بقلم : الدكتور سليمان الرطروط
04-06-2016 08:00 AM
اجتاحت بلاد العرب ما أطلق عليه( الربيع العربي) منذ ما يزيد عن خمس سنوات ، ولم تنج من لهيب ذلك البركان إلا بضع دول؛ ولعل ذلك يرجع إلى وعي القيادات السياسية، والنخب الشعبية، والسياسات المتبعة، وحنكة وخبرة أجهزة تلك الدول، وكذلك عدم التدخل الخارجي الفاعل لزعزعة الاستقرار بهذه الدول، ومع ذلك فقد لحق بها غبار البركان، ولكنه لم يؤثر كثيراً عليها.
وفي المقابل أخذ العنف والدمار بكل صنوفه حيزاً كبيراً في عدد من الدول والمجتمعات العربية ؛ فهدمت ودمرت المصانع، ووقفت عجلة الإنتاج، وسفكت الدماء بغير حق للكثير من الأبرياء، ونهبت الممتلكات، وانتهكت الأعراض، وهجر المواطنون بيوتهم وأراضيهم، وتقطعت صلات القربى والرحم، والمحزن أن المتنازعين يدعون للحرية والمساواة والعدالة، وتحقيق السلم المجتمعي مستقبلاً، ولو قرأت وسمعت بيانات وخطب كل فئة لتعجب أنها جميعاً تستشهد بآيات الله وسنة رسوله، ويتطلعون لغد مشرق باسم، سواء الأنظمة أو المعارضة ، ولكنهم جميعاً يذبحون بعضهم البعض، ويقومون بكل الأعمال التي لا يقرها الله ورسوله والمؤمنون، وكل ذلك بحجة السعي لمستقبل آمن، ونظام سياسي عادل.
لقد بات أكثر اللاجئين في العالم من العرب والمسلمين، ولنتذكر أن اللجوء كان قبل سبعين سنة للفلسطيني والكشميري ، أما اليوم فهو للعراقي والسوري والليبي واليمني والصومالي والسوداني، وهنالك أيضاً بلدان ومجتمعات أخرى تقترب منه ، ولقد أصبح العربي يهيم على وجهه في مشارق الأرض ومغاربها طلباً للجوء، ولمكان آمن يعيش فيه، حتى وإن كان مخالفاً لعقيدته وتقاليده.
وبعد أن كان دعاء أئمة المساجد بالنصر للمجاهدين في فلسطين، أصبحت قضية فلسطين في نهاية قائمة البلاد التي يدعى لها، ولعل من المحزن حقاً تلك المناظر والصور للاجئين وهم يحاولون اللجوء لأوروبا الغربية، حيث يعاملون في بعض الدول المؤدية إليها بالقسوة والإهانة، وانتهاك قواعد الإنسانية.
وفي ظل ضغوط اللجوء ظهرت مظاهر سيئة؛ من حيث استغلال اللاجئين مادياً، وجنسياً، ودينياً، واجتماعياً؛ وقد تسرب الكثير من أبناء اللاجئين من الدراسة بحثاً عن الرزق، وتنازل البعض عن بعض القيم والأخلاق والعادات والتقاليد، وإذا كان بعض مشايخ وعلماء الدول وأجهزتها الأمنية حثوا ودفعوا الناس للثورة والانتفاض على الدول، إلا إنهم لم يدركوا حجم المأساة الدينية والاجتماعية والاقتصادية التي حلت بالشعوب المستهدفة، وما علموا أن بعض اللاجئين قد بدلوا دينهم، وتركوا عقيدتهم ، ونقضوا عهدهم.
وإن القلب ليدمى حزناً، والعين لتبكي ألماً عندما تشاهد الحرائر والعفيفات يتدافعن للحصول على مساعدة مادية بسيطة لأولادهنّ في بلاد المسلمين والعرب، فما بالك عندما ترى علوج الروم تدفع بهنّ نحو الأسلاك الشائكة، والوحل والطين، والمستنقعات، وليس لهنّ إلا افتراش الأرض، والتحاف السماء.
