12-07-2011 09:37 AM
كل الاردن -
د. رحيّل غرايبة
سارعت معظم دول العالم للاعتراف بدولة جنوب السودان الوليدة, وفي مقدمتها الدول العربية, مصر والسودان وليبيا والأردن, ومن ثمّ تركيا ودول العالم أجمع.
تبدو جليّة معالم السرور والفرح على الدول الكبرى خصوصاً والدول الغربية عموماً بنجاح مخططها في تقسيم السودان, فقد بدت واضحة معالم المخطط الأمريكي الغربي في زيادة حدة الفرقة والتفتيت في الجسم العربي خاصة والإسلامي عامة والعمل على تقسيم المقسم, وإثارة النعرات الطائفية والعرقية والدينية والمذهبية, من أجل النجاح في ديمومة الضعف والتخلف عن طريق إدامة الصراع والنزاع الداخلي للنظام العربي, حتى يبتعد عن الوحدة, ويبتعد عن أسباب القوة التي تجعله قادراً على بلورة مشروع عربي نهضوي وحدوي, يعيد للأمّة العربية مكانتها ورسالتها الحضارية العالمية, التي تهيئها لبلورة مشروع مستقبلي واعد.
ومن هنا فإنّ الاحتفال بهذه الدولة الوليدة ممزوج بعلامات السرور التي تنضح بها وسائل الإعلام الغربية, التي تحاول تسويق هذه الفكرة على الرأي العام العالمي, والرأي العام الغربي تحت بند مناصرة حقوق الإنسان, لمد يد العون لها لتصبح دولة نموذجية في العمق الإفريقي العربي, ونقطة ارتكاز أجنبي.
الدولة الوليدة لها علاقات حسنة مع أمريكا وفرنسا وبريطانيا وباقي الدول الغربية قبل تكونها وقبل ولادتها, كما أنّ لها خطوط اتصال وتعاونا وثيقا مع الكيان الصهيوني منذ فترة طويلة تعود لأيام الحروب الأهلية السودانية التي استمرت سنوات طويلة, وقد لمع نجم القائد (جون قرنق) كأحد أعلام جنوب السودان, عندما استطاع تشكيل جيش تحرير السودان, وحظي بدعم غربي منقطع النظير, كما استطاع تكوين علاقة وثيقة مع (إسرائيل), وقد زارها أكثر من مرّة, كما تمّ تدريب ضباط وقادة جيش تحرير السودان في (إسرائيل), وفي الوقت نفسه كانت تعمل على مده بالخبرات والأسلحة الحديثة.
وعندما جاءت ثورة الإنقاذ, واستطاعت أولاً وضع حد لنفوذ (قرنق) المتزايد الذي كان يهدد بالاستيلاء الكامل على السودان, وعندما كسرت شوكته عملت الدول الغربية على فرض (حصار) ظالم على السودان ما زال مستمراً حتى هذه اللحظة, ثمّ عملت على الضغط على السودان على إجراء مصالحة, وفعلاً تمّ عقد المصالحة التي شكلت خطوة متدرجة نحو الانفصال خاصة بعد اكتشاف كميات من النفط الكبيرة في الجنوب, ولذلك سار المخطط بهذا الاتجاه, ونجح وحقق ثماره التي نراها الآن واقعاً ملموساً لا يستطيع أحد إنكاره, فضلاً عن مواجهته.
لقد استمر مسلسل إضعاف الشمال بتفجير صراع آخر في (دارفور), الذي يعد مقدمة لمخطط آخر ما زال يعمل باتجاه دولة شمال السودان حتى هذه اللحظة, وربما يتجدد السعي نحو مزيد من التقسيم في المستقبل.
لقد بدا واضحاً أمام حكومة السودان المركزية أنّها لم تستطع ولن تستطيع مواجهة المخطط الأمريكي الغربي بتقسيم السودان, وإقامة كيان موالٍ للغرب ليكون قاعدة جديدة لجحافل الاستعمار الجديد الذي يرغب بنهب خيرات إفريقيا والاستيلاء على البترول الجديد ومصادر الطاقة, التي ما زالت أمريكا والدول الغربية الكبيرة بحاجة له خلال العقود المقبلة. ولذلك عمدت حكومة السودان إلى الاستسلام لرغبة الغرب في هذه الناحية, وبحثت عن مبررات كثيرة لتدافع عن رأيها بقبول التقسيم, ولكن في الحقيقة كانت خطوة للحصول على (كرت أبيض) من أمريكا والغرب, وعربون حسن نوايا; من أجل فك الحصار وتخفيف الضغط على حكومة الشمال, ولكن المستقرئ للسياسة الأمريكية الغربية لا يشعر بكبير أمل في تحقيق الأمنية السودانية, وليست بحاجة إلى مبررات جديدة لإدامة الحصار والاستمرار بمطالبة محاكمة البشير, حتى تتفكك هذه الحكومة وتنهار هذه التجربة.
هذه الدولة الناشئة, رغم الاختلاف العرقي والديني الواسع للسكان, ورغم تعدد القوى السياسية والتباين في اتجاهاتها وسياساتها, لكنّ أمريكا والدول الغربية سوف تعمل على إنجاح تكوّن هذه الدولة وتطورها, وربّما تسبق محيطها في مظهرها الحداثي والعصري من خلال تدفق المنح الغربية السخيّة عليها.
ليس هذا فحسب, بل ربما تملك هذه الدولة الوليدة نظاماً ديمقراطيّاً متطوراً, وتجرى فيها انتخابات نزيهة, تشكّل حكومة برلمانية حزبية, وتعمل على ترسيخ مبدأ تداول السلطة. وسوف يبقى ينظّر المنظرون عندنا ويبرّر الكتاب والصحافيون أنّنا في الأردن خاصّة والعالم العربي عامّة ما زلنا مجتمعاً رعويّاً أبويّاً, لا نستطيع تحمّل الديمقراطية الحديثة القائمة على الحرية والتعددية وتداول السلطة.
rohileghrb@yahoo.com