بقلم : طايل البشابشة
26-03-2016 09:10 PM
كثير منا يعرف كيف بدأ الربيع العربي ذلك العنوان الجميل ،الذي تفائلت به الجماهير العربية عند انطلاق قاطرته على يد الشباب العربي الثائر،ابتداءا من تونس الخضراء ثم مصر الكنانة مرورا بليبيا المختار ثم يتجه شرقا إلى حيث اليمن السعيد لينعطف شمالا إلى عراق العباسيين ثم إلى محطته الأخيرة حتى الآن ..! شام الأمويين سوريا العروبة.
هذه الجماهير من الشباب العربي الثائر التي انطلقت الى الشوارع والساحات والميادين في المدن العربية كمارد انفلت عقاله وخرج من القمقم ، بعدحبس مظلم طويل طويل قضته في سجن كبير يدعى الدولة القطرية التي قامت على الظلم والإستبداد والإستعباد لألوهية الحاكم الذي كتم الأنفاس وزرع الخوف والفرقة وكرس القطرية فحصدت الأمة الجهل والتخلف والوهن وبالتالي التبعية ،تبعية الضعيف للقوي ..تبعية الصغار للكبار.
لاداعي للإسهاب في الحديث عن تبعية الدولة العربية القطرية فقد خاض فيها الخائضون لكننا نختصر الكلام بالقول أن دول العرب القطرية كانت منذ تأسيسها تتبع القوتين العظميين اللتان ظهرتا بعد الحرب العالمية الثانية ، دول تتبع المعسكر الغربي الرأسمالي المتمثلة بالدول الإستعمارية بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وغيرها من دول القارة الأوروبية وورثتهم أحياءا الولايات المتحدة الأمريكية ، ودول تتبع المعسكر الشرقي الإشتراكي يتزعمها الإتحاد السوفييتي ومن يدورفي فلكه من الدول الإشتراكية .
وبعد انهياره وتفككه ورثته روسيا المفلسة المترنحة تحت قيادة رئيس عجوزمريض (يلتسن) زادها فقرا وإفلاسا إلى أن قيض لها قيصر جديد ضمد جراحها ولملم أشلائها وقضى على جزء كبير من أباطرة الفساد فيها ،ولما استتب له الأمر واشتد عوده وتحول إلى دب بالغ بدأ باستعادة هيبة روسيا التي تنمر عليها بعض من جيرانها ، فكان لابد من تأديبهم فبدأ بجورجيا بعد أن استنفر انفصاليي أوسيتيا ،ثم انعطف إلى أوكرانيا التي كانت تخطط للإنضمام إلى حلف الناتو فافتعل مشكلة القرم وأعاد ضمها عنوة إلى روسيا، وأخيرا حط الدب الروسي رحاله في سوريا بعد أن دعاه بشار الأسد لكرمه الذي ورثه عن والده الذي استولى على السلطة في سوريا إثر انقلاب عسكري سنة 1971 .
كان جلب الدب الروسي للكرم السوري على يد بشار الأسد متوقعا في نهاية المطاف إذا استدعى الأمر ذلك وهو الذي ورث هذا الحلف من والده الذي وقع مع روسيا معاهدة الصداقة سنة 1980 ومنحها بموجبها القاعدة البحرية في طرطوس إذ أنه له موطأ قدم قديم وإرث عريق في علاقات تاريخية طويلة وعودته لأرض الشام لن تكون معضلة بل فرصةلإثبات الذات و للمشاركة في الدفاع عن الحليف والصديق القديم ، فالأسد الأب يقرأ المستقبل جيدا ويدرك أن سوريا كدولة قطرية مهما على شأنها فلن تستطيع الصمود وحدها فالبقاء للأقوياء فكان لابد من أن يتحالف مع روسيا وريثة السوفييت والمصدر الوحيد لسلاح جيشه في وجه الحلف الصهيوني الأمريكي الغربي فهو رجل ذكي يتميزبالدهاء السياسي ويتقن اللعب والمراوغة في هذا المضمار ويجيد اللعب بالأوراق كلاعب السيرك المتمكن وإن بميكافيلية السياسي الذي تهمه الغاية أيا كانت الوسيلة.
