08-05-2011 07:14 AM
كل الاردن -
كتب/د. محمد ابو بكر
يصف احد الاصدقاء الفساد في الاردن بالماء المصبوغ , بحيث لا تستطيع ابدا فصل الماء عن الصبغة , وهذا يدل بوضوح على ان الفساد شبكة كبيرة لا نهاية لها , وبالتالي فإن مقولة الحرب على الفساد ماهي الا عبارة عن إبر تخدير للشعب الاردني لأنه من سابع المستحيلات او ثامنها القضاء على هذه الآفة التي مازالت آخذة في التوسع والتمدد من خلال ما يتم اكتشافه يومياً من صور لهذا الفساد لا يكاد يستوعبها عقل ولا تخطر على بال وذلك لحجم الاموال التي نهبت ولن تعود ابداً , او ان اعادتها تلاقي العديد من المصاعب والعقبات بحيث اننا سنرضخ يوماً ما للامر الواقع , ونقول عفى الله عما مضى , فقط دعونا نبدأ من جديد وبصفحة بيضاء , أجزم أنها ستزداد سواداً مع الايام القادمة , لأن الفساد بات مؤسسة ضخمة تفرخ نفسها بنفسها منذ اكثر من ثمانين عاما.
هذه المؤسسة باتت هي المسيطرة على كافة المفاصل , لأنها تضم في جنباتها رموزاً وماهي برموز , بل مجرد لصوص اتقنوا فن النصب والاحتيال ووزراء ومتنفذين ابدعوا في الافلات من القبضة او المساءلة لانهم لا يتركون اثراً لجرائمهم بحق الوطن ومواطنيه وخيراته ومقراته , فنهبوا ما نهبوا , وهاهي اموالهم ترتاح بطمأنينة في بنوك اوروبية وامريكية , وحساباتهم في البنوك الاردنية لا تكاد تُرى بالعين المجردة , حتى لو انك بحثت عن عقاراتهم داخل الوطن لوجدتها مرهونة للبنوك , فكيف للدولة ان تقوم بالحجز عليها ؟ انهم اذكى من ان تطالهم يد العدالة وصولجان الحق , وفي النهاية نأكلها نحن معشر الأردنيين الفقراء .
نسمع كل يوم عن وجود اسماء لها وزنها واشخاص من العيار الثقيل , وكأن هناك ما يمنع الاعلان عن هذه الاسماء , نعم هناك ما يمنع ذلك , واجزم انه من المستحيل الاعلان عن اسماء الكبار المتورطين في قضايا فساد مختلفة , لأن هؤلاء لم يعملوا لوحدهم , ولم يمارسوا السطو والنصب والاحتيال دون سند او ظهير او دون غطاء من هذه الجهة او تلك , لذلك هي شبكة مترامية الاطراف , ابطالها ينظرون الينا بإزدراء واستخفاف , لانهم استخفوا بنا في يوم من الايام بعد ان مارسوا لعبة السرقات التي لن تنتهي .
اشكر هيئة مكافحة الفساد التي مدت يديها لوسائل الاعلام من اجل التنسيق والتشاور , لان الهيئة تدرك ان الاعلام والصحافة هي الجهة الوحيدة التي ستقف مساندة لها في عملها , وربما تقوم بتزويدها بملفات لا حصر لها , وتدرك الهيئة ان تعاون السلطة التنفيذية معها لم يصل الى الحد المقبول , وكذلك هو الحال مع السلطة التشريعية , لذلك لم يكن امامها الا طلب التنسيق مع وسائل الاعلام التي طالما عانت من ظلم ذوي النفوذ وكبار المسؤولين لانها تجرأت وفتحت ملفاً .
قبل عقدين من الزمن كنت مشرفاً على إحدى الصحف الاسبوعية , وحصلنا بطريقة ما على أكثر من خمسين ملفاً تخص احدى الشركات الكبرى في الاردن , وقمنا بوضع اعلان مفاده اننا وابتداء من العدد القادم سنقوم بنشر اولى حلقات ملف شركة ... المساهمة العامة المحدودة المليء بالتجاوزات والفساد , لم ننشر شيئاً بعد , انه مجرد اعلان لفتح الملف , وكانت النتيجة ان اتخذ مجلس الوزراء في ذلك الوقت قراراً بايقاف الصحيفة عن العمل لمدة ستة اسابيع , وكان رئيس الوزراء في ذلك الوقت هو السيد طاهر المصري ويا لها من مفارقة غريبة !
الفاسدون اقوى منا جميعا ً , فالإعلام أضعف من أن يواجه هذه المافيات الا اذا تمكن هذا الاعلام من الحصول على حصانة تمنع مطاردته او التربص به من قبل ( زعران) هؤلاء الفاسدين الكبار , ولا انكر اذا قلت أننا في الصحافة نخشى حتى هذه اللحظة من فتح بعض الملفات التي بين ايدينا خوفاً على أنفسنا من هؤلاء البلطجية , واذا كانت هيئة مكافحة الفساد نفسها تخشى الولوج اكثر فاكثر في ذلك , فكيف هو الحال معنا نحن معشر الكتاب والصحفيين ؟
انه امر شائك وشديد التعقيد , هذا اذا ما علمنا بأن هناك من يحاول اعاقة عمل الهيئة وبعثرة جهودها او وضع خطوط حمراء لها لا يجب عليها ان تتجاوزها , واجزم بأن الكثيرين من اصحاب الدولة او المعالي او المتنفذين يشعرون بالندم الشديد على ذلك اليوم الذي انشئت فيه هيئة مكافحة الفساد , علما ً بأنهم يدركون بأن سيف الهيئة لن يطالهم لأنهم من أصحاب الدولة والمعالي وان الجهة الوحيدة المخولة لمحاكمتهم ومحاسبتهم هي مجلس النواب وبأغلبية الثلثين حسب ما نص عليه الدستور الاردني .
وفوق كل ذلك فإن اولئك المتربحين والمكتسبين من ذوي النفوذ والسلطة تعاملوا في السابق بذكاء , فهم قد ورطوا بقصد العديد من كبار المسؤولين في فسادهم , وأشركوهم في أعمالهم غير البريئة , ويحاول هؤلاء بأي طريقة التخلص من هذه الورطة , وكيف لهم ان يتخلصوا منها ؟ فبعد خراب مالطا لا يوجد خراب يا أصحاب الشأن العالي.
نكاد نصاب بالحنق والغضب من حجم الفساد في بلادنا , واذا ما تطرقنا الى بعض القضايا نجد انهم يحاولون ايجاد كبش الفداء والزج به في سجن الجويدة وكأنه هو الفاسد الأكبر , أما هم فمازالوا يرتعون بما سرقوه ونهبوه , ونحن نتوسل للحكومة بأن تبقي الدعم على السلع الاساسية وان لا ترفع اسعار المشتقات النفطية , في حين ان الحكومة عاجزة عن استرجاع دينار واحد من هؤلاء , فهذه الدنانير ذهبت الى غير رجعة , في جيوبهم وبنوكهم وبطونهم في الوقت الذي اوشكت فيه بطون الاردنيين ان تلامس ظهورهم من شدة فقرهم وجوعهم وقهرهم , فلنا الله وعليهم اللعنة.
صحيفة شيحان