بقلم : د. اشرف محمد عبد القادر سمحان
17-09-2016 03:10 PM
أثار القانون الامريكي المسمى بالعدالة ضد رعاة الارهاب، موجة عارمة من ردود الافعال المستنكرة، تحديداً من دول الخليج ومن بعض حلفائها الاساسيين كالاردن والمغرب، مطالبة بوقف تمريره بعد ان اقره الكونغرس الامريكي، وهدد الرئيس الامريكي باراك اوباما باستخدام حق النقض عليه كونه يعكر صفو العلاقات مع كثير من حلفاء الولايات المتحدة وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية.
وفي إطار الجدل المحتدم بهذا الخصوص، لا بد ابتداء من التعرف على هذا التشريع، واهم ما جاء به من نصوص، فبالرجوع الى موقع الكونغرس الامريكي نجد الاقسام السبعة للقانون المذكور، حيث نجد المادة (2/a/6) من التشريع المذكور وضمن التعريفات الموضوعة في مقدمة التشريع تقرر أن الأفراد والكيانات، والدول، التي تساهم عن عمد او اهمال، بشكل مباشر او غير مباشر، في تقديم اي نوع من انواع الدعم او المساعدة، لاشخاص او منظمات، بما يعرض مواطنين امريكيين او يهددهم بخطر جدي، او يعرض او يهدد بالخطر الامن القومي الامريكي او السياسة الخارجية او الاقتصاد الوطني، يجب ان يطالهم الاختصاص القضائي الامريكي الذي يجب ان يقبل سماع جميع الدعاوى التي من هذا القبيل.
وكذلك نجد المادة (2/b) من التشريع المذكور وضمن تحديد غايات التشريع والموضوعة في مقدمته ايضاً، تقرر أن هذا القانون يهدف الى اتاحة الفرصة للمدعين المدنيين ليطالبوا على اوسع نطاق ممكن بالتعويض، وبما يتفق ودستور الولايات المتحدة، في مواجهة الاشخاص والكيانات والدول الاجنبية، تقدم بشكل مباشر او غير مباشر اي نوع من انواع الدعم او المساعدة، لاشخاص او منظمات اجنبية، تساهم في القيام بنشاط ارهابي ضد الولايات المتحدة الامريكية.
وبالرجوع إلى المادة (3/b) من التشريع المذكور وتحت عنوان مسؤولية الدول الاجنبية عن الارهاب الدولي المرتكب ضد الولايات المتحدة الامريكية، نجدها تقرر أنه ليس لأية دولة أجنبية الدفع بحصانتها في مواجهة الاختصاص القضائي للمحاكم الامريكية بنظر اية دعوى للمطالبة بالتعويض عن الاضرار الجسدية او المادية لضحايا العمليات الارهابية التي تقع في الولايات المتحدة.
اضافة الى ما سبق، نجد المادة (4/b/2) من التشريع المذكور جاءت تحت عنوان مسؤولية الدول الاجنبية عن تعويض ضحايا الارهاب الدولي المرتكب ضد الولايات المتحدة الامريكية والتي اقامتها تأسيساً على افعال المساعدة والتحريض المعروفة في القانون الجنائي.
واخيراً، فقد حددت المادة (7) من القانون المذكور نطاقاً زمنياً لانطباقه وفعاليته فقط عن الافعال المرتكبة في او بعد تاريخ 11 سبتمبر 2001، مما يشير الى الدور الهام والجوهري للاحداث المذكورة في بلورة نصوص هذا القانون والاحكام المتضمنة به.
