بقلم : د. أيّوب أبو ديّة
25-08-2016 03:12 PM
نشر الدكتور أحمد حياصات في الدستور 3 أب 2016 رداً على مقالة الدكتور إبراهيم بدران، وقد حاولت نشر هذا الرد في الدستور عبثاً، لذلك توجهت إلى 'كل الأردن' فدمتم ذخراً للأقلام الحرة والرأي المستقل، وبعد....
ربما يكون رد حياصات من أفضل الردود دفاعاً عن المشروع النووي منذ بدايته في عام 2008، ولكن كيف يمكن يا دكتور أحمد أن تكون الطاقة النووية 'أحد الخيارات المجدية من حيث المبدأ' كما تقول، وذلك قبل استكمال دراسات الجدوى الاقتصادية التي عبرتم عنها لاحقاً بقولكم: 'على أن يتم لاحقاً إجراء دراسات تفصيلية معمقة تمهيداً للتوصل إلى دراسة جدوى اقتصادية بنكية...'؛ فكيف تسارع بالقول إن الطاقة النووية هي أحد الخيارات المجدية (المقولة التقليدية لهيئة الطاقة الذرية) ثم تقول بعدها إن دراسة الجدوى الاقتصادية لاحقة لإنجاز دراسات الموقع؟ والحق أن القول الأخير أكثر مصداقية لأن إجراءَات تخفيف الأثر البيئي والحماية والإخلاء والتزود بالمياه وما إلى ذلك من إجراءَات مرتبطة بالموقع ولم يتم تقييمها بعد؛ وهي دراسات ما زال العمل جارياً عليها من قبل الكوريين، كما علمنا، بإشراك مكاتب دراسات أردنية مرموقة.
احتاجت الكثير من المواقع النووية التي تم اختيارها في العالم إلى عشرات السنين لدراسة أهليتها لإقامة مفاعلات نووية عليها، كمفاعل مونجو الياباني الذي استغرقت دراسة الموقع 15 سنة (1970 – 1985)، فمن العجيب أن هذه الأمور تتم عندنا 'مسلوقة 'في سياق الإصرار على إقامة المشروع أولاً بالرغم من أن هذه الدراسات لم تنته بعد!
ويجب أن تكون دراسات الجدوى الاقتصادية مبنية على أسس علمية رزينة وظروف موقع حقيقية، ولكن دراسات هيئة الطاقة الذرية وشركاتها لا يمكننا الوثوق بها، لماذا؟ الم تعلن هيئة الطاقة أن دراسات الجدوى أثبتت أن لدينا يورانيوم بكميات تجارية ستعود علينا بالمليارات وسيبدأ إنتاجها عام 2012؟ فأين اليورانيوم وأين المليارات وأين هذه الدراسات المزعومة؟ ألم تعدنا الهيئة أيضا بانتاج الكهرباء عام 2015؟
وهل تثقون بشركة روس أتوم الروسية صاحبة التاريخ العريض من الفشل في العالم مثل مشاريعها في بلغاريا وتركيا وحتى في روسيا نفسها حيث استغرق إنجاز بعض المشاريع بين 15 – 30 عاما، بينما مشروعي بيلين على نهر الدانوب في بلغاريا قد توقفا تماما بعد إنفاق مليارات اليورو بلا طائل.
أما في تركيا فقد استقال مدير المشروع المهندس فاروق أوزال بعد أن اتضح له أن قدرات هذه الشركة وطريقة عملها غير أمن، والآن توقف العمل في المشروع تماماً بعد إسقاط تركيا للطائرة الروسية. فهل تضمن يا دكتور أن تستمر علاقتنا مع الروس جيدة في خضم الحروب المشتعلة من حولنا؟ أم أننا سوف نفقد المليارات بمجرد أن غضب الرئيس الروسي من الأردن لسبب ما؟
شرع المفاعل الروسي من فئة الجيل الثالث VVER1200 الشبيه بمفاعلنا المرتقب في الموقر يعمل تجارياً في الموقع الهندي في كودانكولام بالهند وذلك في أخر يوم من عام 2014 بتشغيل من شركة روس أتوم الروسية، حيث عمل المفاعل الذري من تاريخ 22/10/2013 لغاية 31/5/2015، وكان المفاعل خلال فترة 586 يوماً من التشغيل معطلاً لمدة 226 يوماً، إذ توقف عن العمل اضطرارياً مدة ثلاثة عشر مرة هدرت خلالها 90 يوماً من أيام الإنتاج والعمل.
كما توقف المفاعل مرتين للصيانة استمرت في مجموعها 64 يوماً، فضلاً عن التوقف 72 يوماً لاستبدال التوربين الذي يولد الكهرباء والذي تعطل أيضا، علماً بأن المفاعل يعود للجيل الثالث من المفاعلات الذرية. وهكذا يكون مجموع أيام التوقف عن الإنتاج هي 226 يوماً من أصل 586 يوماً؛ وقد صدرت هذه الدراسة عن Academina.edu للباحثين VT Padmavabhan وJ Makkolil مؤخراً.