نعم برع الأسد الأب في بسط نفوذه على سوريا بفسيفسائها المنوعة بحكم بوليسي لانظير له في القمع والبطش والإستبداد واستطاع بحنكته وجبروته تطويع وتدجين شعب مسيس قام بثورات عدة على من سبقوه في حكم سوريا وتمكين أقلية طائفية لاتتجاوز في تعدادها 15% من سكان سوريا من الإمساك بمفاصل الدولة السورية وبسط نفوذها على الجيش والأجهزة الأمنية بمختلف فروعها ، وبحكم دهائه ومعرفته بالشعب السوري صاحب الأغلبية السنية الطاغية وعلمه بأنه لن يستكين ويستسلم لواقع الحال فلابد له أن يثور يوما ، فلم يكفه التحالف القديم الجديد مع الروس بل قام بالتحالف مع إيران بعد سقوط الشاه وإعلانها جمهورية إسلامية ذات توجه مذهبي كراعية للطائفة الشيعية في العالم وبالذات في المحيط الإقليمي، فقام بالتحالف معها مستغلا الصراع المحتدم بين جناحي حزب البعث العربي في العراق والشام ورأينا كيف وقف بقوه مع الحليف الجديد الإيراني ضد العراق البعثي الشقيق في العروبة والأيدولوجيا وكان أن لبس ثوب العاربخيانتة أمته شأنه شأن العلقمي وأبي رغال وغيرهم من العرب الخونة عندما زود إيران بالوجبات الأولى من الصواريخ السورية التي كانت تدك بغداد الرشيد ، ولم يخفي الأسد الأب ميكافيليته وحقده على العراق العربي بل كانت قواته المنتقاه جنبا إلى جنب الجنود الأمريكيين في حفر الباطن لمقاتلة الجيش العراقي.
إلى جانب ذلك أثبت الأسد الأب براعته في التلون فقد تمسك بعلاقة طيبة مع مصر والسعودية وشكل معهما مثلث عربي إضافة لعلاقته مع إيران التي كان يلعب معها ورقتي القاهرة والرياض والعكس أيضا بلعبه معهما بورقة طهران ونجح ببراعة في ذلك واحتفظ باستقلالية سوريا دون أن يرهنها لأي من العواصم الثلاث بنفس الوقت الذي كان يمسك به بورقة لبنان بقوة بتحالفه مع حزب الله اللبناني وبعض الأحزاب العلمانية والمسيحية.
أما الأسد الإبن الذي ورث عرش أبيه بتعديل دستوري لحداثة سنه ،فقد حاول أن يرتدي جلباب أبيه لكنه فشل في أن يملأه فقد كان واسعا عليه لدرجة أن شل حركته وجعله يتخبط في خطواته ، وكان أكثر خطواته حماقة هو إلقاء سوريا بحضن إيران الطامحة لدور كبير في الإقليم بعد احتلال العراق من قبل أمريكاوانسحابها منه إثر ضربات المقاومة السنية فملأت إيران الفراغ بحكمة بواسطة صنيعتها حزب الدعوة العراقي الإسم ،الإيراني المولد والنشأة والولاء والإنتماء ،بعد أن هيئت له حكم العراق والهيمنة على قراره السياسي الخارجي والداخلي ،ومقدراته وجيشه الجديد الذي أنشئ على أسس طائفية وأيضا أجهزته الأمنية الجديدة التي دعمت بميليشيات طائفية مقبتة حدث ذلك كله بالتعاون مع أمريكا التي قدمت العراق جمل بما حمل هدية على طبق من ذهب لإيران.