حتى اذا تعرفنا على اهم مفاصل هذا القانون، كان لنا الانتقال لدراسة اهم الجوانب المتعلقة به، حيث نبدأ بالشكل لننتقل بعدها الى الموضوع، كما يلي:
اولاً: من حيث الشكل:
ومن الممكن لنا من حيث الشكل الدفع على القانون المذكور بالانعدام والتناوب البطلان لما يلي:
(1) الدفع بانعدام قانون العدالة ضد رعاة الارهاب:
ان القانون الامريكي المسمى بالعدالة ضد رعاة الارهاب، هو بلا شك قانون منعدم (لا باطل فحسب) باعتباره يتجاوز النطاق الوطني المحدد له، مما يؤدي لانعدامه باعتبار تعديه على المجال المحفوظ لنطاق مكاني محدد لنظام قانوني مختلف هو القانون الدولي العام، فاذا كانت ممارسات الدول الداخلية او لوطنية يمكن ان تشكل اساساً صالحاً ومقبولاً لتكوين الركن المادي للعرف الدولي، الا ان المقصود بذلك الممارسات المشروعة التي يقتصر نطاقها على المجال المحفوظ لنطاق ممارسة الدولة لسيادتها، الا وهو حدود اقليمها، وكذلك الحال للنطاق الزمني المحدد للقانون، وفيما يلي شرح كلا النطاقين المذكورين:
1- من حيث النطاق المكاني:
فإن القوة الملزمة للتشريع لا بل وماهيته ايضاً مستمدة من كونه صادر عن سلطة سياسية تمارس سيادتها في نطاق محدد مكانياً، اي في نطاق اقليم معين هو اقليم الدولة المعنية، مما لا يجوز معه تجاوز هذا النطاق للاعتداء على النطاق المكاني او الموضوعي او الشخصي المحدد لانطباق نظام قانوني مختلف نوعياً عنه، والذي هو في حالنا هذه القانون الدولي العام، ذلك اننا اذا كنا في التشريعات الداخلية او الوطنية امام قواعد قانونية وضعتها سلطة سيادية عليا تخاطب بها مجموعة من المحكومين بهذه القواعد، فإننا في القانون الدولي العام امام قواعد قانونية سنتها الارادة الثنائية او المشتركة للمجتمع الدولي، وهو مجتمع من الاشخاص المتساوين في السيادة، لا في اطار علاقة غير متوازية بين حاكمين ومحكومين. وعليه فلا وجود للسلطة السيادية العليا في القانون الدولي، والقانون لا تتم صناعته في صورة خطاب موجه من اعلى للاسفل (علاقة عامودية) كما هو الحال في التشريعات الوطنية، إنما يتم نشوؤه في إطار العلاقات المتبادلة والمتوازية بين اشخاص متساوين مع بعضهم البعض بشكل مطلق (علاقات افقية متعددة).
كذلك، نجد الحكم ذاته مقرراً بالنسبة للتشريعات التي تقرر نطاقاً مكانياً لانطباقها يتجاوز حدود اقليمها، كحال تقرير انطباق القانون السعودي مثلاً على الاراضي الاردنية او العكس!! مثل هذا الامر يتقرر معه بطلان النص الذي يقرر التجاوز مع بقاء التشريع في اصله صحيحاً اي في نطاق حدود اقليم الدولة، الا اذا تبين ان الغاية من التشريع (اي السبب الدافع اليه) في اصله ومبدأ وجوده هي اساساً تقرير مثل هذا التجاوز، فينعدم التشريع بالكلية، وهذا في حقيقة الامر وواقعه حال قاون العدالة ضد رعاة الارهاب والواضح من الغاية من القانون والمحددة في المادة (2/b) منه والظاهرة ايضاً في جميع مفاصله، والمتمثلة في خضوع الدول الاجنبية للاختصاص القضائي للمحاكم الامريكية التي تملك تقرير مسؤوليتها القانونية عن افعال الدعم والتحريض المتعمدين او حتى عن اهمال غير مقصود تنتج عنه المساهمة في ارتكاب اعمال ارهاب دولي ضد حكومة الولايات المتحدة الامريكية او ضد مواطنيها.
2- ومن حيث النطاق الزماني:
فإن قواعد التوارث الدولي (كتلك المقررة في المواد 15 و 31 و32 من اتفاقية فيينا للتوارث في مجال المعاهدات الدولية لعام 1978) هي في اصلها من قبيل القواعد الآمرة التي تتيح الزام دول لم تكن قائمة بقواعد قانونية نشأت قبل قيامها، فلا يصح ولا يقبل من دولة حديثة مثلاً ان تصدر تشريعاً يتعدى او يتجاوز قواعد التوارث الدولي لانها في الواقع ملزمة للدول، فلا يقبل منها التحلل من الالتزام بها بمجرد تشريع وطني تصدره.
