بقلم : المحامي الدكتور مهند صالح الطراونة
11-06-2016 03:08 PM
حرمة النفس البشرية واجب ديني وقانوني
بقلم الدكتور مهند صالح الطراونة _جده
أسعد الله أيامكم أحبتي وتقبل الله طاعاتكم ، وأسال الله لي ولكم المغفرة والعتق من النار بهذا الشهر الفضيل ،وأسال أن يحفظ الله الأردن ارضا وشعبا وقيادتا من شر كل ذي شر ، ومن شر كل من يسول له فكره السام ونفسه الدنيئة الإساءة إلى الإسلام وترويع الآمنين ، في زمن تتسارع الأحداث فيه بحيث جعلت من الإقليم صفيح نار ساخن ومرتع خصب للفرق الضالة التي تفننت في شتى أنواع الإرهاب والقتل ، ولا يختلف إثنان أن توفير الأمن من أهم المطالب الضرورية لبقاء المجتمعات حتى أنه يقدم على كافة المتطلبات الأخرى ،والمتمعن بآيات الله عزوجل يجد أن سيدنا إبراهيم عليه السلام قدم الأمن في دعائه على الرزق فقال الله عزوجل (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) سورة البقرة آيه 126 ، وفي ذلك حكمة عظيمة حيث لا يمكن للمجتمع أن يهنأ في التنمية بدون أمن ، ففي عدم الأمن تتقطع السبل والطرق والحرث والنسل لا بل تنهار الآمال مع عدم والله سبحانه وتعالى قد حفظ للناس أديانهم وأبدانهم وأرواحهم وأعراضهم وعقولهم بما شرعه من الحدود والعقوبات التي تحقق الأمن العام والخاص ، وأن تنفيذ مقتضى آية الحرابة وما حَكَمَ به صلى الله عليه وسلم في المحاربين كفيلٌ بإشاعة الأمن والاطمئنان ، فقال (( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) المائدة آية33 .
ومن سماحة الإسلام وحرصه على الفرد بأن استوجب حماية الضروريات الخمس والعناية بأسباب بقائها مصونة سالمة ، وهي : الدين والنفس والعرض والعقل والمال ، وقدر تلك الأخطار العظيمة التي تنشأ عن جرائم الاعتداء على حرمات المسلمين في نفوسهم أو أعراضهم أو أموالهم وما تسببه من التهديد للأمن العام في البلاد ، وفي الوقت الذي كفل فيه الإسلام هذه الضروريات الخمس للمسلمين نجده قد كفلها لغير المسلمين حيث نجده كفل دمائهم وأموالهم وأعراضهم ومن إعتدى عليهم خان الدين ، فقال سيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ( من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة ) كما قد بين الله عزوجل في كتابه العزيز أهمية دم غير المسلم وعدم جوازية الإعتداء عليه فقال تعالى (وَإِنْ أَحَد مِنْ الْمُشْرِكِينَ اِسْتَجَارَك فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَع كَلَام اللَّه ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنه ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْم لَا يَعْلَمُونَ) التوبه 6، والعدل واجب للمسلمين وغير المسلمين وجتى ولو كان هءلاء من غير المعاهدين أو المسـامنين أو أصحاب الديانات الأخرى ، حيث قالى تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }المائدة8.
كان هذا ما بينه الإسلام من ضوابط شرعية تحدد طبيعة تعامل المسلمين السمحة مع غير المسلمين ، فكيف بالله عليكم من يقتل المسلم بفير حق ، ويهدم ويسرق ويخطف وبعذب بل وتعدى ذلك إلى تفجير المساجد في مصليها ، هؤلاء هم الخوارج الذين إمتهنوا إتلاف النفس المعصومة من المسلمين وغيرهم بدافع الإسلام والإسلام منهم براء ،هم الذين قال الله عزو جل فيهم (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ۞ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ۞ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) البقرة 204-206.
وإن من المفارقة ان هؤلاء الخوارج الذين هم ألد أعداء الإسلام والذين إمتهنوا أبشع أنواع الجرائم في التاريخ القتل والتشريد وهلكوا الحرث والنسل ينعتون إجرامهم المشؤوم هذا في الجهاد في سبيل الله ، والجهاد منهم براء ، وافعالهم ليست بأفعال الإسلام ولا بأفعال المسلمين ولعل المتابع لخطابات وتوجيهات سيدي صاحب الجلالة في مختلف المحافل المحلية والدولية يجد فيها تشخيص شامل للمشهد السياسي في الإقليم فيه توضيح الجلالة صورة الإسلام السمحة ، ووسطيته التي تحافظ على القيم الإسلامية وتقبل الطرف الآخر .
أخيرا إن خطر فكر الخوارج الضال المنحرف لايقتصر على فقط على إعداد العدة من الرجال والعتاد بل يجب أن يصل إلى كبح جماح هذا الفكر السام من الوصول إلى عقول الشباب البسطاء ،وعليه أرى أن محاربة هذا الفكر يجب أن يبدأ في الأسرة حيث يقع على عاتقها الإلتفات إلى أبنائها فلا يتركوهم لأصحاب الأفكار الهدامة والمناهج المنحرفة وهذا الأمر يتجلى من خلال الرقابة الحثيثة عليهم وتبصيرهم بمصادر الخطاب الديني الصحيحة، مفي المقابل ارى أن يكون هناك تظافر بين كافة أجهزة الدولة ،وإذا لم يكن هنالك نهضة شاملة حقيقة نحو التغير في محاربة هذا الفكر الإرهابي السام ، والتي من أهمها المؤسسات التعليمية ويقع على الجامعات هنا الدور الكبير باعتبارها ركيزة إشعاع هامة في في الدولة حيث لا ينحصر دورها على منح الشهادات العلمية فقط ، بل يجب أن يتعدى ذلك إلى خدمة الدولة بما تقدمه خطط استراتيجية ودراسات متخصصة يكون لها دور في البناء ، وكنت قد أبديت مقترحي في موضع سابق أننا بحاجة إلى إنشاء مراكز بحثية متخصصة حول هذه الموضوعات ،أو كراسي علمية خاصة بمثل هذه الموضوعات بحيث تكون هذه الدراسات أساسا يرتكز عليها صاحب القرار في إصدار قراره ،و قاعدة بينات مفيدة للجهات ذات العلاقة أو لمن يحتاجها من أجهزة الدولة . Tarawneh.mohannad@yahoo.com