تريد الابقاء على نظام الاسد والدفاع عنه بكل قوة لأنه يقدم لها من التسهيلات التي لا يمكن ان تحصل عليها مع نظام آخر بديل لبشار،والاطاحة ببشار تعني الاطاحة بكل الموالين للنظام الايراني وقطع الطريق على امدادات حزب الله ، وكان هذا جوهر الخلاف بينهما حتى الآن حتى وان كان الرئيس علويا بالنسبة لايران لا تريد به بديلا وهو مرفوض.

الأمر الثالث أن السعودية شعرت بخطورة النظام الايراني على وجودها وأصبح يشكل تهديدا لمصالحها ووجودها ومن الممكن - حسب الرؤيا السعودية - ان انتصرت ايران في سوريا واليمن مع حليفها الاستراتيجي في العراق اي هيمنة الشيعة على الحكم والمليشيات التي تُعَدء بعشرات الالاف في العراق، ونظام موالي بالكامل لإيران ،يصبح النظام السعودي قاب قوسين أو أدنى من السقوط لأن جميع الجيوش العربية أصبحت أثرا بعد عين ،لذلك كانت التصريحات السعودية حادة، وانه لامجال للتفاوض مع الاسد الا بسقوط نظام بشار الاسد حتى ان لزم الامر استخدام القوة العسكرية المفرطة مع الحلفاء أو بدونهم مع انه قرار مصيري وخطير .

لذلك جاءت مناورات رعد الشمال ،والتي شارك بها نحو 350 الف جندي وهي تعتبر الاضخم في المنطقة منذ نشوء الجيوش العربية كرسالة تهديد لروسيا، وايران، ونظام بشار الأسد دلالة على جاهزية السعودية وحلفائها للحرب البرية المرتقبة في اية لحظة ،ورؤيتي ان السعودية مصرة على اسقاط نظام بشار، والحوثيين، وحزب الله بكل قوة وجدية وليس مجرد تهديد، لأن نظامها مهدد بكل السبل سلما او حرباً، وآيل للسقوط ان لم تمسك زمام المبادرة ليس دفاعا عن الدين والاسلام والعروبة كما تعلن، وانما دفاعا عن نظامهم الزائل لا محالة بسبب الخطر الايراني حسب رؤيتهم حتى لو سقط وقتل بهذه الحرب الملايين،وانفقت كل خزائنها على هذه الحرب فهي قصة بقاء او انتهاء بالنسبة للنظام السعودي والخليجي .

روسيا بعد أن حققت نجاحات كبيرة على الجبهات السورية واستعاد الجيش السوري كثيرا من المناطق التي يسيطر عليها الثوار ،كانت جاهدة لتحقيق نصرا على الارض يواكبه نصرا في المفاوضات جنيف 3 ،وهو نفس الاسلوب الموازي الذي قامت به أمريكا مع الثورة، حيث لم تقدم الدعم العسكري الكافي للثوار لصد هجمات النظام السوري رغم احرازه بعض التقدم في كثير من المناطق لأنها تريدها حربا طويلة توقع أكبر عدد من القتلى والخسائر في البنى التحتيه،وتفرض شروطها على المفاوض السوري الحليف بعد اضعافه بما يحقق أهدافها لأن المفاوضين لم يتقبلوا كل الاملاءات الأمريكية وخاصة بما يتعلق ببقاء بشار الأسد،أو تشكيل حكومة توافق وطنية لهم جزء من المشاركة بتلك الحكومة .

المعلم استبق محادثات جنيف 3 بتصريحات نارية انه لا تفاوض على سلطة الاسد وهو موضوع غير قابل للنقاش ،وانما نتناقش على حكومة توافق وطنية تجمع كل الاطراف ،هذا التصريح مدعوما من ايران، وحزب الله، والعراق،ويعتبر مخالفا للرؤية الروسية حول مصير الاسد ، وهو ماذكرته في البداية تمترس ايران خلف شخص الاسد،والرؤيا الروسية لاتمانع من وجود بديل للأسد حسب الشروط التي ستمليها على شخصية الرئيس القادم ويتوافق مع مصالحها .

