بقلم : بشير المومني
25-07-2016 03:00 PM
ردا على فتوى ديوان التشريع والرأي
( عندما تتحدث الرئاسة مع نفسها تكون النتيجة فتوى لديوان التشريع والرأي ) ، هذه هي الخلاصة التي يمكن استظهارها من الفتوى العجيبة التي تشرع لحالة دستورية وقانونية شاذة والتي طالعنا بها ديوان التشريع والرأي حيث تقضي بعدم لزوم تقديم عضو مجلس الأعيان لاستقالته من عضوية مجلس الأعيان في حال ترشحه للأنتخابات النيابية ووفقا لما ورد فيها فأن العين يلزم بتقديم استقالته في حال نجاحه في الأنتخابات فقط ، ولا أدري حقيقة تحت أي بند يمكن تصنيف هذه الفتوى المثيرة للأستغراب في كل بنيتها من مضمون وشكل وتوقيت الا اذا كان الهدف منها سياسي او أنها تخدم أقطابا نافذة في مجلس الأعيان مما يضع علامات أستفهام كبيرة لا بل وكبيرة جدا عليها باعتبارها تخلو من القانون !!
فمن حيث الصفة والصلاحية فهي تذكرني بوعد بلفور الذي أعطى من لا يملك لمن لا يستحق أرض الغير ، حيث ان الولاية العامة في الشأن الانتخابي ينعقد للهيئة المستقلة للأنتخاب بموجب احكام قانون الهيئة الخاص الذي ينظم عملها بالأستناد لأحكام المادة ( 67 / 2 ) من الدستور والتي تنص على انشاء الهيئة المستقلة للأنتخاب التي تشرف على الانتخابات وتدير شؤونها وبدلالة المادة ( 45 / 1 ) من الدستور والتي تنظم فكرة الولاية العامة في الدولة بأعتبارها موزعة بحدود الأختصاص الدستوري بين السلطات السيادية والهيئات والأشخاص سواء بموجب احكام الدستور نفسه أو احكام القوانين الناظمة لعمل تلك الجهات وصلاحياتها كل حسب واجبه ووظيفته ، حيث تنعقد الولاية العامة في شؤون الأمن والدفاع عن المملكة وحماية أستقرارها مثلا للقوات المسلحة من جيش وأمن عام ومخابرات ودرك ودفاع مدني وكذا الحال فالهيئة المستقلة للأنتخاب لا تختلف بهذا المعنى والوصف والتكييف عن كونها صاحبة ولاية فيما يتعلق بشأن الأنتخابي ..
أما قانون الهيئة المستقلة للأنتخاب فلقد تحدث بشكل واضح لا جدل ولا أجتهاد في مورد نصوصه عن ولاية الهيئة المستقلة للأنتخاب على كافة الشؤون المتعلقة بالأنتخابات النيابية ونظم العلاقات الخاصة بذلك في المواد ( 3 – 4 – 12 – 23 ) كما أكد قانون الأنتخاب نفسه على ولاية الهيئة المستقلة في هذا الشأن واناط بها مسؤولية الاشراف على الانتخابات وادارتها وأوجب على كافة المؤسسات والجهات الرسمية مساعدتها للقيام بأعمالها على خير وجه بما في ذلك قبول ترشيح الراغبين في خوض المنافسة على عضوية المجلس وفقا لأحكام المادة ( 16 ) تحديدا ، كما حدد القانون أسس الطعن وجهاته ومحكمته ومدده في قرارات مجلس الهيئة المستقلة للأنتخاب وبأستقراء مجموع النصوص الدستورية والقانونية ذات العلاقة فان الهيئة هي صاحبة الولاية العامة في الشأن الانتخابي ..
أما ديوان التشريع و الرأي فلقد انشيء بموجب نظام رقم ( 1 ) لسنة ( 1993 ) ويتبع لرئاسة الوزراء وضمن مرتبها وكادرها بتقريره تأسيس ديوان في الرئاسة يسمى ديوان التشريع والرأي الذي يتولى أعداد مشاريع القوانين ودراستها وتقديم الاستشارات القانونية لرئيس الوزراء والوزارات والمؤسسات الحكومية وذلك فيما يعرض لها من أعمال ..الخ ، اذن وعطفا على ما تقدم فأن ديوان التشريع والرأي لا يملك صلاحية الأفتاء بأي شأن متعلق بتفسير الدستور الذي تنعقد الولاية في ذلك للمحكمة الدستورية بموجب المادة ( 59 ) من الدستور كما لا يملك الحق في تفسير القوانين حيث تنعقد الولاية في ذلك للديوان الخاص بتفسير القوانين سندا لأحكام المادة ( 123 ) من الدستور وعليه فأن الفتوى التي طالعنا بها ديوان التشريع والرأي صادرة ممن لا يملك الحق في اصدارها وهي من قبيل تغول السلطة التنفيذية على السلطة القضائية والهيئات الخاصة ومصادرة لحقها في القيام بعملها وقد كان حريا بديوان التشريع والرأي من باب الامانة التشريعية ان يجيب بعدم اختصاصه وصلاحيته من هذا الجانب ..
