أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


أولوية الأولويات

بقلم : إسماعيل الشريف
18-12-2016 12:53 AM
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ – المائدة: 8

حادثتا انتحار طالعتنا بهما الصحف الأسبوع الماضي لأرباب عائلات لم يروا إلا الانتحار مخلصا لفقرهم، ومع الوقت ستصبح هذه الأخبار عادية.
حديث سياسيينا واقتصاديينا عن أرقام النمو الاقتصادي أو الناتج القومي، كوحدات قياس للعدالة الاجتماعية، أرقام لا تستحق الورق الذي تكتب عليه.
فهذه أرقام لا تعني المواطن المسكين الذي يقيس أي شيء على نفسه أولا ثم مقارنة بالآخرين، وفي الحالتين ستتولد لديه قناعة بأن ثمة ظلم اجتماعي كبير في وطنه، وهذا الظلم في ازدياد، فمجتمعنا أصبح مجتمعا يورث فيه المال والساسة وكأننا نتحول إلى مجتمع إقطاعي من عصور أوروبا المظلمة، حيث مجموعة قليلة من النخب تتحكم في كل شيء وهي منفصلة عن مجتمعها.
وبالمناسبة فهذه ليست ظاهرة أردنية ولكنها ظاهرة عالمية بفرق وحيد مهم، أن الظلم الاجتماعي لدينا يزيد كلما حقق الاقتصاد نموا، بعكس ما يتحدث عنه تقرير البنك الدولي حول العدالة الاجتماعية، فالتقرير يتحدث عن أن العدالة الاجتماعية في العالم في تحسن وأن الفجوة بين شعوب قد قلّت، ومردّ ذلك إلى أن دولا ذات كثافة سكانية عالية كالهند والصين قد زادت فيها الطبقة المتوسطة مما أدى إلى تحسن العدالة عالميا، ولكننا عندما ننظر داخل الدول سنجد أن الظلم الاجتماعي يزداد. المشكلة في منطقتنا والأردن من ضمنها أن أي تحسن اقتصادي سيؤدي إلى مزيد من الظلم الاجتماعي، أي أنه سيصب في جيوب أقلية وهذا ما شاهدناه في العقود الأخيرة.
إذا كان عام 1988 يؤرخ لظهور اليمينيين الجدد ممثلي الرأسمالية الشرهة التي لا يردعها ضابط، فإن عام 2016 سيؤرخ لبداية انتصارات الشعبوية، وهي عقيدة قائمة على «الكفر» بالنخب السياسية والاقتصادية الحاكمة، وتقوم على الصراع بين الشعب والفصيل الحاكم، وتنشط هذه العقيدة عندما تبدأ الطبقة الوسطى بالاندثار. في أوروبا تبنت أحزاب سياسية هذه العقيدة وحققت انتصارات، فكان من انتصاراتهم استقالة رئيس الوزراء الإيطالي بعد أن خسر التصويت على تعديل الدستور وكان منها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بل إن البعض يعتبر فوز ترامب هو تعبير عن انتشار هذه العقيدة على أساس أنه خارج النظام السياسي الأمريكي ولم يتبوأ سابقا أي وظيفة حكومية.
في بلدنا بدأت الشعبوية بالترسخ، فهنالك سخط شعبي على الساسة، وبرأيي قد تبدأ بأخذ شكل سياسي، ولو كنت مسؤولا لشجعت على قيام أحزاب شعبوية لتكون وسيلة تنفيس عن غضب الناس بدلا من أن يأخذ شكلا عشوائيا لا سمح الله!
علماء الاقتصاد يقرعون الأجراس، فبول كروجمان الحاصل على جائزة نوبل للسلام يتحدث عن أن الدول الديمقراطية الرأسمالية في طريقها لتتحول إلى دول بلوتوقراطية، أي طبقة الأثرياء الحاكمة أو حكم الأقلية المحظوظة.
وأعتقد أننا كذلك بدأنا نسلك هذا الطريق، وبرأيي فإن أولوية الأولويات يحب أن تكون التصدي للظلم الاجتماعي، وهذا التصدي ليس فقط عن طريق الاقتصاد، فقد أثبتت الدراسات الحديثة أن الدول التي تتقدم اقتصاديا ستلمس في البداية تحسنا في العدالة الاجتماعية ثم ما تلبث أن تختل الموازين وتزداد الفروق الاجتماعية ، لذلك يجب الحيطة بالتأسيس للعدالة الاجتماعية. وبرأيي علينا أن نتعلم من تجارب الآخرين، وأن تقوم عدالتنا على مبدأ المساواة في الفرص لا النتائج، بحيث نوفر نظاما عادلا للتعليم والصحة، وقوانين عادلة للضرائب والملكية والتعيين.
يقال أن العدالة الاجتماعية تتحقق بطريقين، مؤذ وهي الحروب والكوارث، أو حميد بالتعليم والصحة … ، فلماذا لا نسلك الطريق الثاني قبل أن يفرض الطريق الاول نفسه؟

(الدستور)

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012