بقلم : د .احمد عويدي العبادي
03-05-2016 03:32 PM
بقلم د احمد عويدي العبادي
هناك فارق بين الرواسي وبين الكراسي، والرواسي جمع راسية، وهي الثوابت في الأرض من الجبال، وكذلك الثوابت من الرجال في المجتمع وهم المفاصل وأصحاب الكرم والكرامة. واما الكراسي فهي الجيفة التي يتقاتل عليها طالبوا متاع الدنيا وما لهم في الاخرة من خلاق.
وقد أشار الله سبحانه الى الرواسي بقوله ((خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) [لقمان: 10].
وقال سبحانه وتعالى: ((أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا) [النبأ: 6-7]. (وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا) [المرسلات: 27]. (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا) [الرعد: 3].
واما الكراسي ومتاعها فقد أشار اليها الله سبحانه بأنها متحركة يتداولها الناس كما يتداولون السلعة الذاهبة الى زوال قال تعالى: (وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاس} [آل عمران:140] وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا ۚ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) القصص اية 60
وان المأساة التي نعانيها في بلادنا ان العاشقين لمتاع الكراسي إذا جلسوا عليها حسبوا أنفسهم الرواسي الشامخات، وانهم مخلدون الى الابد وان الموت او التغيير سينساهم كما نسوه، وانهم سيأكلون الدهر ويشربونه بدل ان ياكل الدهر عليهم ويشرب، حتى إذا ما طارت بهم الكراسي والقتهم في واد سحيق فلا صوت ولا صدى لهم ولا من يسمعهم، وادركم الغرق وقد ابتعدوا عن شاطئ السلامة كما نأى الشاطئ عنهم، وأيقنوا انهم ليسوا الرواسي وانهم اكذوبة طائرة وريش في مهب الريح،
أقول حينها يكررون ما قاله قدوتهم فرعون عندما ادركه الغرق وهو ما يرويه القران الكريم : ( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92) سورة يونس ولكن هؤلاء يذهبون رفاتا ولا من يحنطهم او يخلدهم .
مثل هذه الاحداث تتكرر في بلادنا وليس منهم من يعتبر، لان واحدهم إذا جلس على الكرسي أصيب بغشاوة على عينيه وسد من خلفه واخر من بين يديه. وحسب ان البلاد لا تعمر الا به وان الشعب لا يعيش الا بوجود هذا النكرة على الكراسي الطائرة المتطايرة المتبخرة .
لا يعرف عابد الاصنام من اجل الكراسي لماذا جيء به ولا لماذا يطير ولا لماذا يتبخر، ولا لماذا يتحول من مطلب للمرحلة الى مرفوض للمرحلة ومن رجالات الدولة الى شخص غير منسجم مع مسار الدولة، انه رقم لا قيمة له وهو يحسب انه شيء كبير وكثير وانه الرقم الصعب.
ينام حضرته المبجلة على أوهام الديمومة وتتبخر أحلامه في ليلة ليس فيها ضوء قمر وكان يحسب انه عبقري زمانه وانه جاء ليبقى الى يوم القيامة وبعث النفس اللوامة، وانه الراسيات الشامخات وانه الثابت وما سواه متحركات، وإذا به وهم بددته الحقيقة وظل اختفى في الظلام لواذا امام شمعة، وصار اثرا بعد عين كمن سبقه من الوزراء والاوزار وأصحاب الألقاب والمراتب الوهمية التي تأتي وتذهب بكلمة واحدة وكأن شيئا لم يكن، وهنا نقول: سبحان الله العظيم: تطير الكراسي وتبقى الرواسي.
ان للكراسي وهج يعمي البصر لمن لا بصيرة له وان الشخص قد يقتل ويعتقل ويعذب أقرب الناس اليه من اجل الكراسي الخشبية المتحركة، بحيث يصبح معها الاطاحة بعاشق الكرسي رحمة له مما كان يمكن ان يصيبه من المصير الهالك ورحمة للناس من ان يصيبهم بشروره وغروره.
وفي لسان العرب: smile emoticon الملك عقيم لا ينفع فيه نسب لأن الأب يقتل ابنه على الملك. وقال ثعلب: معناه أنه يقتل أباه وأخاه وعمه في ذلك. والعقم: القطع، ومنه قيل: الملك عقيم لأنه تقطع فيه الأرحام بالقتل والعقوق).
