بقلم : عبد الحليم المجالي
01-06-2016 03:14 PM
انتخابات ...ام... تصويت ؟
المتقدمون في السن امثالي والذين جاوزوا السبعين وعاصروا الطفرة التي مر بها الاردن لهم ذكريات من الماضي فيها من المفردات المعبرة عن كل مرحلة اجتماعية مر بها مجتمعنا الاردني . لاشك ان الاصول الاردنية في غالبها بدو او مزارعون ( فلاحون ) تطوروا بسرعة فائقه الى مجتمع حضري , يعكس هذا التطور ويعبر عنه تطور مدينة عمان من قرية صغيرة الى مدينة مترامية الاطراف .الاردنيون ونتيجة لسرعة وتيرة التطور لم يستوعبوه ولم يهضموه فجاءت نتائجه سلبية الى حد ما على التفكير في امور الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية .
اذكر في البدايات عندما انتقلنا من بيت الشعر الى بيت الحجر – في منتصف القرن الماضي - ان استهلاك العائلة من الماء وما تملكه من مواشي لايتجاوز ثلاث او اربع تنكات او قربه ماء يتم نقلها من آبار جمع مياه الامطار او من العين على ظهر الدواب او عل رؤس ربات البيوت – الورادات - العاملات المنتجات , لو قارنا ذلك مع استهلاكنا اليوم وطريقة وصول الماء الى بيوتنا وافواهنا لادركنا ان ذلك من الامور التي لاتصدق .
عدد المهن في البدايات كان محدودا ولا يتجاوز عدد اصابع اليد, حرا ث او مرابع او لاحوق واذا تطور الامر لبس عسكري . من الحكايات التي كنا نتداولها مع الاباء ان احد افراد العشيرة لبس عسكري في البادية فكان عندما يأتي الى العرب في اجازة يصبح فرجة ( بضم الفاء ) يتحلقون حوله , لاحقا ابن هذا العسكري اصبح وزيرا في عمان .. من القفشات الشعبية آنذاك : الحمد لله حنا تمدنا والكل منا شرى ساعة . اليوم في مجال الهندسة لوحدها عشرات الاختصاصات من كيماوي الى كهربائي ...الخ .
البرلمان الاردني المنحل , كآخر نموذج على تطور حياتنا النيابية يتطلب منا التساؤل والتعجب لماذا وصل الى هذه الحالة من كثرة العدد وتنوع الاسماء من نائب دائرة ونائب وطن وغيره والتركيز على خطاب المطالبة بالخدمات والحاجات الفردية وغياب الخطاب السياسي في وقت يضطرب العالم من حولنا سياسيا ؟ للوقوف على هذا التطور ومقارنة الماضي بالحاضر نأخذ محافظة الكرك على سبيل المثال كدائرة انتخابية في القانون الجديد يمثلها احد عشر نائبا , نأخذها كمثال كونها كانت مميزة عن باقي محافظات المملكة بوجود من يمثلها في وقت غاب هذا التمثيل عن غيرها من محافظات المملكة كونها لم تكن موجودة كقطاعات ادارية في ذلك الوقت .
مثل توفيق بك المجالي الكرك في مجلس المبعوثان العثماني لدورتين، حيث فاز في انتخابات العام 1908، والعام 1914، كانت مساحة الكرك اكبر من مساحة الاردن الحالية من جنوب تبوك الى حدود سوريا . المدة الزمنية منذ ذلك الوقت الى اليوم لا تتجاوز القرن ولا تتجاوز الجيلين حيث ان حفيد توفيق بك المجالي العميد الركن المتقاعد نشأت دليوان المجالي لايزال حيا يرزق اطال الله في عمره . بعد ذلك وفي عهد الامارة والمملكة ارتفع عدد ممثلي الكرك الى ثلاثة : مسلمان ومسيحي وآخر للطفيلة التي كانت جزءا من الكرك .
