موسى العدوان يستذكر : من صور البطولة على ساحة الأرض المقدسة – 3
بقلم : موسى العدوان
21-05-2016 11:16 AM
الوضع السائد في فلسطين في بداية حرب 1948
موسى العدوان
' تميزت حرب 1948 بأهمية خاصة بين الحروب التي دارت بين العرب والإسرائيليين، ذلك أن التكافؤ بين قوات الطرفين وظروف الشعبين يوم ذاك، أفضل وأقرب مما كان في الحروب التي نشبت بعد ذلك. ثم أن الفرص التي كانت متاحة للعرب في تلك الحرب، للتوصل إلى حل ملائم نسبيا – إما على المستوى العسكري أو على الصعيد السياسي – كانت أفضل من الفرص التي أتيحت لهم في الحروب الأخرى. وفضلا عن ذلك تميزت تلك الحرب بطول المدة الزمنية التي توافرت قبلها للاستعداد والحشد، ووضع الخطط والترتيبات، بينما تميزت حروب 1956 و 1967 و 1973 بأنها كانت مفاجئة وسريعة وقصيرة '.
' المؤرخ الأردني سليمان موسى '
وفاء للشهداء الذين ضحوا بأرواحهم، وإنصافا لمن عرّضوا حياتهم للخطر من أجل فلسطين في حرب 1948، يقتضينا الواجب الوطني والإنساني، إحياء ذكراهم الثامنة والستين، التي تصادف هذه الأيام بكل فخر. وعلينا أن نستذكر ما قدموه من أجل الوطن، ونتعرّف على الدور الذي قام به الجيش العربي الأردني على حقيقته في تلك الحرب. وهذا يقودنا في عجالة، للعودة إلى الموقف الذي كان سائدا في فلسطين قبيل نشوب الحرب.
فبعد صدور قرار التقسيم في 29 أكتوبر عام 1947 ورفضه من قبل العرب، تم التعهد بجمع 3 آلاف متطوع من الفلسطينيين والعرب، وتجهيز 10 آلاف بندقية على أن تؤمن الأسلحة والإمدادات من قبل الحكومتين السورية واللبنانية. وشكلت لجنة عسكرية لتولي هذا الأمر برئاسة اللواء إسماعيل صفوت يساعده اللواء طه الهاشمي وكلاهما عراقيان. وشكل من هذه القوة ' جيش الإنقاذ ' بقيادة فوزي القاوقجي. كما أعلن مفتي القدس أمين الحسيني الجهاد وشكّل ' جيش الجهاد المقدس ' من ألفي متطوع، ثم أسْنَدَ قيادته إلى عمه عبد القادر الحسيني، الذي لا يمتلك خبرة عسكرية.
في بداية عام 1948 أصبح جيش الإنقاذ بقيادة القاوقجي، والذي أسس قيادته في طوباس يتألف من الكتائب التالية: كتيبة اليرموك 1 بقيادة محمد صفا السوري، كتيبة اليرموك 2 بقيادة أديب الشيشكلي السوري ثم تبعت لاحقا كتيبة اليرموك 3، كتبة حطين بقيادة مدلول عباس العراقي، كتيبة الحسين بقيادة عبد الرحيم الشيخ علي العراقي، كتيبة دروز لبنانية بقيادة شكيب وهاب الدرزي، كتيبة إجنادين الدرزية الفلسطينية بقيادة مشيل العيسى، كتيبة القادسية الفلسطينية بقيادة المقدم العراقي مهدي صالح، كما كانت هناك الكتيبة العلوية قرب صفد بقيادة النقيب غسان شديد من الجيش السوري. وبعد سقوط حيفا عاد العيسى إلى بلدته، ودمجت كتيبتي القادسية وإجنادين ببعضهما بقيادة صالح.
وكان لجيش الإنقاذ فرقتي عصابات رئيسيتين تضم كل منهما حوالي 1000 رجل، الفرقة المركزية منها في منطقة اللد بقيادة حسام سلاّم، وفرقة القدس بقيادة مباشرة من عبد القادر الحسيني. هذا بالإضافة إلى تنظيمات المليشيا في المجتمعات المحلية، والتي يمكن استخدامها إما للإغارات الصغيرة أو للدفاع.
بتاريخ 20 يناير 1948 اجتازت كتيبة اليرموك 1 من جيش الإنقاذ حدود فلسطين، قادمة من الأردن وتمركزت في قطاع نابلس، ثم تبعتها كتيبة اليرموك 2 وتمركزت في قطاع صفد. ( وكان هذا قبل وقوع مذبحة دير ياسين بتاريخ 9 ابريل ).
وفي بداية عام 1948 وصل غطاء القوة لجيش الجهاد المقدس بقيادة عبد القادر الحسيني في القدس إلى 8000 متطوع منهم جنود مسرحين. وكانت مشاركة العرب بهذه القوة كالتالي :
سوريا: 1000 رجل زائد سرية مدفعية 75 ملم.
لبنان : 500 رجل.
العراق: 2000 رجل زائد سريتي مدفعية.
الأردن: 500 رجل زائد سرية مدفعية.
