بقلم : عبدالحليم المجالي
28-05-2016 02:01 AM
من منا يستطيع الجزم بان مصطلح المواطن العربي افتراض ام حقيقة ؟ ويأتي بالدليل ؟
هذا السؤال يستدرجنا بالضرورة الى الاجابة على اسئلة كثيرة تتعلق بالوطن العربي اولا الحيز الجغرافي الذي ينتمي اليه المواطن العربي ... والامة العربية وهل هي ايضا افتراض ام واقع ؟ تلك الامة التي يشكلها المواطنون العرب مجتمعين ... والمواطنة التي تربطنا بعلاقة عضوية وعقد اجتماعي ...مواطنتنا التي تاهت في امتنا بين كونها علاقة جغرافية ام عقدية ؟ ... من حقنا ان نمني النفس بان يكون هذا المصطلح حقيقة ...اسوة بباقي خلق الله من الامم التي تشاركنا اقليمنا كالايرانيين والاتراك واليهود ومن جيراننا الاوربيين ومن اقصى الشرق والغرب .. ومن حقنا اذا كان هناك ولو بصيص امل في تحقيق ذلك ان نتشبث به وان نناضل من اجله وان نبذل الغالي والرخيص في سبيله , لان في ذلك تحقيق للذات وتلبية لمتطلبات حاجاتنا اليومية في معيشتنا وحربنا وسلمنا .
نحن في الوطن العربي في الطريق الى حقبة تاريخية جديدة رسمت ملامحها هبات الربيع العربي العفوية قبل ان تتلقفها الايادي الخبيثة من الاعداء والاصدقاء , ستختلف في هذه الحقبة هوية الدولة وشكل المجتمع والحزب والثقافة وشخصية المواطن العربي ولا بد من فترة انتقالية تجسر بين الواقع وسلبياته والمستقبل المأمول وايجابياته .
هنالك قوى شد عكسي تعمل عل التشتت والتخلف ولكن رد فعل المواطن العربي المتفوق عل انظمته الرسمية جاء مناسبا لحجمها واتجاهها , ظهر ذلك جليا في مقاومة المواطن العربي للاحتلال الامريكي للعراق بعد ان ظن الامريكان انهم وفي غمرة انتصارهم المزعوم قادرون على القيام بالعمل ذاته مع دول اخرى وحددوا عددها ولكن المقاومة العربية العراقية فرملت خطى الامريكان وخيبت املهم.
يقول احد المتحمسين للمشروع الوحدوي النهضوي العربي انه يتحقق اليوم ولاول مرة منذ سبعة قرون ولو على المستوى الافتراضي شعور فردي وجماعي بمفهوم المواطنة العربية ووحدة الامة كواقع وفعل نفسي وقيمي ايجابي .. ولا بد والحالة هذه من ايجاد بذرة انتماء وولاء للوطن العربي الكبير لتوحيد الامة من الماء الى الماء بقرار مجتمع مدني يعكس رغبة الجماهير بالوحدة العربية وباسلوب تحقيقها من القاعدة وليس بقرار ديكتاتوري ممن وصلوا الى رأس الهرم بغفلة من تلك الجماهير وثبت فشل اسلوبهم , الحرية والارادة والقدرة عند المواطن العربي مقدمات لنجاح تلك الوحدة .
بذرة الانتماء والولاء للوطن العربي زرعت ولكنها تحتاج الى وقت طويل لتؤتي اكلها , واذا كان الاكل حسب ما نشتهي وحدة عربية فهذا تحول كبير واستدارة بزاوية كبيره قد تصل الى 180 درجة ومثل هذه التحولات تحتاج الى وقت طويل وجهد كبير وتضحيات جسام ومخاض عسير .
مؤشرات على ان البذرة قد زرعت : تحول واضح في الجرأة بالحديث عن الوحدة العربية فقبل وقت ليس بالبعيد كان المتحدث بالوحدة يوصف بالحالم او المجنون وكان هذا التوصيف على شبكات التلفزيونات وصفحات الجرائد ولكن النبرة في هذا التوصيف خفت الى درجة ملموسة .
التجارب على شكل اختبارات في فشل الدولة القطرية العربية عززت من النظرة الى الوحدة العربية كملاذ من الفشل الحالي .اعتماد التكتلات السياسية والاقتصادية ونجاحها عالعياعززت من اسهم الوحدة العربية وخطابها كفكر وخطاب جامع يدعو الى التكتل ومنافسة الامم الاخرى .
سايكس بيكو شرذمت الوطن العربي جغرافيا وتبع ذلك وبناء عليه شرذمة التاريخ العربي واخص هنا تأريخنا للاجداد ومواقفهم بدءا من الحقبة التاريخية التي نعيش وبداياتها منذ ضعف الامبراطورية العثمانية في بداية القرن الماضي وما تلا ذلك من احداث كان العرب فيها مستهدفين من قوى عالمية جباره منتصرة ومتنفذه في شؤون العالم . اجدادنا منذ البدايات الاولى تحركوا عربيا وبنفس وحدوي حسب امكابياتهم . اسسوا جمعية العربية الفتاه 1911 في باريس ردا على جمعية تركيا الفتاة العنصرية 1906 .
تنادوا للوحدة العربية واسسوا للثورة العربية الكبرى التي انطلقت شرارتها الاولى 1916. قوى الشر والعدوان والتي اضمرت السؤ للعرب تدخلت في الثورة وجردتها من النوايا الطيبة فجاءت النتائج على عكس ما يشتهي العرب .