في مجلس النواب المنحل مجلس الحارات والمخاتير 150 نائبا كانوا يمثلون المملكة . بالعودة الى الكرك ونوابها في هذا المجلس لو وقفت على رأس شيحان الرمز الكركي ونظرت الى الجهات الاربع وضمن دائرة لا يتجاوز نصف قطرها 20 كم لوجدت نائبا في الشمال ونائبا ونائبة في الغرب ونائبا في الشرق وخمسة نواب في الجنوب ليصبح عددهم تسعة في لواء القصر وفقوع وقضاء الموجب التي كانت كلها الى وقت قريب لواء ا واحدا , واذا اضفنا اليهم نواب القصبة ونواب المزار والاغوار وعي لتضاعف العدد . واذا قارنا ذلك مع نائب واحد ( في مجلس المبعوثان ) يمثل الكرك يجلس مع نواب يمثلون الولايات العثمانية في اسطنبول ويتحدث بقضايا عربية بلغة تركية مع نوابنا كثيري العدد وقليلي البركة وحديثهم بقضايا خدمات ومصالح فردية نجد ان هذا التطور عكسي وانه خارج دائرة المنطق للاشياء ولا يصب في مصلحة التطور الديموقراطي للافضل .
من التطورات السلبية التي اثرت في حياتنا البرلمانية , من وجهة نظر الكثير , التضخم في التقسيمات الادارية وكثرة المحافظات والالوية وتقسيم الاردن الى بدو وحضر وتقسيم البدو الى شمال وجنوب ووسط وما ترتب علية من كثرة الدوائر الانتخابية وكثرة النواب مما افقد المجلس هيبته ويظهر ذلك واضحا من التعليقات على النواب في وسائل الاعلام وعلى صفحات التواصل الاجتماعي ايام عمله ويوم حله في غير اوانه . وفي مجال التضخم في التقسيمات الادارية نذكر انه كاد الاردن ان يقسم الى اقاليم لولا معارضة شعبية ادركت عبثية هذا التضخم وعدم ضرورته . ومن التطورات السلبية ايضا تعدد قوانين الانتخابات في مدة وجيزة فكم قانون انتخابات وضعنا منذ عام 1989 حتى اليوم ؟ وكم من الجدل والمماحكات رافق ذلك ؟ فالقانون الذي سننتخب على اساسه هو الرابع او الخامس في اقل من ربع قرن ومن المتوقع ان لا يصمد طويلا ....
كثرة الاحزاب والتي وصل عدد المرخص منها 44 حزبا , حزب ينطح حزب , من التطورات السلبية في حياتنا السياسية وعلى الجزء المهم فيها الحياة البرلمانية . 44 برنامج سياسي ومثلها اقتصادي واجتماعس ومثلها رؤى وتوجهات في كل شأن ولا تفسير منطقي لذلك الا فقدان التوازن الاجتماعي وفقدان الثقة في من يمثل من , وغياب المرجعيات السياسية والدينية . كثرة الاحزاب وقلة بركتها نتيجة ايضا لكثرة قوانين الاحزاب وفقدانها للتوازن والمنطق وغيابها عن مصلحة الشعب مصدر السلطات في الممارسات الديموقراطية الصحيحة ... كل ذلك يجري ونحن فاقدون الشعور به ونشجعه وندعمه وندعي اننا نتطور ولكن نخجل من القول بصراحه في أي اتجاه ....
الى الخمسينيات من القرن الماضي كان يطلق على عملية اختيار النواب تصويت كتعبير شعبي . مع الايام تقهقر هذا المصطلح امام مصطلح الانتخابات و اضيف اليه مصطلح العرس الديموقراطي . في الظاهر قد لا يبدو الفرق واضحا بين التصويت والانتخاب ولكن الواقع يقول غير ذلك , الانتخاب بالمعنى الديموقراطي يعني احتيار الافضل وحسب برنامج انتخابي معلن من بين المتقدمين ليمثلوا الشعب في مجلس النواب .
التصويت معناه ايصال ممثل الشعب الى مجلس النواب بعدد الاصوات التي يستطيع حشدها لتلك الغاية بدون برامج انتخابية وقد تكون القرابة او الجهوية والاقليمية المعيار في النجاح .التصويت في حالتنا الاردنية اصدق واقرب الى الواقع من الانتخابات , في الحالة هذه مقارنة مع الماضي نحن نسير نحو الكذب على انفسنا اكثر واكثر ونتلاعب في الالفاظ والمصطلحات لترويضها في خدمة تكريس الواقع وانه ليس بالامكان ابدع مما كان وسلام على الاصلاح والتغيير .
.