ولم تكتف إيران بغنيمة العراق الدسمة فتوجهت نحو سوريا بعيد وصول قاطرة الربيع العربي إليها وانفجار ثورتها ضد نظام حليفها الطائفي الإستراتيجي ،فوجدت الطريق إليها ممهدة معبدة منذ أيام الأسد الأب فانقضت عليها بقضها وقضيضها من خبراء عسكريين وحرس ثوري وميليشيات طائفية شيعية من العراق ولبنان وأفغانستان واليمن وبعض دول الخليج العربي ، عدا عن تنظيمها لتشكيلات الجبش الشعبي الوطني الذي كان التجنيد به يقتصر على الطائفة الشيعية والعلوية وقد كانت مهمته هي مقاتلة المسلحين من المعارضة السورية وخاصة الجبش الحر وجبش الفتح وغيرهم من الفصائل المعادية للنظام باستثناء جيش الدولة الإسلامية (داعش) الذي لم تقاتله قط.جاء ذلك في تصريح لقائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري في منتصف أكتوبر 2015 الذي قال فيه أن طهران نظمت مئة ألف مقاتل من هؤلاء بحجة الدفاع عن المدن وحفظ الأمن والإستقرار بسوريا .
مما لاشك فيه أن إيران كانت لها اليد الطولى في صمود النظام إلى حين بفضل دعمها المادي واللوجستي والعسكري المتمثل بالجسور الجوية المحملة بالأسلحة والذخائر والممتدة من طهران مرورا بالعراق إلى دمشق إضافة إلى الدعم الإعلامي بنكهته الطائفية التي مكنتها من تجنيد آلاف المقاتلين الشيعة بحجة حماية المراقد الشيعية .
لكن ذلك الدعم على كثرته لم يمكن النظام من الصمود إلا إلى حين وعندما شعر الأسد وحليفه الإيراني أن النظام يتهاوى ويفقد المزيد من الأراضى ،وعندما أصبح الثوار على أبواب اللاذقية المعقل الرئيس له وخزانه البشري وحاضنته في الساحل ،وأيضا في الجنوب على أبواب العاصمة دمشق أجمع الحليفان على الإستنجاد بالدب الروسي ، الذي لبى النداء ودخل إلى الكرم السوري رغبة منه في الظهور كقطب مهم بعد أن توارى لفترة ولرفع الإذلال والإمتهان الذي مورس من الغرب على الشعب الروسي بعد سقوط الإتحاد السوفييتي وليحمي قاعدته البحرية الوحيدة في المياه الدافئة شرقي المتوسط (قاعدة طرطوس) وليحمي وينقذ حليفه الأسد.
شجعه على ذلك الموقف الأمريكي المتمثل بسياسة أوباما الحذرة والمترددة بالدخول بقوة في وحل المستنقع السوري عقب الدروس التي تلقنها الأمريكان في أفغانستان والعراق.
وهكذا دخلت روسيا رسميا إلى سوريا لتفرض نفسها بقوة على بقية الأطراف الموجودة على الأرض بصفتها الطرف الأقوى الذي يقود دفة الأحداث بعد أن كاننت تشارك فيها من موسكو بدعم سياسي وعسكري لوجستي ، دخلت بقوة لتعلن بوضوح ودون مواربه أنها تعتبر من يحمل السلاح ضد الدولة السورية هو إرهابي وستحاربه ،بخلاف ما ادعته في البداية عندما قالت أنها أتت لمحاربة الإرهاب المتمثل بالدولة الإسلامية داعش وبارك ذلك بطريرك الأرثوذكس بمائه المقدس.
وفعلا بدأت العمليات الحربية الروسية بقصف جوي عنيف لمختلف الفصائل السورية المعارضة التي تحارب النظام السوري ، وكان نصيب الفصائل المصنفة معتدلة حوالي 90% من الضربات الجوية ومن قصف الصواريخ العابرة من بحر قزوين ومن البحر المتوسط متبعة سياسة الأرض المحروقة مستهدفة المدن والقرى والحواضن الشعبية للثورة السورية ، ممهدة الطريق بقوة لجيش النظام الذي أمدته بترسانة جديدة من الأسلحة النوعية الروسية يعاونه قوات منتقاة من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني والألاف من المقاتلين من الميليشيات الشيعية المؤدلجين عدا عن الألاف من ماسمي جيش الدفاع الوطني الطائفي بقيادة إيرانية يعاونهم كتائب ماسمي قوات سوريا الديموقراطية ذات الأغلبية الكردية المسلحة والمدعومة من أمريكا وروسيا .