اجدادنا تنادوا للوحدة العربية وتاسيس مؤسسة تجمعهم تدخلت بريطانيا ممثلة بوزير خارجيتها آنذاك ايدن والتفوا على طموحات العرب بالوحدة وجاءوا بمؤسسة مسخ هي جامعة الدول العربية . من يقرأ بيانات الاجداد يجد فيها الرفض لكل مخططات الاعداء التي بدأت حلقاتها بمؤتمر كامبل في لندن 1905 – 1907 وفيه تقرر منع العرب من الوحدة والنهضة واتخاذ كافة الاجراءات لتحقيق ذلك .
تلا ذلك وعد بلفور المشؤوم وعد من لا يملك الى من لا يستحق والمؤتمرات والمعاهدات التي جردت الاجداد من كل حيلة في وجه اولئك الطغاة . الشاهد انه من العدل والانصاف عند الحديث عن الاجداد ذكر ما لهم وما عليهم وذكر قوى البغي والشر المضادة ورجحان ميزان القوى لصالحهم
المواطن العربي في وطنه وامته بين الافتراض والحقيقة, وبين المد والجزر , فترات يرتفع فيها صوت بلاد العرب اوطاني وفترات صوت (قطري ) اولا .
هذا ما يمكن تأكيده بعد استقلال الكيانات العربيه وظهور قاده وتيارات من هذا الاتجاه اوذاك . الكيانات العربية المستقلة في معظمها كتبت في دساتيرها انها جزء من الامة العربية . وضعت دراسات ومحاولات لانشاء السوق العربية المشتركه . جرت محاولات لانشاء الفيلق العربي والقوات العربية المشتركه . نجحت تجارب وحدوية في الامارات العربية المتحده وتوحيد الجزيرة العربية تحت اسم المملكة العربية السعودية وتأكيد الصفة العربية في الاسم .
لاتخلو معظم المهن من وجود اتحاد عربي يمثلها كاتحاد الصحفيين العرب والاذاعات العربية والفلاحين العرب .... الخ .القضية الفلسطينية والصراع فيها بدأ عربيا اسرائيليا واستمات العدو الصهيوني في نزع هذه الصفة العربية الجامعة , بداية المحادثات مع العدو في مؤتمر مدريد كان الطرح العربي فيه المشاركة بوفد عربي موحد ولكن العدو اصر على الوفود المجزأة ليستفرد بها وللاسف نجح.... بذرة المواطنة العربية موجودة منذ بداية الحقبة التاريخية الحالية وما زالت حية الى اليوم وان اعتراها الاهمال .
في داخل كل مواطن عربي ( افتراضي ) ثلاث ولاءات تتجاذبه ويضر ذلك التجاذب بالهوية الوطنية العربية الجامعة , ولاءه لدولته القطرية ولامته العربية ولامته الاسلامية . في ظل عدم وجود مرجعية فكرية تحدد العلاقة بين العروبة والاسلام يشتد الصراع بين الهويتين العربية والاسلامية , يظهر ذلك الصراع في كل انتخابات بين الكتل الاسلامية والقومية , من اسباب شدة تلك الصراعات تسلح الاسلاموين بنصوص مقدسة مما يجعل تلك الانتخابات تسير في مسارات غير ديموقراطية .
هنالك مراجعات جادة للتوجه الفكري القومي العربي والاسلامي ( الاسلام السياسي ) . القوميون العرب اغترفوا على لسان الكثير من اقطابهم بان خطابهم فشل في جمع الامة العربية , كتبوا في ذلك وفصلوا , من المراجعات وضع تعريف مقبول للعروبة ترضى به كل مكونات الامة العربية بمختلف اديانهم واعراقهم ومن المفكرين من وضع ان العروبة لغة وثقافة وقيم معنوية تتجاوز العرق العربي الذي لم يعد صافيا بتداخل الانساب بين الاعراق المختلفه .الاسلاميون والتيارات الاسلامية ايضا كانت مراجعاتها اكثرعمقا و وضوحا لارتباطها بالعقيدة والتمسك بالثوابت ولعل آخرها ما قامت به حركة النهضة التونسية وكان ابرز ماتم اعلانه فصل العمل الدعوي عن العمل السياسي , وعندما سئل الشيخ الغنوشي عن سبب هذا الانقلاب قال انه جاء في مسار النضج للاسلام السياسي .
قد يتطور هذا النضج وهذا متوقع في المستقبل القريب ان يتم الاعلان عن فصل الدين عن الدولة والمطالبة بدولة مدنية مرجعيتها الحضارة العربية الاسلامية . هذه المراجعات والتحولات الفكرية تصب كلها في بلورة مصطلح المواطن العربي وهويته ليتم بعد ذلك وضع النظريات والاسس لبناء المواطن العربي الحقيقي الذي يعرف من يشاركه المواطنة العربية ويرتبط معه بعلاقة عضويه وعقد اجتماعي وبيانات احصائية دقيقه تكون منطلقا لكل الخطط للنهضة الحقيقيه بناء على عدد السكان والمساحة والموارد .كل من ينتمي للوطن العربي يتمنى الحقيقة لمصطلح المواطن العربي في وطنه وامته , لتتحدد هويته وولاءه وانتمائه.
الله كريم ....