ومن الواضح أن الجيل الثالث من المفاعلات الروسية VVER1200 التي تم بناؤها في الهند لم يتم تجريبها بما يكفي لحل مشكلاتها المعقدة التي نجمت عن تطوير النموذج الذي سبقه VVER1000 ولذلك فإنها تواجه مشكلات كبيرة في السنة الأولى من عمرها. لأن أي صناعة معقدة يتم تطويرها في العالم اليوم تحتاج إلى تجريب وتطوير في بلد المنشأ أولاً لمدة زمنية لا تقل عن عشر سنوات قبل أن يتم تجريبها في دول أخرى كما هي حال المفاعلات الروسية المنوي بناؤها في تركيا والأردن وفيتنام وبنغلادش، فبأي حق يجربونه في بلادنا؟
لا نشك أن العالم قد تعلم من فوكوشيما في تطوير أنظمة التبريد وامتصاص الهيدروجين وما إلى ذلك، ولا نشك أيضاً أنك على قدر مرموق من المصداقية بحيث توافق الدكتور إبراهيم بدران همومه وأرقه من حيث عدم جواز المقارنة بين الحالة الأردنية في مفاعلنا والحالة الأمريكية اليتيمة في محطة بالوفيردي، من حيث حجم المشروع وكمية المياه العادمة والعمر الذي انقضى على تأسيس المشروع؛ وأنت تعلم أن الصين بعد كارثة فوكوشيما، وهي الدولة التي تنوي بناء نصف المفاعلات النووية المقترحة في العالم، قد أوقفت بعد فوكوشيما كافة مفاعلاتها المقترحة في مواقع لا تقع مباشرة على أنهار عظيمة أو بحار.
كذلك فإن مشروع واتس بار2 النووي الأمريكي الوحيد الذي تم تشغيله منذ عشرين عاماً ونيف هو من المشاريع النووية الفاشلة في العالم، ويمكن استقراء التكلفة الفلكية للمشروع الذي استغرق بناؤه 42 سنة؛ حيث حصل الموقع على رخصة البناء عام 1973 وانتهى العمل به في نهاية عام 2015، وزادت تكلفته عن 39 مليار دولار.
نشكرك مرة أخرى لأنك تواجه الحجة بالحجة، ونحن ننتظر معكم بفارغ الصبر نتائج دراسة الربط الكهربائي مع دول الجوار ... فمن هي دول الجوار المناسبة للربط معنا من حيث التردد والقدرة وما إلى ذلك، بحيث يكون النظام الكهربائي مستقراً؟ هذا تماماً ما كنا نقوله، انتظروا حتى تنهوا الدراسات وتتأكدوا من أهلية الموقع قبل التعاقد مع الروس. ولنفترض أن المفاعلات الصغيرة SMR (أقل من 300 ميجاواط)، والتي نعتقد أنها الأكثر ملاءمة للحالة الأردنية، قد أثبتت ملاءَمتها لاستقرار النظام الكهربائي الأردني وبخاصة في ضوء التوترات السياسية في المنطقة والتي تجعل رؤى المستقبل ضبابية فيما يتعلق بالربط مع دول الجوار، فهل نبدأ بالدراسات مرة أخرى من جديد بعد إنفاق الملايين؟
ثم لماذا تفترض أننا في مواجهة حمل أقصى مقداره 6000 ميجاواط عام 2025، بحيث تشكل مشاركة المفاعل الواحد 16% منه؟ لقد تصفحت مراجع عديدة، وهي تشير إلى 10% فقط. ولكن هناك قضية أهم وتتعلق بإستراتيجية الأردن لترشيد استهلاك الطاقة وزيادة كفاءَتها بمعدل 20 - 30% بحلول 2030 بمرجعية عام 2007. وهذا يعني أن الحمل الأقصى عام 2025 لن يتجاوز 4000 ميجاواط إذا كانت إدارتنا للطاقة جيدة، وبخاصة إذا عاد اللاجئون إلى ديارهم، فتصبح مساهمة كل مفاعل 25% من الحمل الأقصى، وهذا غير مقبول بكل المعايير. أما اذا أفشلنا خططنا في ترشيد استهلاك الطاقة لخدمة المفاعل النووي فهذا انتحار وطني!
أخيراً، نحن نتفق معك في مضمون البند الخامس تمام الاتفاق، ولكن فقط فيما يتعلق بتكلفة عشرة مليار دولار للمفاعلين، فأرجو أن توضح لنا توقعاتك للتكلفة الإضافية بمصداقيتك المعروفة من حيث تكلفة البنى التحتية وتحديث الشبكة وتأمين المياه وبدلات الدراسات وما أنفقته الهيئة على المشروع النووي الأردني لغاية الآن ... وما إلى ذلك. فنحن نثق بك ونريد أن نعرف تقديرك للتكلفة الإضافية ومن سيمولها؟