بقلم : د.م حكمت القطاونه
08-06-2016 03:10 PM
كانت الحجة أم سلامه قد اتخذت كل الاحتياطات واستخدمت كل خطوط الدفاع للحيلولة دون أن يرضع الجدي حليب أمه العنز الرءوم، فلم يبقى من أغنام أبي سلامه ومعيزه غيرها بعد أن كان قد اصطحبها إلى سوق المواشي مرات ومرات، لكن لكبر سنها كان التجار فيها من الزاهدين، ورغم إلحاف حاجتة لثمنها إلا أنه كان يشعر بسعادة داخلية أن لم يتيسر لعنزه العجوز من يشتريها، ذلك أن لها من العمر عتيا ما يحكي جزءً ليس يسيرا من حكايته هو، كانت سبب رزقه يوما وقد أجدبت فيما بعد دنياه، له معها عشرة طويلة لا يوازيها إلا عشرته مع عجوزه أم سلامه وما زالت تُعطي.
دَخلت العجوز إلى العنز العجوز قبيل طلوع الفجر في صَرَة وصكت وجهها وقالت : الله يجعلك يا الجدي بالغزو أو يوكلك ذيب ويريحنا منك أو نُبتلى في (ضيوف لحم) ونخلص من فسادك وقصصك، قطع حبله وكسر لجامه وأزاح ( الشملة – كساء من صوف أو قماش يقي ضرع الشاة وقاية من أبنها) ورضع الحليبات، فكم تأسَتْ ألعجوز أنها أضمرت ليلا أن يُفطر فلذة كبدها سالم فطورا أساسه حليبات العنز، قبل أن يسري عائدا إلى الجامعة في عمان حيث يدرس والقفر فقر والجدب ضارب طنابه، تحسبهم أغنياء من التعفف، وما كان قد كان وقد سبق السيف العذل.
أبو سلامه، راح يُعالج (البك أب) قبل أن يُصلي الفجر وكما هو طبعه يجب أن يتفقد كل شيء في (البك أب العجوز) يوميا، يُشَغله فترة تسخين قبل إقلاعه وقد يحتاج إلى (دفشة) كونه منذ سنة بلا بطارية ويصطف على منحدر احتياطاً لذلك .
صلى الشايب الفجر وصعد إلى المقصورة خلف مقود (البك أب) وراح ينتظر سالم ريثما يودع أمه ويلتحق به ليوصله إلى موقف الباصات في مركز اللواء بعيدا عن القرية.
في الطريق دار حوار من طرف واحد، يحكي الشايب قصة طفولته وشبابه، مختزلا تاريخه كيف أنه كان يعيش بلا مصروف وكان دائما يدبر حاله وأحيانا يكسب رزقه بالقوة أو الحيلة ( صلبطه) في حالات الضرورة القصوى من بعض جيله ممن أنعم الله عليهم من فضله.
أوقف أبو سلامه (البك أب) قريبا من باص عمان وراح يودع فلذة كبده ويوصيه بالاجتهاد والحرص وأن لا يخذل القبيلة ويحافظ على سمعة أجداده الطيبة.
يقول له سالم الصموت بعد صمت طويل : يا (بوي بدي مصروف) ؟...فيسأل الشايب سالم : معك أجار الباص لعمان؟...فيجيب سالم بنعم، فيبادر الشايب : الحمد لله نعمه وفضل، في عمان الله بفرجها يا بني ....استدين من أصحابك ....دبر حالك،.... صير ذيب مثل أبوك.... خلي عينك بعين الله بفرجها عليك !.
يصعد سالم إلى مقعده ملوحاً بيده لوالده من شباك الباص الذي يضج ويهتز بلحن عمر العبداللات قبل شروق الشمس ( لوح بيدك... لوح بيدك) !.
ألشايب متصنعا، مبديا كأنما لم يلمح وداع ابنه من خلف الزجاج ويلوذ خلف (البك أب) من الجهة الأخرى يُغطي وجهه بطرف منديله وينتحب.