بقلم : ياسر المعادات
10-07-2016 04:04 PM
لن تنتهي وصفات التصحيح الاقتصادي المرتبطة بخدمة الديون أو محاولة تسديد جزء منها لدينا،هي لن تنتهي لأن الدين هذا لا يمكن بأي حال من الأحوال تسديده،فهو وجد كي يبقى لا كي يفنى!
كيف يعمل صندوق النقد هذا؟ ما هي مبادئه و ما هي غاياته التي وجد من أجلها؟ هذه الاسئلة و غيرها الكثير يجيب عنها ايرنست وولف في كتابه المرجعي الهام 'صندوق النقد الدولي قوة عظمى في الساحة الدولية'.
بالعودة الى مبادىء الصندوق و نهجه الذي أصبح جزءا من تكوينه الوحشي،يتعامل الصندوق غالبا مع حكومات و أنظمة دكتاتورية تسهل تغلغله في الدول المقترضة المدينة،و التي تتحول شيئا فشئا الى دول تابعة يخطط الصندوق اقتصادها و يوجه نهجها السياسي صوب خدمة هذا الاقتصاد الموجه نحو خدمة ديون الصندوق،و الأمثلة على هذا الأمر كثيرة من أمريكا اللاتينية الى يوغوسلافيا السابقة الى ايرلندا الى قبرص و غيرها.
لعل العلاج بالصدمة هي أهم وصفات الصندوق الجاهزة و المطبقة في الكثير من الدول الخاضعة لحكم الصندوق، يقوم هذا العلاج على هجوم مباشر على الحقل الاجتماعي في الدول المدينة أو الدول التي تطلب الاقتراض،فتراه يركز على فرض شروط هامة تهاجم الجماهير الدافعة للضرائب عبر زيادة في هذه الضرائب أو التخلص من أعباء الرعاية الصحية التي تقوم بها الدولة،ناهيك عن تخفيض الرواتب و تسريح الموظفين و خصخصة المشاريع الوطنية و الموارد الطبيعية التي تمتلكها الدولة،هذه الوصفة الجاهزة لا تميز تقريبا بين دولة و أخرى فهي نهج عام يحاول فرض نمط اقتصادي موحد في اطار السعي لفرض قيم و مبادىء السوق الرأسمالية التي تقوم على تكديس الثروات و صناعة بؤر الاحتكار الرأسمالية الفاحشة للمال،في مقابل انهاك الجماهير عبر اثقال كاهلها بالضرائب المتصاعدة التي تحولها لطبقات معدمة مهددة بالزوال!
بالعودة الى الحالة الاردنية فإن املاءات الصندوق الأخيرة لن تكون أبدا هي الأخيرة،فهي خطوة ضمن سلسلة خطوات بدأت في العقد الأخير من القرن الماضي و ما تزال مستمرة،هي ما تزال مستمرة بالتوازي مع زيادة حجم الدين و الذي بازدياده تزداد فوائد خدمته،نعم هناك فوائد فصندوق النقد ليس مؤسسة خيرية،بقدر ما هو مؤسسة استعمارية اقتصادية فوق دولية (هو أكبر من الاطار العادي للدول)،بالطبع هذه الاملاءات و الوصفات الجاهزة هي تطبق من أجل الحصول على قروض جديدة تثقلنا بديون أكبر فأكبر،فتستوجب قروضا أخرى و برامج تصحيحة و وصفات جاهزة أخرى،لتدخلنا في دوامة لا يمكن الخروج منها!
السؤال المطروح أمام هذا الواقع المتأزم هو ما العمل اذن؟ هل بالامكان التخلي عن معونات صندوق النقد؟ بطبيعة الحال يصعب اللجوء لمثل هكذا خيار بالنسبة لدولة صغيرة ضعيفة الاقتصاد مثل الاردن،خصوصا أن نقمة الصندوق قد تعني اعلان افلاس الدولة أو على الأقل خروجها من عالم الاقتصاد الدولي الذي يعد الصندوق اليوم أحد أهم أركانه،اقترح عدد من الاقتصاديين لدى الدول المدينة فرض ضريبة لمرة واحدة أو حتى أكثر تبلغ 10% على أموال الأثرياء و لنقل من يمتلك 500 ألف دينار فأكثر تساهم بلا شك في تخفيف الأعباء عن كاهل دافعي الضرائب من البسطاء و الموظفين و العمال،و تساعد في تخفيف حجم الدين الذي لا يمكن أن يتناسب بحال من الأحوال مع الواقع الاجتماعي أو الاقتصادي في هذا البلد!
قد يكون هذا الحل طوباويا في اطار تحالف السلطة التي تنظر الى الأردن على أنه حجر نرد في طاولة مراهنات مع رأس المال الذي لا يتأثر ببرامج الصندوق النقد التصحيحية و وصفاته الجاهزة،و لكنه فكرة تساعد على فضح هذا التحالف و انعدام انتمائه الوطني لا بل و دوره الحاسم كعميل لنمط الاستعمار الجديد الذي يمثله صندوق النقد الدولي،و هي دعوة لجماهير الشعب المعدمة الرازحة تحت ضربات الوصفات الجاهزة للدفاع عن قوت يومها و عن كينونة وطنها و بقاءه المهدد اليوم أكثر من أي وقت مضى،و دعوة للتخلي عن السلبية الشعبية التي لطالما كانت هي السبب الرئيسي في تمرير برامج الصندوق و وصفاته التي لا تنعكس الا على واقع هذه الجماهير الشعبية البائسة!