ولا يمكن أن تغيب عن الذهن صور المراكب في البحار الهائجة، وتكاد تساور مخيلتك قصيدة أبي الطيب الرندي في وصف الهجرة من الأندلس وكأنها ماثلة أمام عينيك، عندئذ لا يسعك إلا أن تشعر بالقرف والاشمئزاز من الذين تاجروا بدماء الشعوب وأعراضهم _ على اختلاف مسمياتهم _ ، وإن الله لا يغفل عما يصنعون.
وفي ظل تعاظم القتل والتشريد والدمار للمقدرات المادية لبعض المجتمعات العربية والإسلامية على يد أبناءها بالدرجة الأولى، وبدعم من القوى الاستعمارية وأعوانهم، فإن الواجب الديني والأخلاقي والعرقي والإنساني يضع مسؤولية كبيرة على النخب السياسية والشعبية، وعلى قادة الفكر والأدب، وعلى المؤسسات العربية والإسلامية الشعبية والدينية ؛ بأن تطالب بوقف العنف والدمار في بلدان العالم العربي والإسلامي.
وأما الدول والقوى والشخصيات السياسية العربية والتي دفعت لحالة الفوضى في الدول الأخرى؛ فعليها أن تشعر بالعار والخزي ، وتعذيب الضمير والنفس ، عندما تشاهد حالات القهر والعذاب للاجئين ، وأن تسعى للتكفير عن خطاياها.
وأعتقد أن هنالك العديد من الشرفاء الذين تقع عليهم مسؤولية الدعوة لوقف الحروب والصراعات المسلحة ؛ سواء كانوا من النخب السياسية كالأمراء، ورؤساء الوزارات، والأعيان والوزراء والنواب ، والقيادات الفكرية والدينية والحزبية على مستوى العالم العربي والإسلامي، وأساتذة الجامعات، والإعلاميين، أو غيرهم ، وهؤلاء لديهم من الاحترام والمكانة الاجتماعية والدولية ، والكثير منهم يقف ضد تلك الممارسات الهمجية والحروب غير المبررة، ولذا فالواجب عليهم أن يرفعوا أصواتهم، ويعلنوا موقفهم الرافض للحرب بكل صورها وأشكالها؛ وأن يقولوا : كفى دماراً لبلاد العرب والمسلمين.
ولتكن لغة الحوار والكلام بين المتنازعين وليس لغة السلاح والرصاص.
ولتقف الشعوب العربية والإسلامية وترفع وتصرخ بأعلى صوتها وتعلن: أن هذه النزاعات الأهلية والداخلية لن تجلب خيراً للشعوب العربية والإسلامية، وأن التنوع العرقي والمذهبي سيبقى مستمراً وأبدياً في العالم العربي والإسلامي، ولن يستطيع أن يقضي مذهب أو عرق على غيره، ولكن لنعش جميعاً بأمن واستقرار، مهما اختلفت مذاهبنا وأعراقنا، فكما نعيش معاً في بلاد المهجر بهدوء وسكينة، لنعش معاً في بلادنا بأمن واستقرار كذلك.
أوقفوا الحرب المجنونة في سوريا والعراق واليمن وليبيا وأفغانستان وجنوب تركيا والصومال والسودان . أطفئوا نار الحروب في بلدانكم لأنها لن تحرق غيركم، ولن يطفئها أعداؤكم، وسيكون ضررها عليكم وحدكم. ولتقف الحروب، ولتعد الشعوب المهجرة إلى بلدانها، ولتبدأ مرحلة إعادة البناء.
وعاصمة الأردن عمان دون غيرها مؤهلة لتكون بداية للتحرك الشعبي والسياسي للمطالبة والمناداة بوقف الحروب الداخلية العربية والإسلامية. والله من وراء القصد.
Sulaiman59@hotmail.com