وعليه، فأي تجاوز من التشريع الوطني لمثل هذا النطاق الزماني او المكاني المحدد له، يترتب عليه بلا شك انعدامه، اي اعدام اي اثر قانوني مترتب عليه دون ضرورة المبادرة للطعن ببطلانه لعدم الدستورية مثلاً، مما يعني انه تشريع ولد في اصله ميتاً، فلا يحتاج لاي عمل قانوني يقرر وفاته، مما يكتفى معه للدول المخاطبة به مجرد التمسك بعدم سريانه في مواجهتها لا لأنه لا ينطبق عليها وانما لأنه تشريع منعدم لا يرتب أثراً لا بداخل الولايات المتحدة ولا بخارجها.
ومما لا شك فيه أن سيادة الدول تشكل حجر الاساس في القانون الدولي العام المعاصر، حيث أكدت عليه المادة (2) من ميثاق الامم المتحدة، حيث نصت على ما يلي:
[تعمل الهيئة وأعضاؤها في سعيها وراء المقاصد المذكورة في المادة الأولى وفقاً للمبادئ الآتية:
1. تقوم الهيئة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها].
ومبدأ المساواة في السيادة بين دول العالم تعني أن لا رفعة ولا صولة لدولة ( بأي من سلطاتها الثلاث سواء لحكومتها او لقضائها او لبرلمانها) على دولة أخرى، وبأن من ماهية القانون الدولي ان تركيبه ليس هرمياً، اي لا سلطة فيه حاكمة تفرض سلطانها على قطاع المحكومين كما هو الحال في القانون الداخلي (اي القوانين الوطنية المختلفة التي فيها حكام ومحكومين) وإنما نجد ان القانون الدولي العام يخاطب كيانات متساوية تماماً في حقوقها وواجباتها، فلا نجد مثلاً حكومة عليا تعلو حكومات الدول المختلفة، ولا مجلساً تشريعياً اعلى يقرر قواعد تلزم الدول بغير رضاها، ولا قضاء اعلى يفرض على تلك الدول اختصاصه.
ولهذا نجد ان للقضاء في العالم نوعان متمايزان تماماً، قضاء وطني بكل دولة، يفرض اختصاصه وفقاً لاحكام القانون الدولي الخاص في المواد المدنية كالتعويض عن الاضرار مثلاً، او وفقاً لقواعد السريان المكاني للقواعد الجنائية الوطنية، والمعروفة في كل دول العالم (من اقليمية وشخصية وعينية وعالمية)، الا ان القاسم المشترك بين هذه جميعاً خروج الدولة ومؤسساتها من النطاق المحدد للقضاءات الوطنية، وليس ذلك الا تطبيقاً اميناً لسيادة الدول والذي يشكل حجر الاساس الذي قامت عليه القواع القانونية الناظمة لعلاقات الدول ومجاميعها الدولية (المنظمات الدولية) والاي اصطلح على تمسيتها بقواعد القانون الدولي العام، ولهذا فإن حصل واقر هذا التشريع ورأى النور سيشكل سابقة قانونية في نظام قانوني كالقانون الدولي العام يقوم مصدر رئيسي من مصادره هو العرف الدولي على اساس مثل هذه السوابق، وسوف تقابله بالطبع تشريعات انتقامية تقوم على الاساس ذاته بين دول العالم المختلفة، وسينهار بناء على ذلك وتبعاً له اعتبار سيادة الدولة وينهار معه القانون الدولي العام ككل.
فاذا كان للولايات المتحدة ان تحدد مدى زمنياً لمسؤولية الدول الاجنبية التي تحددها كيف تشاء، فما الذي يمنع دول العالم قاطبة ان تحدد ما تشاء من مدى زمني، لماذا لا تحدد الصين مثلاً غزو اليابان لها كتاريخ لبدء سريان قانون يقرر مسؤوليتها عن قتل اكثر من 20 مليون صيني على ايدي الجيش الياباني آنذاك، اي بما يعادل الف ضعف عدد ضحايا احداث 11 سبتمبر!!
