بقلم : د عودة ابو درويش
22-08-2016 03:00 PM
نظرا لما تقدمه الحمير من خدمات جليلة للمجتمعات التي تعتمد اعتمادا مباشرا عليها ، ولتميّزها في أداء هذه الخدمات ومن دون كلل أو ملل أو اعتصام أو امتناع عن الطعام أو حتّى عريضة استرحام ، وأسوة بالدول الشقيقة مثل المغرب ولبنان والصديقة مثل ايطاليا وباكستان ، وفي بلدة ريفيّة جبليّة ، قرر مالكي هذه الحيوانات الاليفة ، تكريما لها ، إقامة عيد سنوي يسمّى مهرجان الحمير ، على أن يكون موقعه في الميدان الكبير ، ويدعى له كلّ من يرغب في الضحك والسرور وازالة القلق والتجّهم والاستمتاع بيوم كلّه حبور ، وأيضا دعوة الصحفيين والمصطافين ، ومن لا عمل له الاّ مراقبة الآخرين ، وأن يشتمل هذا المهرجان على فقرات ومسابقات متنّوعة كثيرة .
المسابقة الاولى تكون سباق الحمير ، وتعطى جائزة كبرى لأسرع حمار رطلين من العلف المحسّن ، ومسابقة ملكة جمال الحمير، وجائزتها ثلاثة أرطال من الشعير . وعلى هامش المهرجان يقام أمسيات شعريّة وندوات فكريّة ، وتشكّلت لجنة عليا من مالكي الحمير للإعداد للمهرجان وتشكيل لجان منبثقة عن اللجنة الرئيسية ، إحداها إعلامية والثانية للتخطيط وأهمها اللجنة الماليّة ، على أن تجتمع هذه اللجان مقابل مكافآت نقدية تصرف لأعضائها فور انتهاء المهرجان ، ووضعت اللجنة العليا توصيفا يليق بكلّ لجنة من اللجان المنبثقة عنها وسمّت لها رئيسا وأعضاء ، وبدأت اللجان عملها بكلّ همّة ونشاط ، واضعة نصب عينيها إنجاح المهرجان لما فيه خير الوطن والإنسان .
وفي اليوم الموعود أحضر كلّ صاحب حمار حماره ، وكانت كلّها مزيّنة بأحسن زينة ، ووضعت على رؤوسها أكاليل الورود ، واستبدلت برادعها الوسخة بأخرى موّردة مزركشة ، ومع أنّها خضعت جميعها للتنظيف ، إلا أنّها بعد الحمام الساخن انبطحت وحكّت جلدها بالأرض فعادت متّسخة . وبالرغم من محاولة أصحابها جاهدين صفّها بطابور واحد ليصوّرها المصورين ، إلا أنّها كانت تأبى إلّا أن تتحرّك في مكانها غير مبدية رغبة في الانتظام ، ووقف رئيس اللجنة العليا بمهابة ثمّ بسمل وحوقل ، وأمر عازف المزمار أن يصدح بالنشيد معلنا بداية المهرجان ، وبعد الخطابات التي تغنّت بالخدمات الجليلة التي تقدّمها الحمير للإنسان ، بدأت الفقرات التي كان أوّلها اختيار ملكة جمال الحمير ، حسب المواصفات التي وضعتها لجنة مختصّة ، ومنها رشاقة القوام وتناسب الوزن مع نصف قطر القوائم ، وقصر الشعر و طول الذيل ، ومساحة الظهر وقلّة انتفاخ البطن ، على أن لا تكون بغل أو نغل . وفازت حمارة بيضاء ليس لها مثيل بين الحمير بثلاثة أرطال من الشعير بدأت بالتهامها غير مهتمّة بضحكات الجماهير .
وبدأ سباق الجري والدوران حول أكبر ميدان للسباق في البلدة ، وبعد اشارة البداية انطلقت الحمير بالسير السريع بالرغم من أنّ راكبيها كانوا يبذلون جهدا في دفعها للجري من دون فائدة ، وكأنّها لا تأبه بما ينتظرها من ربح وفير ، ومع أنّ السباق استغرق وقتا كبيرا ، الاّ أنّ اللجنة حكّمت الضمير وأعطت الجائزة لأسرع حمار وصل خطّ النهاية يرافقه أصوات نهيق باقي الحمير التي تغّلبت على صوت تصفيق الجماهير . ثمّ كانت فقرة للشاعر الموهوب الذي قرأ من نظمه قصيدة عصماء تتغنّى بصبر الحمير على الأحمال ، وقدرتها الفائقة في الوصول الى أعالي الجبال ، ونالت القصيدة استحسان الجماهير .
انتهى المهرجان وأعلن رئيس اللجنة العليا أنّ السنة القادمة ستشهد تغييرا في البرنامج وبدلا من أجمل حمارة سيتم اختيار أقذرها . وعاد جميع الحاضرين إلى بيوتهم سعداء مسرورين ، ضاحكين على الحمير التي لم تدري أنّها ستبدأ في اليوم التالي أعمالها الشّاقة في جرّ العربات وحمل الاثقال .