وعلى سبيل الفرض الساقط بأن ديوان التشريع والرأي صاحب صلاحية في التصدي للفتوى القانونية من حيث تفسير الدستور او تفسير القانون او الحق في ممارسة الأعمال المتصلة بالشأن الأنتخابي - مع التمسك بخلاف ذلك - فأنه وبالرجوع الى متن الفتوى فلقد جاءت عجيبة وغريبة وسابقة قانونية بالشذوذ التفسيري ويكتنفها العوار التأويلي ولا تخلو من فساد الأستدلال وعجيب الأقوال التي لا محل لها من الاعراب الدستوري حيث تنص المادة ( 76 ) صراحة على عدم جواز الجمع ما بين عضوية مجلسي النواب والأعيان ولما كان التابع تابعا ولا يفرد بالحكم - توسعا - فأنه من مقتضيات ذلك عدم جواز قبول ترشيح عضو مجلس الأعيان بدون تقديم أستقالته من باب أولى ..
أما ما عجبت له على وجه الحقيقة فأن تستند الفتوى العجيبة ليس الى تفسير نص أستثنائي ولا الى حكم صريح بل استندت الى القياس على تفسير لنص لا علاقة له بمجلس الأعيان بل يتحدث عن مجلس النواب ومن المعلوم من القانون والفقه الدستوري بالضرورة ان الاحكام الدستورية هي احكام خاصة لا يقاس عليها فعدم وجود نص هو قيد ومحدد مانع كما هو حال وجود النص الدستوري تماما ولو اراد المشرع ان يعطي لعضو مجلس الاعيان الحق في الترشح للأنتخابات النيابية دون تقديم استقالته لنص على ذلك صراحة ولجاء ذلك مفردا في النصوص الخاصة بمجلس الأعيان أما الأستناد على نص مادة خاصة بمجلس الناوب فهي والله سابقة ما جاء بها احد من العالمين ، وجميع الأحوال وحتى لو سلمنا جدلا بجواز الأستناد الى تفسير مادة استثنائية للخروج بخلاصة الفتوى فلقد كان يتوجب على ديوان التشريع والرأي ان يستقريء مجموع النصوص الخاصة بحل مجلس النواب كجملة واحدة لا ان يجتزيء المادة ( 68 ) للدلالة على الرأي دون ان يقرأها بمعزل عن نص المواد ( 73 – 78 ) من الدستور والتي تتحدث عن اجراء الانتخابات بعد حل مجلس النواب او ما يترتب من احكام في حال عدم اجرائها ..
ومن ثم لا أدري ما أقول بشأن تفسير ديوان التشريع والرأي لنص المادة ( 11 ) من قانون الأنتخاب بعد الذي قيل سوى أنني آسف لما توصلت أليه الفتوى من تفسير عندما أعتبرت ان اعضاء مجلس الأعيان لا تنطبق عليهم أحكام المادة أعلاه بلزوم تقديمهم الأستقالة قبل اجراء الانتخابات وان عضو مجلس الاعيان مكلف بتقديم استقالته فقط بعد نجاحه ووصوله للمقعد النيابي فهو بذلك التفسير نزع عن مجلس الأعيان الصفة الرسمية والصفة العامة وأخرجه من نطاق السلطة وجسم الدولة بالمفهوم القانوني والسياسي ، فأذا كان مجلس الأعيان ليس من قبيل السلطة او الهيئة او الجهات او المؤسسات العامة للدولة فما هو تحديدا ؟؟!!!! نادي ام جمعية خيرية ام حزب أم شركة لا تهدف الى تحقيق الربح ام ماذا !!!!!!؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ان التفسير الذي ذهب أليه ديوان التشريع والرأي لا يصادف صحيح القانون نهائيا لأن التفسير استند الى ان المادة تتحدث عن المؤسسات او الجهات على سبيل الحصر ومن هنا السؤال موجه لديوان التشريع والرأي هل يجوز لمنتسبي المؤسسة / السلطة القضائية الترشح للأنتخابات دون تقديم الأستقالة بأعتبار انه لم ينص عليها صراحة في المادة ( 11 ) من قانون الانتخاب !!!!!!!؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ..
أخيرا وليس آخرا وبعد الأعتذار عن الأطالة رغم كل محاولات الاختصار أقول كم كنت اتمنى على ديوان التشريع والرأي رغم ما اكتنف فتواه من عوار قانوني وفساد استدلال لو أشار في فتواه ولو مجرد أشارة ضمنية لا صريحة الى لزوم تقديم عضو مجلس الأعيان أستقالته من مجلس الأعيان في حال أخفق في الحصول على ثقة الناخبين في انتخابات مجلس النواب لأن القيمة الدستورية في المادة ( 64 ) من الدستور الباحثة في شروط عضوية مجلس الأعيان تشير صراحة الى وجوب ان يكون العين محل ثقة الشعب ..
المحامي بشير المومني