طبعا فعل القصف الجوي الروسي وقصف الصواريخ العابرة من البحار فعله على الأرض وأحرز جيش النظام وحلفاؤه على الأرض تقدما ملموسا في الشمال والجنوب وتراجعا وإنكفاءا ملحوظا للمعارضة السورية ، وقع ذلك كله تحت أنظار واشنطون التي كانت ردود أفعالها باهتة كما هو متوقع لاتتعدى الشجب والإدانة والإتهام بقصف المدنيين والمعارضة المعتدلة يشاركها بذلك وبنفس الإيقاع حلفائها الأوروبيين .
عكس واقع الحال على الأرض كما أسلفنا وتدفق اللاجئين السوريين الهاربين من البطش والقتل على الحدود التركية التي استغلة بؤسهم إعلاميا وأبقتهم على الحدود في البرد القارس وفتحت شواطئها لوجبات من اللاجئين تدفقت نحو أوروبا إلى الإسراع في عقد المؤتمرات لمعالجة المشكلة السورية فتمت الدعوة للتسريع في عقد مؤتمر جنيف الثالث ، وكانت الإنتصارات التي حققها جيش النظام وحلفاؤه قد أدت إلى تغييرالمواقف في المؤتمر وتغيير الخطاب فأصبحت لهجة التعالي والفوقية وغرور المنتصر هي التي يتحدث بها ممثلي النظام ، لاحظنا ذلك من تصريح المعلم وزير الخارجية السوري الذي أطلقه عشية انعقاد المؤتمر بقوله (إن الأسد خط أحمر ) مما استدعى التنديد والشجب من القطب الأمريكي ومن يدور في فلكه من حلفاء ، كذلك حليف النظام الأقوى روسيا الذي فجر مفاجأة مزلزلة للنظام وحلفاؤه بل والمجتمع الدولي بإصدار بوتن الأمر لقواته بالإنسحاب من سوريا في اليوم التالي ، وفعلا بدأت القوات الروسية بالإنسحاب لما يقارب نصف القوات الجوية وطواقمها الأرضية مما ترك العديد من التساؤلات عن سبب اتخاذ هذه الخطوة وهل هي جادة فعلاوهل تمت بالإتفاق مع أمريكا ومع النظام وحليفه الإيراني وما تأثير ذلك على الأرض وعلى المحادثات في جنيف..؟
تعددت التحليلات للمراقبين للأزمة السورية في شرح تلك الأسباب التي دعت بوتن لاتخاذ هذا القرارلكن أهمها كما قيل هو الكلفة المادية لبقاء الروس وخصوصا أنها تمر بأزمة اقتصادية نتيجة الحصار الأمريكي الأوروبي وهبوط أسعار النفط ومعاقبة النظام وحليفه الإيراني لتصلبهم في مواقفهم التي تقف ضد تفاهمات موسكو واشنطن والبعض قال هو تجنب الإصطدام مع السعودية وتركيا والحلف الإسلامي على الأرض السورية وهم يلمسون الجدية في الطرح السعودي بالتدخل بأي شكل للوقوف في وجه المد الإيراني والحيلولة دون انتصار محورها الذي يعتبربالنسبة للسعودية مسألة حياة أو موت نكون أو لانكون وخصوصا بعد أن شعرت الدول الخليجية والعربية بتخلي أمريكا عنها بعد التصريحات النارية للرئيس أوباما المؤذية والصادمة التي أدلى بها لصحيفة ذي أتلانتك الإسبوعية وفعلا كان الرد السعودي قاسيا بتصريحات الأمير تركي الفيصل عليها كذلك الرد الكويتي الغاضب أيضا الذي جاء على لسان الشيخ ثامر الصباح رئيس جهاز الأمن الوطني الكويتي مما دعا العرب أن يقلعوا شوكهم بأيديهم.