ومما يمكننا ان نلاحظه ونفسر به هذا السلوك المتمثل بإقرار التشريع المذكور ان الولايات المتحدة توسعت في قوتها وسلطانها حتى لقد وصلت في جبروتها وتكبرها الى حد اعتبرت معه من سلطاتها الثلاث سلطات فوق سلطات الدول، فانقلبت حتى على قواعد القانون الدولي التي كرست لها ذلك السلطان ابتداء، مثل هذه القفزة الواسعة على قواعد القانون الدولي لم تكن وليدة اللحظة، انما سبقتها اعراض مرضية كان على المجتمع الدولي التنبه لها، من أهمها وأبرزها تعطيلها لاتفاقية روما المقررة للنظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية حتى اقر لها اخيراً تجاوز الاختصاص الشخصي على جرائم الابادة او جرائم الحرب او الجرائم ضد الانسانية التي ترتكبها قواتها المسلحة في اي مكان في العالم بناء على اتفاقيات ثنائية تعقدها حكومة الولايات المتحدة مع دول العالم (استناداً الى المادة 98 من ميثاق روما الاساسي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية)، وهو ما تم فعلياً حيث استغلت نفوذها وسلطانها لعقد اتفاقيات ثنائية مع معظم الدول المنضمة لاتفاقية روما ومن بينها الاردن على سبيل المثال، تحصن جنودها وضباطها من اية مسؤولية لهم او ملاحقة من خلال المحكمة الجنائية الدولية عن اية جريمة من ضمن اختصاصها تقع على الاراضي الأردنية.
مثل هذا التجاوز والعلو والاستكبار في الارض كان على دول العالم مواجهته منذ زمن بعيد لرد هذا البلد العظيم (والذي لا تنكر فضائله على البشرية) لجادة الحق والصواب.
وحتى في اطار القضاء الدولي الذي يعد بحكم ماهيته المكان الطبيعي لمقاضاة الدول، لا يستمد هذا القضاء اختصاصه كأصل عام الا بموافقة الدول المعنية نفسها (المادة 36 من النظام الاساسي لمحكمة العدل الدولية)، وحتى عند تنفيذ الحكم الصادر لابد من موافقتها ايضاً في بعض الاحوال.
وفي اطار القضاء الجنائي الدولي، نجد ان المستفاد من قراءة المواد (11-14) من ميثاق روما المتضمن النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية، أن الدولة لا تخضع لاختصاص هذه المحكمة الا برضاها، اي بقبولها المسبق بهذا الاختصاص، ولم يخرج على اطار هذه القاعدة العامة سوى اختصاص مجلس الأمن بحفظ السلم والامن الدوليين، كما حصل في يوغسلافيا وفي رواندا عن انشاء المحاكم الخاصة بمحاكمة مجرمي الحرب هنالك بقرارات من مجلس الامن، وهي حالة مختلفة تماماً وبكل قطع وتـأكيد بعيدة جداً عن تشريع وطني داخلي خاص بدولة معينة كالولايات المتحدة كما في التشريع المسمى بالعدالة ضد رعاة الارهاب.
والسؤال المشروع الذي حقّ لنا أن نطرحه في هذا المقام: اذا كانت قواعد القانون الدولي العام ذاتها التي تنظم العلاقة بين الدول والتي تخاطب الدول كأشخاص لهذا القانون لا تفرض اختصاصاً قضائياً لمحاكمة دولة الا برضاها، وحتى في حال رضاها فلا يمتد الاختصاص الجنائي ليشمل الدول ذاتها كأشخاص او كيانات معنوية وانما يقتصر الاختصاص الجنائي الشخصي لها على الاشخاص الطبيعيين فقط، أفهل يقبل من تشريع وطني لا يفترض به اصلاً ان يخاطب الدول بأحكامه أن يفعل ذلك؟ ويتجاوز ما لا تستطيع قواعد القانون الدولي ذاتها فعله.
(2) وبالتناوب: الدفع ببطلان هذا التشريع لعدم الدستورية:
وذلك استناداً الى ما يلي:
أ- عيب عدم دستورية القانون من ناحية عنصر السبب:
وذلك باعتبار تحديد هذا التشريع في المادة (7) منه نطاقاً زمنياً لانطباقه وفعاليته فقط عن الافعال المرتكبة في او بعد تاريخ 11 سبتمبر 2001 مما يعني أنه إنما وضع سوى لاحداث 11 سبتمبر ذاتها، مثل هذه الحقيقة تسم التشريع المذكور بعيب عدم الدستورية من حيث عنصر السبب، حيث تبين بشكل واضح للعيان وصريح انه 'مفصّل' ليحكم واقعة معينة بذاتها هي احداث 11 سبتمبر، ومما يذهب اليه الفقه والقضاء الدستوريان اننا في هذه الحالة امام عيب الانحراف باستعمال السلطة التشريعية على حد تعبير العلامة الدكتور عبد الرزاق السنهوري رحمه الله (في بحثه المشهور بعنوان 'مخالفة التشريع للدستور والانحراف في استعمال السلطة التشريعية').
