أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


يا دجلة الخير

بقلم : م. محمد يوسف الشديفات
17-04-2016 08:00 AM
طالعنا الكثير من الكتّاب والأدباء والمثقفين في الذكرى الثالثة عشرة للغزو الامريكي على العراق بمقالاتٍ وخطبٍ وقد اجتهدوا فيها بالنواح والعويل، كما ان الكثير منهم وصف الغزو على العراق وإسقاط نظامه السابق بأنه سقوط لبغداد واندثار لعروبتها وموت للعرب وكرامتهم، ولا أقلل هنا من شأن ذلك العدوان الغاشم الذي ما فتئ يعمّق جراح العراق وشعبه، إلا انه وكما قال الدكتور مصطفى محمود: 'من يقرأ التاريخ لا يدخل اليأس الى قلبه أبداً، وسوف يرى الدنيا أياماً يداولها الله بين الناس'.

يتحدث العالِم الفقيه والمؤرخ ابن كثير –رحمه الله- في كتابه 'البداية والنهاية' عن الغزو الهمجي للمغول على بغداد عام 656 هـ، ويصف بإيجاز وحشية ما صنعه المغول بعاصمة الخلافة العباسيةً، حيث أحرقت آلاف من نفائس الكتب والمخطوطات، وتم قتل ما لا يقل عن مليون إنسان في أربعين يوماً، وتكدست الجثث في الطرقات وفسد الهواء إلى ان انتشرت الأوبئة التي وصلت الى الشام، وتم اقتياد الخليفة المستعصم آخر خلفاء بني العباس وقُتل رفساً بالأرجل، وتم تدمير حاضرة الدولة العباسية وعاصمة الخلافة عن بكرة أبيها، حتى ان الرحالة ابن بطوطة الذي زار بغداد في وقت لاحق عقب ذلك الغزو، ذكر انه لم يجد في بغداد ما يستحق الحديث عنه.

بالرغم من قساوة ذلك المشهد الذي لا يكاد يقارن بالغزو الامريكي على العراق، الا ان بغداد لم تنكفئ على ذاتها، واستطاعت بعد ذلك ان تعود لسابق عهدها منارة للعلم والحضارة، كما ان العراق شهد الكثير من الويلات والكبوات، إلا انه بقي نبض الأمة العربية ومستودع آمالها وبوابتها الشرقية، والمشكلة الحقيقية تكمن في رسائل الهزيمة والخذلان التي ترسلها النخب العربية الى الاجيال القادمة، فالحديث عن ضياع العراق وانتفاء صفة العروبة عنه يزيد الطين بلة، ويضع الشعب العراقي -جيلاً بعد جيل- في تحدٍ كبير يفقد معه عوامل الاندماج في جسد الأمة الواحد.

العراق اليوم يعمل جاهداً على تضميد جراحه، وما مكافحة الارهاب ومحاولة التوافق على حكومة 'تكنوقراط'، والاحتجاجات المنددة بالفساد في كل ارجاء العراق، إلا رسائل إيجابية تحاول بغداد بثّها يومياً الى الامة العربية والعالم أجمع، وحريٌّ بأمة العرب الوقوف الى جانبها بدلاً من التباكي على ما مضى.

تثبت التجارب القاسية التي يمر بها الوطن العربي بين الحين والآخر ان المواطن العربي ما زال يفتقد الى المرونة في التعامل مع الازمات، او استغلالها لمصلحته، كما ذهب بعض المحللين الى ابعد من ذلك، إذ عزوا أسباب الخيبات المتكررة التي تعصف بالشارع العربي الى ان المواطن العربي يميل دائماً إلى ربط الافكار والمعتقدات بالاشخاص، فالقومية العربية -على سبيل المثال- لا يمكن ان تكون بأي شكل من الاشكال مرتبطة بشخص ما دون غيره مهما علا شأن ذلك الشخص وبرزت قدراته وتضحياته، فالإنسان الى زوال، وهذه حكمة الخالق في خلقه، وربط الفكر بالإنسان يعرّض ذلك الفكر إلى التقهقر بعد فناء ذلك الشخص.

ان خطاب التخاذل وبث روح الانهزام لا يقل خطورة عن تجارة الوهم وبناء قصور من الرمال، فالعراق باقٍ والأمة باقية، وسيبقى حلم نهضة العرب مرهوناً بالأمل، والثأر الحقيقي من أعداء هذه الأمة يكون بالعمل ولا شيء غير العمل.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012