وكذا الموقف التركي الذي كان مستاءا من الأمريكيين حتى قبل التصريحات الأخيرة عندما خير أردوغان أمريكا أن تختار الوقوف مع أمريكا أو مع الأكراد فكان اختيار أمريكا للأكراد جليا وواضحا وهو الذي بدا منذ معركة كوباني عين العرب عندما استنفرت أمريكا سلاحها الجوي وخبرائها العسكريين ووقفت بقوة مع الأكراد ضد قوات الدولة الإسلامية وضغطها على تركيا للسماح لمقاتلي البشمركة من أكراد العراق للمرور من أراضي تركيا لمساندة أكراد سوريا في الدفاع عن كوباني مما يوحي للمتابع أن علاقات خاصة ومتميزة تربط أمريكا بالكرد ، لوحظ ذلك أيضا عندما تدخلت أمريكا جوا بقوة لإعاقة ومنع تقدم داعش نحو أربيل علما أنها لم تحرك ساكنا وهي تراها تتقدم نحو الموصل .
يتضح مما سبق أن هناك علاقة عاطفية مصلحية تربط أكراد العراق وسوريا وربما أكراد تركيا وإيران لاحقا بأمريكا وروسيا وبمباركة أوروبية وإسرائيلية ، كانت بذور تلك العلاقة قد طرحت في أرض كردستان العراق زمن البرزاني الأب إثر العلاقة التي كانت تربطه بالكيان الصهيوني والتي بدت بذورها غراسا تنمو إثر منح الإقليم الكردي العراقي صفة منطقة آمنه محمية من قبل التحالف الغربي ، بعد حرب الخليج الثانية 1993 مما أهل الإقليم لأن يكون قاعدة انطلاق للتحالف لغزو العراق سنة 2003 وليكون لاحقا تحت الرعاية الأمريكية التي أغدقت على جيشها(البشمركة) كم هائل من الدبابات والمدافع والأسلحة التي غنمتها من الجيش العراقي الذي حله بريمر بعد احتلال العراق.
كما ذكر آنفا وما حدث لاحقا إثر الغزو الأمريكي الغربي للعراق ،يلاحظ المراقب للعلاقة بين الكرد والأمريكان والغرب المستعمر بصفة عامة أن الكرد أصبحوا الحبيب المدلل للدول الإستعمارية ولم يقتصر الأمر على تلك الدول بل أن علاقات خاصة ومتميزة تربط الأكراد بالروس أيضا ، فلأكثر من 30 عاما كانت روسيا الداعم الأول لحزب العمال الكردستاني الذي كان ولايزال يحارب الأتراك ويطالب باستقلال الإقليم الكردي عن تركيا.
هذا ويبدوا أن كلا الطرفين القطبين أمريكا وروسيا على تفاهم وانسجام تام مع الكرد وربما أن هناك اتفاقا تم خلف الكواليس بينهما على المساعدة أو غض الطرف عن قيام كيان كردي فدرالي أو ممستقل حسب الظروف المتاحة رأينا ذلك في التمهيد لهكذا مشروع في تصريحات للمسؤولين الأمريكيين والروس كان أولهما تصريح كيري وزير الخارجية الأمريكي في خطابه أمام الكونغرس الذي قال به ( ربما فات الأوان لبقاء سوريا موحدة )تلاه بأيام إعلان سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي بقوله(نأمل أن يتوصل المشاركون في المفاوضات السورية إلى فكرة إنشاء جمهورية سورية فيدرالية) .
بعد هذه التصريحات الواثقة لساسة القطبين وإن أتت على شكل جس نبض يتبين للمراقب عن كثب أن هناك طبخة تعد على غرار طبخة سايكس بيكو التي قسمت المنطقة منذ قرن من الزمن ، وهي تعد لتفتيت ما فتته سايكس الإنجليزي وبيكو الفرنسي ولكن بيد أمريكية روسية .
ولم تمض أيام على هذه التصريحات التي يبدوا أن تلك الأطراف متفقة عليها ، لنفاجأ بإعلان عدة أحزاب كردية قيام نظام فيرالي على عدة مناطق سيطرت عليها الميليشيات الكردية على رأسها كوباني التي استنفرت أمريكا الدنيا ولم تقعدها إلا بعد أن أخرجت داعش منها وكذا باقي المناطق التي احتلتها تلك الميليشيات بدعم أمريكي وروسي ،ليتضح أن هناك خارطة طريق كردية أمريكية روسية رسمت من قبل وجاري تطبيقها على الأرض.