ب- عيب عدم دستورية القانون من ناحية عنصر المحل:
ذلك أن هذا القانون يخالف مبدأ مستقراً عليه في القانون الدستوري الا وهو مبدأ سمو المعاهدات الدولية، والمشتق في رأينا من مبدأ عام هو اولوية تطبيق احكام القانون الدولي على القوانين الداخلية او الوطنية التي لا يجوز لها ان تتجاوز المدى او النطاق المحدد لها، ووجه المخالفة والتعارض هنا ان القانون الامريكي العدالة ضد رعاة الارهاب يتعارض بالقطع مع احكام القانون الدولي العام ومع الالتزامات الدولية للولايات المتحدة الامريكية.
ثانياً: من حيث الموضوع:
وحتى لا يقال ان الدول المعنية بتشريع العدالة ضد رعاة الارهاب تتستر بدواعي السيادة لدرء خطر مساءلتها قانوناً عن اعمال الارهاب التي قام بها بعض من مواطنيها، نقرر فرضاً اننا حتى ولو عل فرض اننا تجاوزنا العقبة الشكلية او الاجرائية السابقة، والمتمثلة في اعتبارات السيادة، فإن الدول تلك لا يمكن ان تتقرر مسؤوليتها حتى من ناحية موضوعية، لما يلي:
(1) أن الدولة كشخص معنوي لا تقوم مسؤوليتها القانونية وفقاً لما استقر عليه الفقه والقضاء الا اذا ارتكبت الافعال محل المساءلة لمصلحتها وباسمها ومن خلال الاشخاص الممثلين لها او على الاقل ممن يعلمون لديها:
وبمناقشة ذلك في الحالة المعنية، نجد ان من يرتكب الاعمال الارهابية من غير الممثلين للدول المعنية بالتشريع المذكور، اي ليست لديهم صفة وظيفية او تمثليلة لدى تلك الدول، بخلاف الحالة الايرانية مثلاً، والتي يرتكب فيها جيش القدس التابع للحرس الثوري الايراني مجازره الارهابية في سوريا باسم الدولة الايرانية التي اعلنت على الدوام دعمها له، اضافة الى باقي الطوائف الشيعية الاخرى في الفتنة المذهبية المشتعلة هنالك.
وعليه، فاذا اردتم الحديث عما يسمى بالدول الراعية للارهاب، فالنظام السوري بلا شك راع للعديد من العمليات الارهابية الكبرى كاغتيال الحريري وثلة من الشهداء الوطنيين اللبنانيين من قبله ومن بعده، والنظام الايراني راع لارهاب حزب اللات والحشد الشعبي الذي عاث بارض العراق فساداً حتى لقد تطاول مؤخراً على مؤسسات الدولة العراقية ذاتها والقادم اعظم، كما أن نظام معمر القذافي كان الى وقت قريب جداً راعياً للإرهاب.
وبخلاف الحال ايضاً بارهاب الدولة، حين ترتكب مؤسسات الدولة الرسمية ذاتها الافعال الارهابية بحقّ مواطنيها او بحقّ شعب قابع تحت احتلالها، كما ترتكبه اسرائيل على الدوام من اعمال التهجير والاحلال الديموغرافي والقتل المتعمد بالجملة للمدنيين من باب الانتقام، والدعوة من المؤسسة الدينية الرسمية هنالك لابادة العرب. وكذلك ما قامت به قوات الاحتلال الفرنسية في الجزائر من مذابح بحق الشعب الجزائري وقيامها بابشع وسائل التعذيب بل والابادة بحق الشعب المقهور هنالك، والذي لم تعتذر فرنسا عنه حتى مجرد اعتذار اخلاقي (ع التحفظ على عدم الالتزام بتبعاته قانوناً).