السعودية: 2000 رجل.
مصر: 2000 رجل زائد سرية مدفعية.
استمرت الاشتباكات بين العصابات الصهيونية والمواطنين الفلسطينيين، كما كانت جارية من قبل. وفي 2 إبريل 1948 احتل اليهود قرية القسطل قرب القدس، فقام عبد القادر الحسيني بهجوم معاكس أدى إلى استردادها مؤقتا، ولكنه سقط شهيدا خلال المعركة.
بتاريخ 9 إبريل وقعت مذبحة دير ياسين، وهي قرية صغيرة تقع أيضا بجوار القدس. وكان لاستشهاد الحسيني ومذبحة دير ياسين أصداء عميقة في نفوس الفلسطينيين، فدب الذعر في قلوبهم خاصة بعد تضخيم الحادثة من قبل العرب أنفسهم، مما أدى إلى نزوح ما يقارب 750 ألف مواطن خارج فلسطين. واستمرت تداعيات الحرب بنتائجها المعروفة فيما بعد.
ورغم مرور ما يقارب 68 عاما على تلك الحرب، لابد لنا من دراستها بدقة لاستنباط الدروس المستفادة، والتعرف على الأخطاء التي حصلت بكل موضوعية، لفائدة الأجيال اللاحقة، وتدوين الأحداث التاريخية بأمانة مطلقة. فمن الدروس التي يسبقها الاعتراف بالمؤامرات الدولية، التي زرعت الكيان الصهيوني كسرطان خبيث في قلب العالم العربي ما يلي :
1. الادعاء بعدم توفر الأسلحة والذخائر بأيدي المواطنين في فلسطين ينقصه الدقة. فقد كان هناك جيش الإنقاذ وجيش الجهاد المقدس اللذان توليا مسؤولية مواجهة القوات الصهيونية. وإن كان هناك قصور في الحصول على السلاح من قبل المواطنين، فهو ناتج عن عدم محاولة الحصول عليه قبيل نشوب الحرب، ولو من خلال عمليات التهريب عبر الحدود المجاورة، لاسيما وأنها كانت شبه مفتوحة، ولم تكن وسائل المراقبة متطورة كما هو الحال في هذه الأيام.
2. لم يجرِ توحيد قيادة الجيشين شبه النظاميين،جيش الإنقاذ وجيش الجهاد المقدس، وإعادة تنظيمهما وتدريبهما للعمل بخطة منسقة، للوقوف في وجه العصابات الصهيونية لحين تدخل القوات العربية.
3. لم تكن مذبحة دير ياسين مبررا لنزوح آلاف الفلسطينيين عن مدنهم وقراهم بهذه الأعداد الضخمة تنفيذا لمخطط الصهاينة. وكان من واجب جيش الإنقاذ وجيش الجهاد المقدس، أن يمنعا النزوح الجماعي من المدن والقرى الفلسطينية وأن يثأرا للمذبحة، لا أن يقفا مراقبان لما يجري دون أن يحركا ساكنا.
4. عدم تشكيل قيادة عسكرية موحدة وفعّالة للجيوش العربية، تتولى التخطيط وتوجيه العمليات العسكرية بإستراتيجية مدروسة، كان خطأ فادحا من قبل الدول العربية في تلك الحرب.
5. وجود القيادة الأجنبية في الجيش الأردني حدّ من حرية العمل لهذه القوات، مما دفع بعض القادة الأردنيين للخروج عن التعليمات الصادرة إليهم في بعض الأحيان.
وعلى ضوء المعلومات الواردة بأعلاه، نرى أن الحقائق التي كانت ماثلة على الأرض، تدحض مزاعم المدّعين بعدم توفر الأسلحة والذخائر والمقاتلين لدى العرب في فلسطين، أو عدم توفر قوات محلية تتمكن من الوقوف في وجه العصابات الصهيونية، لحين نجدتها من قبل الجيوش العربية.
فهذه المحاولات البائسة لذر الرماد في العيون، يقصد منه إسقاط الفشل على الآخرين وتبرئة من كانوا سببا في التقصير بتلك الحرب. فلو جرى تنظيم وتدريب المواطنين، وتحفيزهم على الصمود، ومنعهم من مغادرة أراضيهم، إضافة لاستخدام القوات المتوفرة بصورة صحيحة، لاختلفت نتائج الحرب.
لقد مضى زمن الصمت وجاء زمن الحقيقة الناصعة . . وعلى من يحرّفون التاريخ من فرسان الكلام، ويتنكرون للتضحيات ولدماء الشهداء، التي قدمها الجيش الأردني في تلك الحرب، أن يعيدوا حساباتهم بعد الآن، وأن يعرفوا من كان السبب الحقيقي في تلك النكبة المؤسفة، ويستبدلوا اتهاماتهم الباطلة، بالترحم على أرواح الشهداء في كل الحروب العربية الماضية. التاريخ : 21 / 5 / 2016
المراجع :
- أيام لا تنسى / سليمان موسى.
- حروبنا مع إسرائيل / صادق الشرع.
- Elusive Victory / Trevor N. Dupuy.