نتيجة ذلك كما قامت روسيا بدعم الاسد المشروط مسبقا عندما تم استدعائه الى الكرملين، الدعم المطلق مقابل الخضوع للشروط الروسية بما فيها مصيره شخصيا ، لكن أمره لم يكن بيده فكان تصريح المعلم واصرار النظام على التمسك بالسلطة حسب الرؤيا الايرانية ،وهذا يخالف كذلك رؤية الموقف السعودي المتشدد بالاطاحة ببشار، ولابد ان هناك رسائل سرية قبل المفاوضات تؤكد نية السعودية خوض هذه الحرب بكل قوة بعد التدريبات المشتركه، شعرت روسيا بسوء النوايا الايرانية التي عبر عنها المعلم بتصريحاته قبل بدء المفاوضات، فكان الاعلان عن الانسحاب المفاجئ بعد تلك الانتصارات وفي خضم المفاوضات لاضعاف القرار السوري الايراني ، وهي رسالة لايران باعلان بوتين التخلي عنها وتركها تقاتل في الساحة لوحدها ،هذا الانسحاب سيملي على ايران تغطية وتعويض الانسحاب الروسي بالجنود والدبابات والطائرات على الارض، وبالطبع سيؤدي الى تكبيد ايران خسائر كبيرة بدون غطاء جوي يحمي القوات على الارض كما كان يحصل قبل توفير الغطاء الجوي الروسي للقوات السورية الايرانية على الارض والتي تكبدت خسائر فادحة يوميا لم يعلن عنها في حينها ولليوم ،وسوف يترتب على الانسحاب الروسي التوقف مؤقتا عن تزويد النظام بالسلاح كما كان سابقا ،وربما تتوقف روسيا عن تزويد ايران بالاسلحة كورقة ضغط نتيجة سياستها في سوريا وخاصة صواريخ اس 300 وقطع الغيار كورقة ضغط لاخضاعها للإرادة الروسية .

لذلك اتوقع خلال الشهور القادمة نشهد تحولات ميدانية كبيرة واعادة استيلاء الثوار على كثير من المناطق التي تم استعادتها من قوات الاسد ،وسوف تقدّم السعودية مزيد من الدعم للثواروخاصة الصواريخ المضادة للدبابات ،أما روسيا فستبقى تراقب الوضع عن كثب كالسابق ومن الممكن ان تستخدم بعض من طائراتها في عمليات قتالية كاثبات وجود لا اكثر ، كما اتوقع أن هذا الانسحاب اعطى ضوءًا اخضر للسعودية كي تتحرك برياً طبعا بموافقة أمريكا لأن مصلحة الجميع الآن روسيا وامريكا أن يحصل صدام سني شيعي وبكل قوة ليمتد من ايران الى الخليج وتلتهب الارض بكل مكان بكل انواع السلاح ويصبح القتل على الهوية،وتعم الفوضى المنطقة ،وانهاك الجيش الايراني واضعافه كما الجيش السعودي ومن تحالف معه في سوريا وخارج سوريا .

في مرحلة لاحقة بعد ان تشيع الارض من الدماء والجثث سيعود الروس بكامل قوتهم بعد ان تلقن ايران درسا قويا وتصبح غير قادرة على فرض شروطها السياسية ، ونعود الى التحشدات العسكرية مرة اخرى وتبدا التحالفات من جديد ولكن هذه المرة اتوقع ان يكون الصدام مباشرة بين القوى العظمى لأن الجيوش الصغيرة ستصبح في خبر كان ومجرد تابع وحشوات للتحالفات وتبدا مرحلة تقسيم النفوذ التي لن يتفقوا عليها سياسيا ولا بد من فرض الهيمنة العسكرية على الارض بالقوة وتبدا المواجهة للملحمة الكبرى خلال السنوات القادمة ،وكما بدات اول مقال لي عن سوريا قبل خمس سنوات الحرب لن تتوقف ،ولا قيمة لاي مباحثات سلام ،والقتال يستمر منسوبه ارتفاعا وانخفاضا بين الاطراف حتى تندلع تلك الحرب التي لا تبقي ولا تذر فهو قدر الله المكتوب والوسيلة الوحيدة لرفع الظلم من الارض .
مدير مركز الشفافية الدولي لدراسات حقوق الانسان

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
16-03-2016 09:35 AM

وصلهم تهديد من اردوغان بالمغادرة خلال 48 ساعة . وهذا السبب الرئيسي وما ذكر من اسباب هي اجتهادات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012