وكذلك نستذكر قيام حكومة الانتداب البريطانية وعبر ثلاثين عاماً (1918-1948) بتجريد سكان فلسطين العرب من السلاح وايقاع عقوبة الاعدام بمن يوجد لديه ولو قعطة سلاح خفيفة للدفاع عن نفسه) في الوقت الذي كانت حكومة الانتداب الرسمية تجلب المستوطنين اليهود وتمولهم وتمدهم بالسلاح وتقدم لهم افضل انواع التدريب انتظاراً لساعه الصفر التي حلت بكل الويلات التي جاءت بها للفلسطينيين الذين لم يسبق لهم احتلال العاصمة لندن، وللعرب من خلفهم مخلفة حروباً عدة راح ضحيتها مئات الالوف وتسابقاً على التسلح اثر حتى الآن على التنمية في البلدان العربية، كل ذلك من يدفع ثمنه؟ لم تدفع بريطانيا مليماً واحداً ثمناً له، لا بل باعت للعرب اسلحة ربحت بها مئات المليارات.
وعليه، فالدول المعنية بالتشريع المذكور لم تتبن تلك العمليات، ولم تنسبها اليها، ولم ترتكب تلك العمليات بواسطة وسائلها وادواتها كتهريب الاسلحة والمتفجرات عبر سفارات تلك البلدان مثلاً، ولا من خلال ممثليها، اي من خلال اشخاص ينتمون وظيفياً اليها، انتماء عضوياً بجسد الدول تلك، كل ما في الامر انهم اشخاص تصادف انهم ينتمون بجنسياتهم الى تلك الدول.
(2) انعدام عنصر الاسناد القانوني لربط الدول المعنية بقانون العدالة ضد رعاة الارهاب بافعال الإرهاب المحددة به واللازم لتقرير مسؤوليتها عنها:
وهو ما يمكن ابرازه في المسألتين التاليتين:
(أ) ما قررناه مما سبق، واستنتجناه من ان علاقة الدول المستهدفة من التشريع الامريكي العدالة ضد رعاة الارهاب، تنحصر في ان اشخاصاً من جنسية تلك الدول كانوا من بين من نفذوا الاعمال الارهابية المعنية، حسناً، لنناقش الامر، هل يصلح ذلك كي يشكل اساساً واقعياً كافياً لتثور مسؤولية الدول تلك كأشخاص معنوية؟ طبقاً للمعيار السابق (ان ترتكب الافعال الارهابية باسم الدولة او عبر ادواتها ووسائلها او من قبل ممثليها او العاملين لديها والمنتمين وظيفياً اليها) لا يصلح مجرد الانتماء بالجنسية ليشكل اساساً واقعياً وقانونياً كافياً لربط الدول تلك بالافعال الارهابية المذكورة، اي لقيام عنصر الاثم الذي يشكل اساس المسؤولية القانونية عن تلك الافعال الارهابية.
(ب) حتى اذا قررنا ان العنصر السابق غير كاف لاعمال مسؤولية تلك الدول القانونية عن الاعمال الارهابية، انتقلنا لنناقش عنصراً آخر أكثر دقة حساسية، الا وهو نظام التعليم في تلك الدول، والسؤال الذي يطرح نفسه، هذا النظام ذاته الم يفرز في تلك الدول الادباء والعلماء والقادة والمفكرين؟ بل وحتى الملحدين ايضاً؟ فعن اية سلفية دينية يتحدثون اذن؟ ان ما ولد الارهاب حتى باعتراف ممثلي الولايات المتحدة نفسها (مثل هيلاري كلينتون اثناء كانت وزيرة للخارجية) هو توظيف الولايات المتحدة لهم كوقود في حربها بهم بالوكالة مع الاتحاد السوفييتي لاستنزافه واخراجه مذؤوماً مدحوراً من افغانستان، من الذي مول؟ من الذي قرر؟ من الذي درب؟ من الذي خطط عن سابق وعي وارادة وبعد طول تفكر بالعواقب سوى الولايات المتحدة الامريكية والتي قبلت بالمخاطرة وتجاهلت تحذيرات دول عديدة من ان السحر سينقلب يوماً ما على الساحر، وهو ما حصل فعلياً، لقد أحس اولئك الذي تركتهم امريكا يتقاتلون دون دعم او تنمية في افغانستان بالضيم والظلم وغلبهم عليهم ان استعملوا والقي بهم في سلة المهملات، فارتدوا على حلفاء الامس لينتقموا منهم فاذا بهم اصبحوا بين ليلة وضحاها اعداء اليوم. كل هذه القصة تم توظيف الدين فيها من الطرفين والدين منها براء، تم توظيف الدين فيها من قبل المجموعات الارهابية للدعوة الى قتال أئمة الكفر وكأنهم لم يكونوا اصدقاء بالامس، وتم تويف الدين ايضاً باتهام الاسلام بأن الارهاب به اصيل، فاتفق الطرفان وكلاهما على باطل بأن يسطو على الاسلام العظيم، باشد تفسيرات نصوصه مغالطة مع اتفاق جمهور المفسرين، ليقولوا بأن هذا هو الاسلام، والاسلام في حقيقته ليس كذلك.
