بقلم : موسى العدوان
25-12-2016 10:00 AM
وإذا ما عدنا إلى إرهابيي الكرك وما فعلوه من عمل إجرامي خلال الأسبوع الماضي، نجد أن الذين قاموا به هم من أبناء البلاد الأصليين وليسوا من الغرباء. وأعتقد أن سببا أو أكثر مما ذكر بأعلاه كان الدافع الرئيسي لارتكابهم تلك الجريمة النكراء، التي ذهب ضحيتها عدد من الشهداء والجرحى من أبناء الوطن. وبناء عليه فإننا نستنتج مما سبق أن الإرهابيين ( هم صنيعة أيدينا ) فنحن من هيأ لهم البيئة الملائمة للجنوح نحو الإرهاب.
بعد أن هدأ أزيز الرصاص وتوقف نزيف الدماء الطاهر على أرض الكرك العزيزة، لا بد لنا من وقفة تأمل ومراجعة، لنأخذ منها الدرس والعبرة، لكي نتجنب الوقوع بمثلها مستقبلا. وقبل الخوض بهذا الموضوع الهامّ، أجد بأن ثلاثة أسئلة تداهمني، طالبة الإجابة عليها بمنتهى الصراحة والشفافية وهي :
أولا - لماذا تحول هؤلاء الشباب الأردنيين إلى إرهابيين، يوجهون أسلحتهم لقتل أقاربهم وأبناء بلدهم ؟
ثانيا - ما هي الأسباب التي دفعتهم لارتكاب تلك الجريمة النكراء ؟
ثالثا - كيف يمكن معالجة هذا الوضع، ومحاولة منع أو الحد من وقوع أحداث مماثلة في وقت لاحق ؟
وللإجابة على هذه الأسئلة، علينا أن نستعرض حيثيات العمليات الإرهابية بشكل عام.
فالإرهاب أساسا هو ظاهرة عالمية عُرفت منذ أقدم العصور، ولكنها تفشت وتوسعت بعد منتصف القرن الماضي وأوائل هذا القرن، نظرا لتطور مناحي الحياة وتعقيداتها المختلفة، مع ما رافقها من تنافس وصراعات دولية، تهدف إلى تحقيق مصالحها الإستراتيجية.
لقد أصبح الإرهاب عملا خطيرا يهدد المجتمعات الإنسانية، لكونه يعتمد أقصى درجات العنف في تحقيق أهدافه. فالإرهاب ليس له تعريف موحد ومتفق عليه دوليا. فما هو إرهاب لدى طرف، قد يعتبر عملا تحرريا لدى الطرف الآخر. ولكن هناك بعض التعريفات المتداولة من بينها الآتي :
1. التعريف اللغوي : ' الإرهاب هو الترويع وفقدان الأمن لتحقيق منافع معينة '.
2. التعريف في علم الاجتماع السياسي : ' هو كل تصرف أو سلوك بشري ينزع إلى استخدام قدر من القوة القسرية، بما في ذلك الإكراه والأذى الجسدي والاستخدام غير المشروع للسلاح، وتقنيات التعذيب المخالفة لحقوق الإنسان الأساسية، التي أقرتها الشرائع السماوية والمواثيق الدولية '.
3. تعريف المرصد العربي للإرهاب. ' هو عمل يهدف إلى ترويع فرد أو جماعة أو دولة لغاية تحقيق أهداف لا تجيزها القوانين المحلية أو الدولية '.
4. أما وكالة الاستخبارات الأمريكية ( C I A ) فقد عرفته كالتالي : ' الإرهاب هو التهديد باستعمال العنف أو استعمال العنف، لتحقيق أغراض سياسية من قبل أفراد أو جماعات، سواء كانت تعمل لصالح سلطة حكومية قائمة أو تعمل ضدها. ويكون القصد منها إحداث صدمة أو فزع أو رعب للمجموعة المستهدفة، والتي تكون عادة أوسع من دائرة الضحايا المباشرين '.
والإرهاب قد يحدث داخليا أو خارجيا كفعل أو رد فعل لعمل سابق. وفي هذه العجالة سأركز على ظاهرة الإرهاب الداخلي، والتي تستأثر من قبلنا بأهمية خاصة، والتي من أسبابها ما يلي :
1. الفوارق الطبقية. وتحدث نتيجة للسياسات الاقتصادية الخاطئة، والتي تصنع فروقا في المجتمع بين مختلف طبقات الشعب، وقد تلغي أخيرا الطبقة المتوسطة التي هي عماد المجتمع المتوازن، فتقسمه إلى طبقتين: طبقة عليا مترفة، وطبقة دنيا مسحوقة، وهذا ما يخلق الحقد والكراهية لدى مواطني الطبقة المسحوقة.
2. الفقر والبطالة. إن انتشار الفقر والبطالة بين الشباب يولد شعورا بالإحباط واليأس لعدم وجود فرص عمل لهم، تحقق طموحاتهم وتمكنهم من مواجهة متطلباتهم المعيشية. وهذا الوضع يجعلهم عرضة لإغراءات الجماعات الإرهابية، ويدفعهم مكرهين بحكم الحاجة للانضمام إليهم.
3. غياب العدالة. إن عدم الإنصاف والفشل في تحقيق العدالة، بين المواطنين في شؤون حياتهم على اختلاف أنواعها، مما يسبب شعورا بالظلم الاجتماعي والإحساس بالتهميش من قبل الدولة.
