أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


أزمة المثقف الغر!

بقلم : ياسر المعادات
30-04-2016 08:00 AM
تكمن أزمة المثقف الغر في كونه مصطنعا يحاول المحاكاة فقط دون أن يشكل لثقافته هوية خاصة به و بإطار مجاله الحيوي في المجتمع الذي ينطلق منه،فتراه يراوح في أزمته الوجودية 'التي لا بد منها لإكمال خطوات وصوله لمرحلة العضوية الثقافية' بين أفكار وودي الن التشاؤمية و تخيلات جون لينون العدمية،مع استحضار صراعات سارتر-كامو إن أراد أن يضفي طابعا فلسفيا على أزمته الوجودية التي يعدها 'حتمية تاريخية' لثقافته المدّعاة.
المثقف الغر (الظاهرة) نمطي إلى حد بعيد مستسلم بشكل مفرط لنتاج حضارة لا يمت لها بصلة،فتجده يستدعي فوكوياما لإثبات انتماء أفكاره لحضارة الامتياز و التفوق التي لا بد و أن التاريخ قد انتهى عندها! و جل ما يستطيع أن يقدمه مثل غيره من مثقفي اضمحلال المعنى و سيادة المادة هو أن يدور في فلك التبشير بقيم الحضارة المهيمنة التي تفرض مفاهيمها و قيمها،ليتحول هذا المثقف عن أداء دوره كقائد لصناعة الوعي الاجتماعي إلى أداة لايصال قيم معلبة جاهزة لا تتطلب منه قدرا كبيرا من التفكير و الابداع و التفاعل الاجتماعي.
لا يحاول هذا المثقف التعاطي مع أشكال صناعة المثقف العضوي التي نظّر لها غرامشي،أو دور المثقف و مسؤوليته الاجتماعية كما طرحها شريعتي،فهو يفضل الحلول الجاهزة على اختراق حواجزه الطبقية التي اصطنعها لنفسه لتميزه عن الجموع التي يعدها 'بحكم تعاطيه مع حضارة التفوق' مكونات بدائية رجعية لا يمكن التفاعل معها لإنتاج ثقافية اجتماعية عضوية وازنة.
المثقف الغر هذا يستحضر خطابا إنسانيا حالما محاولا اقناع مجتمعه بوحدة الحضارة الانسانية 'بناء على تشربه لحضارة التفوق ذاتها'،و هو بإسقاطه لهذا الخطاب على مجتمعه يحاول طمس هوية مجتمعه الثقافية و إعادة انتاجها بشكل يوائم روح العصر الذي لا يرى العالم إلا من منظوره،بينما يتحاشى التطرق إلى مفاهيم الطبيعة البشرية و التنوع الحضاري الذي يصنع التاريخ و يعزز صيرورته،هو يعتقد أن انسانا نمطيا ذو وجه واحد خير من مجتمع متنوع الرؤى و التوجهات الانسانية،فاغتراب الانسان الذي أطنب ماركس و فروم في الحديث عنه لا يعني شيئا لهذا المثقف ما دام أنه قد قام بمهمته في نشر الثقافة السطحية النمطية بنجاح!

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012