(3) استغراق إثم حكومة الولايات المتحدة (الدولة الضحية) أي إثم يمكن نسبته الى الدول المعنية بالقانون، مما يشكل اساساً لقطع علاقة السببية وانتفاء مسؤولية هذه الدول بالتالي:
مما سبق، يتضح لنا أن اثم الضحية (والحال هنا هي الولايات المتحدة) استغرق اثم الجلاد (والحال هنا هي الدول المعنية بالتشرع المذكور)، مما لا تنقطع معه علاقة السببية اللازمة لتقرير المسؤولية القانونية لتلك الدول ع جرائم الارهاب التي ارتكبها بضعة من مواطنيها، ولايضاح ذلك نضرب المثال التالي: هب ان احداً يسوق سيارته في طريق سريع، ورغب احدهم بالانتحار فقفز فأة امام تلك السيارة، أفيسأل صاحب المركبة باعتبار ان مركبته هي التي صدمت ذلك المار؟ الجواب بالنفي قطعاً، إذ ان خطأ المضرور في هذهالحالة استغرق خطأ صاحب المركبة، مما لا تقرر معه اية مسؤولية لهذا الاخير عن حادث الدهس.
وفي مثال آخر نتساءل: أفهل أسأل عن فعل ابني اذا استجره احد المجرمين فهرب من البيت وعلمه ودربه على الجريمة، حتى اذا اختلفوا فيما بينهم لاي سبب كان اذا بإبن صاحب البيت يقتل ذلك المجرم؟ أفأسأل انا صاحب البيت لا لشيء الا لأن من ارتكب الجريمة ابني، ام ان علاقة ذلك المجرم بالجريمة الاي ارتكبت بحق كانت اظهر في ثبوتها واوثق في قوة ارتباطها؟
(4) مبدأ المشاركة في الضرر وفي مكافحته كأساس لدفع مسؤولية الدول المعنية بقانون العدالة ضد رعاة الارهاب:
ولهذا المبدأ في رأينا وجهان، سلبي وايجابي، نستعرضهما كما يلي:
(أ) فمن ناحية سلبية: نجد أن الدول المعنية بذلك القانون عانت كثيراً من الارهاب لربما اكثر مما عانته الولايات المتحدة ذاتها، وان معاناتها كانت على يد ذات تنظيم القاعدة المتهم بارتكاب احداث 11 سبتمبر 2001 وهي المعنية اساساً بالقانون المذكور، وهو تنظيم لم يخف يوماً عداءه الشديد لتلك الدول اي دول الخليج العربي.
(ب) ومن ناحية إيجابية: أن الدول المعنية بذلك القانون في مقدمة الدول المحاربة للارهاب، وقد اتخذت خطوات متقدمة جداً لتوحيد الجهود الدولية لمكافحة الارهاب، أفهل تكافأ بمثل هذا القانون؟
أخيراً، فاذا كان لنا ان نسمي هذا القانون بناء على حقيقته والآثار المترتبة عليه، فإن التسمية الفعلية له هي قانون العدالة ضد مكافحي الارهاب او حتى العدالة ضد اصدقاء الولايات المتحدة الامريكية او قانون خسارة الحلفاء، قانون كسر التحالف العالمي ضد الارهاب، قانون الفوظى العالمية او قانون خرق النظام الدولي العام.
ذلك ما كان من أمر اجتهادي في هذه المسألة، ورأيي يبقى صواباً يحتمل الخطأ، ورأي غيري يحتمل الصواب، فإن أصبت فمن الله وتوفيقه، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، فعسى أن أكسب باجتهادي هذا الاجرين لا الاجر الواحد، والله من وراء القصد، وشكراً.
الدكتور اشرف سمحان
استاذ مساعد القانون الجنائي/ جامعة الجوف