4. الفساد الإداري والمالي. إن حالات الكسب غير المشروع، والترهل في أجهزة الدولة، والصفقات المشبوهة، وانتشار الرشوة والمحسوبية، تولد لدى الشباب المحرومين سلوكا عدوانيا عنيفا تجاه الدولة والمؤسسات الحكومية.
5. الدين والأيديولوجيا. قد يتأثر الشباب الصغار أو الأشخاص الذين لم ينالوا قسطا كافيا من التعليم بدعايات الجماعات المتطرفة، ويقتنعون بأن حمل السلاح ضد الحكومة ومؤسساتها هو جهاد في سبيل الله ضد الكفر، وأن من يقتل سيكون شهيدا مأواه الجنة.
6. تكميم الأفواه والإعلام المضلل. لا شك بأن الصحافة وأحاديث الناس هي تعبير عن نبض الشارع، فتظهر شكاواهم التي تقض مضاجعهم. وبدلا من تكميم الأفواه ومنع الصحافة من نشر ممارسات الفساد، والاعتماد على إعلام كاذب ومضلل، يخلق الكبت والقهر ويشكل نارا تحت الرماد. ولهذا يجب إن يُسمح للناس بالتعبير عن آرائهم وما يدور حولهم في المجتمع، ليشكلوا عيونا رقابية تساعد في حفظ الأمن، والإشارة إلى أماكن الخلل والممارسات الخاطئة بغرض تقويمها.
هذه الأسباب الداخلية سواء كانت منفردة أو مجتمعة، قد تؤدي إلى هدم المجتمع وحدوث أعمال إرهابية غير متوقعة، تضرب في قلب الوطن بتصميم مسبق من فاعليها، في محاولة لإيقاع أكبر خسائر بشرية ومادية ممكنة، مع علمهم المسبق بهلاكهم في نهاية الأمر.
وإذا ما عدنا إلى إرهابيي الكرك وما فعلوه من عمل إجرامي خلال الأسبوع الماضي، نجد أن الذين قاموا به هم من أبناء البلاد الأصليين وليسوا من الغرباء. وأعتقد أن سببا أو أكثر مما ذكر بأعلاه كان الدافع الرئيسي لارتكابهم تلك الجريمة النكراء، التي ذهب ضحيتها عدد من الشهداء والجرحى من أبناء الوطن. وبناء عليه فإننا نستنتج مما سبق أن الإرهابيين ( هم صنيعة أيدينا ) فنحن من هيأ لهم البيئة الملائمة للجنوح نحو الإرهاب، اعتمادا على معادلة ثلاثية الأبعاد هي :
البطالة والفقر + غياب العدالة + الكبت والتهميش = ظاهرة الإرهاب.
ولمعالجة هذه الظاهرة الخطيرة، والحد من احتمالية وقوعها في المستقبل، يمكن إتباع الخطوات التالية :
1. يقظة الأجهزة الأمنية ونشر عيونها في المدن والأرياف للتركيز على النواحي الأمنية، واكتساب تعاون المواطنين معها في مختلف المواقع، ومتابعة نشاطات وتحركات المشبوهين وذوي الأسبقيات.
2. تحديد الأهداف المحتملة للإرهابيين في المملكة، ووضع خطط طوارئ للتعامل معها من خلال إنشاء مجموعات ( رد الفعل السريع ) التي يجب أن تتمركز قريبا من مناطق الأهداف المحتملة، وإجراء التمارين العملية على مهامها.
3. العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع، وتخفيف الأعباء التي يتحملونها تجنبا للكبت والقهر الاجتماعي.
4. توزيع موارد التنمية بعدالة وتلبية الحاجات الأساسية للمواطنين بشكل متوازن، بحيث يصبح كل مواطن قادرا على البناء والعطاء والابتعاد عن السلوك الإجرامي، وخلق الثقة بينه وبين الدولة.
5. مكافحة الفساد شاملا الرشوة والاختلاس، وترهل أجهزة الدولة، واسترداد الأموال المنهوبة، لبناء قاعدة اقتصادية متطورة، تؤمن الحاجات الأساسية للمواطنين، من خلال سنّ وتطبيق قانون : ' من أين لك هذا ؟ '.
6. إطلاق حرية التعبير عن الرأي، وتأسيس إعلام وطني يقدم الحقائق للمواطنين بعيدا عن الخداع والتضليل، لكسب ثقتهم واعتمادهم عليه في استقاء المعلومة الصحيحة، بدلا من الاعتماد على وسائل الإعلام الأجنبية.
7. فتح مراكز تثقيف وتدريب للشباب لتنمية مهاراتهم وقدراتهم، لكي يدخلوا سوق العمل. إضافة لذلك يجب إنشاء مؤسسات وشركات من القطاعين العام والخاص في المناطق الفقيرة تستوعب الشباب العاطلين عن العمل.
8. التركيز على التثقيف الديني لفهم الإسلام الصحيح، ورسالته السمحة، التي ترفض الإرهاب وقتل النفس البريئة، من خلال مناهج دراسية حصيفة في المدارس والجامعات، وتوعية الجمهور من قبل خطباء المساجد ووسائل الإعلام المختلفة.
التاريخ : 25 / 12 / 2016