أقول لأولئك النكرات الذين جاءوا نتيجة لعطسة الزمان او التكريس الماسوني او مشيمة الفساد، ليكونوا على الكراسي يعيثون فسادا ويتحكمون بعباد الله قتلا واعتقالا وتعذيبا وسجنا بحجة الحفاظ على ما يسمى هيبة الدولة وهم لا يؤمنون ان هيبتها لا تكون الا بالحرية والعدالة والديموقراطية وحقوق الانسان والحوار.
أقول لهم: عندما يتم الالقاء بكم تحت الاقدام واخفاف الإبل الجرباء التي اصبتموها بداء الجرب والهرب، وداستكم سنابك الخيل صرتم تتحدثون عن بطولات لكم وهمية وأنتم أعداء للصدق والوطنية، وتدعون حرصكم على الوطن والشعب والهوية والشرعية وأنتم من باعها جميعا بقرار من اجل متاع زائل ورخيص وسخيف اقله من اجل البقاء في المنصب، والعلاقات المخملية، ليقال عن أي منكم انه صاحب المنصب الرفيع والمطاع المطيع، والرجل الأقوى في الدولة وهو اوهن من بيت العنكبوت.
وكما ينصب العنكبوت شبكته الواهنة لاصطياد ذبابة يمتصها، فان حلم وامل هذا الهالك المتهالك المطرود من رحمة الدولة ورحمها ورحيمها، ان يكون رئيس جاهة لخطبة عروس يقع عليها الطلاق بعد أيام من الجاهة لأنه وجه شؤم عليها، او رئيس زمرة خرقاء لتناول الطعام على حساب ارملة ولو ذبحت راس الشاة الوحيدة التي تملكها.
يا ألهى كم هم مغرمون بالألقاب والولائم والجاهات وقولهم في كل مرة: نريدها رسالة تصل الى صاحب القرار أي انهم يتحولون الى حمام زاجل لإرسال الرسائل او تكليف حمام اخر يحملها في تقرير يكتبه من يتقاضى عليه عشرة دولارات او اقل.
والمحزن انه كلما جيء بنكرة في منصب ادعى انه سياسي وانه عبقري وانهم قبلوا يديه وقدميه وأرسلوا عليه الجاهات من سائر وجهاء الأردن من اجل ان يقبل العودة للمنصب وانه رجل المرحلة الذي سيحفظ توازن الأردن وامنه، وهو في الحقيقة من قبل الايادي والارجل وسلك سائر طرق الذلة والمذلة وقبول الاذلال والعمالة لسفارة او وزارة او إدارة او محفل ماسوني هنا او هناك، ليحقق عودته المأمولة غير المأمونة، وينفض القرار عنه غبار المومياء ويقول الناس سبحان من يحيي العظام وهي رميم.
وفي الحقيقة ان الأردن تخلو من السياسيين في مواقع القرار، وانما اشخاص يحسبون أنفسهم انهم سياسيون وهم لا يفهمون من السياسة الا بمقدار ما يعرف حصاننا (او..) الذي مات قبل نصف قرن من اللغة السنسكريتية، لأنه ممنوع على من يفهم السياسة ان يصبح من أصحاب الألقاب: دولة، معالي، سعادة، عطوفة،
وفي الحقيقة ان هؤلاء هم موظفون في مواقع سياسية يحملون القابا وهم لا يفقهون في السياسة شيئا، اذ كيف يقال ان فلانا وعلتانا وفلتانا سياسيا وهو لا يعرف الحوار ولا يفهم الا لغة البطش والقتل والاعتقال والتعذيب والتهرب والتهريب والتخريب والقنوا؟ ولا يميز بين السياسة والتياسة ولا بين الكياسة والتعاسة.
انها لعبة الكراسي التي تطير، وكما ان للأرض جبال رواسي، فان للمجتمع والدول رجال رواسي شامخين كالجبال، وهم سلاطين غير متوجين وان تم ابعادهم عن مواقع القرار، ومهما عمل النكرات على تهميشهم وتهشيمهم فهم الرواسي التي تبقى، وهم ملح البلاد وعماد الدولة الحقيقية التي لا زلنا ننتظر قيامها ان شاء الله، وبهم تتحقق مقولتنا أعلاه: تطير الكراسي وتبقى الرواسي.