لوعدنا إلى الوراء لقرن من الزمن وتذكرنا معاهدة سيفرز التي أعدها الحلفاء المنتصرين من الدول الإستعمارية بعد سقوط الدولة العثمانية إثر الثورة العربية الكبرى التي نحتفل بها هذه الأيام ، هذه المعاهدة نصت على قيام دولة كردية في المناطق الواقعة شمال إيران والعراق وسوريا وجنوب تركيا كونهم أكثرية في تلك المناطق ، إلا أن قيام كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة بثورته ألغى تلك المعاهدة ليضم الجزء الكردي لتركيا وبقي الحال كما هو عليه في سوريا والعراق وإيران ، ويبدوا الآن أن الفرصة متاحة للأكراد بتحقيق حلمهم كونهم حلفاء للقوتين الأعظم اللتان تديران مسرح الأحداث الرئيس في سوريا والعراق إسوة بالعرقيات الأخرى من عرب وأتراك وفرس .
كان من المتوقع أن نسمع ردود أفعال قوية من الدول العربية وإيران وتركيا وهم المعنيين مباشرة بهذه القضية كون كرة الثلج التقسيمية التي تكونت في شمال سوريا لابد وأن تتدحرج نحو بلدانهم لإقامة الكيان الكردي المنتظر ، وفعلا سمعنا لكن بصوت خافت وعلى استحياء من النظام السوري نفسه سبب البلاء ومن المعارضة السورية بفصائلها المنطوية بالإئتلاف والمضحك ما أعلنته الولايات المتحدة بقولها أنها تعارض إقدام أكراد سوريا على إقامة منطقة حكم ذاتي في شمال البلاد لكنها تقبل ذلك إذا اتفق السوريين على ذلك وكأنها بذلك القول تقتل القتيل وتمشي بجنازته .
كذلك سمعنا نفس الكلام من السيد ديمتري بيسكوف الناطق الرسمي باسم الرئيس اروسي بوتن قوله أنه لايحق للأكراد تقرير مسألة فدرلة سوريا بصورة أحادية ، ويبدوا أن الروس كما هم الأمريكان االقتلة الذين يمشون بنفس الجنازة .
طبعا لم نسمع من العرب شئ يذكر إلا هذرمة ولا حتى من كيانهم المسخ الجامعة العربية ولو حصل لن نسمع إلا نعيق
وشجب واستنكار، كما قرأنا عن ردود أفعالهم على سايكس بيكو قبل قرن من الزمان ، ولكن علينا أن نلتمس العذر لهم كونهم تحرروا من نير استعمار ويريدون الخلاص ولم يكونوا يملكون الوعي ولا ثقافة الوحدة تعني القوة التي نمتلكها الآن بسبب وسائل الإتصال التي جعلت العالم قرية كونية .
آخر الكلام..هل تسفر محادثات جنيف 3 عن حل سياسي للمعضلة السورية ..؟ أم سينتهي كما انتهى جنيف 1و2 عندئذ سيلجأ كيري و نظيره الروسي لافاروف للخطة ب ليتم تقسيم سوريا كخطوة أولى تليها العراق المرشحة الثانية للتقسيم ..؟؟
بعدها تكر السبحة لباقي الدول العربية ..أم سيتحرك الزعماء العرب ال22لإنقاذ ما يمكن إنقاذه أم سيبقون صامتين كخشب مسندة ..؟ هل ستتحرك الأحزاب العربية وخصوصا القومية منها التي أشبعتنا دفاعا عن رأس البلاء بشار وكذا الهيئات والنقابات والجامعات ومنظمات المجتمع المدني لتثوير الشارع العربي لرفض المؤامرة التي تعد للأمة ..؟؟
لو تمت المؤامرة سيسجل التاريخ أن زعماء عرب وشعوب عربية متخاذلة صمتوا على تقزيمهم وشرذمتهم وستلعننا الأجيال القادمة في الغداة والعشي. ولاحول ولا قوة إلا بالله وحسبنا هو نعم الوكيل .