بقلم : د.سالم عبد المجيد الحياري
02-04-2017 05:23 PM
تبلغ مساحة البلاد الأردنية والمعترف بها بحدودها السياسية 90 ألف كم مربع، ويبلغ طول البلاد من أقصى شمالها لأقصى جنوبها ما يزيد قليلاً عن 400 كم، أما عرضها من أقصى شرقها إلى نهر الأردن، أي حدّها الغربي، فلا يتجاوز الـ 250 كم، وطول حدودها الكلية 1826 كم مقسمة إلى 744 كم مع المملكة العربية السعودية، و 375 كم مع الجمهورية العربية السورية، و 181 كم مع الجمهورية العراقية، وأكثر من 511 كم مع فلسطين التاريخية ( المحتل ب 48 + المحتل 67 )، وكذلك 26 كم حدود مائية. أي لا تشكل نصف أي محافظة مصرية أو مغربية لا بالمساحة و/أو عدد السكان.
أما عدد الأردنيين الفعلي فلا يتجاوز الخمسة ملايين إلا بقليل بعد استثناء حالات التجنيس العشوائية والمخالفة للدستور خاصة بالسنوات الخمس الأخيرة، علماً أن الرقم المذكور يشمل الإخوة الفلسطينيين الذين حازوا الجنسية الأردنية عام 1949 بعد لجوئهم إلى الأردن وذراريهم. يُشكل المسلمون أكثر من 96% من السكان، أكثر من 99% منهم يتبعون المذهب السني. النظام الاجتماعي للأردنيين وللأكثرية هو العشائري، العادات والتقاليد من لباس ومأكل ومشرب متقارب بشكل كبير جداً عند أكثر العائلات والمجتمعات الصغيرة، سواء في القرى والريف والبادية والبلدات وحواضر المحافظات التي جعلتهم السُلطات الرسمية 12 محافظة، لا يفصل بينها أي حواجز جغرافية طبيعية.
كانت ولاية سوريا وحدة جغرافية واحدة وكانت دمشق عاصمة الولاية، والتي كان يلتقي فيها أهل جبل لبنان والأرادنة والبيروتية والفلسطينيون والحلبية - كما كان كل هؤلاء يُسمُون- فيتبادلون التجارة بيعاً وشراءً، وكان الوالي ممثلاً للسلطان العثماني يدير كل هذه المساحات الشاسعة مع وجود بعض الفواصل الجغرافية البسيطة فيما بينها، والتي لم تكوّن أي عائق في إدارة هذه البلاد، وكانت وسائل الاتصال تتم عن طريق ' الخيّالّة ' والحمام الزاجل .
لمّا جاءت تقسيمات سايكس – بيكو الاستعمارية ، أصبحت أكثر الأراضي الأردنية دولة، بدأت كإمارة شرق الأردن ثم تحولت إلى مملكة أردنية أضيف إليها اسم العائلة الحاكمة.
عندما نقِلت العاصمة من مدينة السلط إلى قرية عمان في الربع الأول من القرن العشرين، أخذت تتدفق على العاصمة الجديدة هجرات داخلية من المناطق الأردنية وخاصة من الوسط والجنوب، كما استجلب النظام الحاكم الجديد أفراداً من الدول العربية المجاورة وسلمهم ناصية الوظائف العليا بالدولة الجديدة مستبعداً ما أمكن من أهل البلاد .
منذ إنشاء الدولة الأردنية، لم تحظى المدن والبلدات الأردنية بأي تنمية ملموسة أو اهتمام من الحكومات المتعاقبة سوى العاصمة عمان ومدن الضفة الفلسطينية وقراها، التي كانت تُدار من قبل النظام الأردني كوديعة لدى الدولة الأردنية حسب اتفاق 1951 مع جامعة الدول العربية، حتى احتلالها من العدو الصهيوني عام 1967 .
بقي النظام وما يزال يدير الدولة على طريقة الدولة هي العاصمة والعاصمة هي الدولة !! وبقيت باقي المحافظات أرضاً وسكاناً تعاني الأمرّين، فكل النشاطات في العاصمة مهما كانت من الأهمية، معظم الميزانية تحظى بها العاصمة، علماً أن أكثر المواد الأولية والثروة المعدنية تأتي من المحافظات، فلو أخذنا مثالاً الجنوب، فبالرغم من وجود البوتاس والفوسفات وجبال النحاس (ضانا ) والاسمنت والزيت الصخري فيه ....الخ، فإنه لا يزال يعاني التهميش وشبابه البطالة وأهله الفقر المدقع وتذهب ثرواته إلى العاصمة ' ليتبرطع ' المسؤولون الكبار من هذه الثروات بالسفر خارج البلاد، وزوجاتهم ' بتفقد ' دور الأزياء العالمية ليرين ما وصلت إليه آخر صرعات ' الموضه ' العالمية !!!!!
في بلد كهذا ذو مساحة صغيرة تُشكل الأراضي المُصحّرة النسبة الكبرى من مساحته، ويعاني الفقر والبطالة والفساد وحكومات فاشلة وتتجاوز مديونيته ال94 % من ناتجه الوطني أو القومي، فهل يحتاج إلى- اللامركزية - ؟
عندما استُحدِث نظام ' الصوت الواحد ' عام 1993 للانتخابات النيابية، المُطبق من قبل بريطانيا على 'جزر ' البيتكيرن ' في المحيط الهادي عام 1964 لانتخاب رئيس البلدية للجُزر ومساحاتها لا تتجاوز 24 كم مربع، والتي كان عدد سكانها لا يزيد عن500 إنسان من السكان الأصليين المكونين من أربع عائلات لخلق الشحناء والكراهية بينهم، وهذا ما أنتجه قانون الصوت الواحد في الأردن من جُزر سكانية يحكمها الكراهية والعداوة، ومزق المجتمع الأردني إلى التحيُز إلى العشيرة وإلى العائلة، بل أدّى في إحدى الدوائر الانتخابية إلى تنافس الزوج والزوجة على المقعد النيابي الواحد المُخصص لتلك الدائرة، ثم أدّى إلى الطلاق وتفكيك العائلة، ونجحت سياسة ' فرّق تسُد '، وبدل أن يكون شعباً واحداً ينصهر في بوتقة الدولة الواحدة والانتماء للتراب الوطني، أخذت الناس تبحث عن أصولها، بل زاد الطين 'بلّة' أن أكثر المسؤولين أخذوا يرددون كالببغاء، ومنهم بعض أبناء العشائر، الجملة الممجوجة التي يريدها الحُكم ' من كافة الأصول والمنابت'.
يأتي قانون ' اللا مركزية ' ليزيد تفكيك الأردنيين إلى جُزر وبؤر صغيرة، عندما يُقسم الأردن إلى 114 دائرة انتخابية ضيقة و330 عضواً لمجالس المحافظات، وهناك ما يُسمى المجلس التنفيذي الذي يرأسه المحافظ ( المادة 5- ج )
ولزيادة النزيف المالي والمديونية العامة للدولة تأتي المادة 9 –ج لتقول : ' يُقرر مجلس الوزراء مكافأة أعضاء المجلس – مجلس المحافظة والمجلس التنفيذي – بناءً على تنسيب الوزير ويجوز الجمع بين هذه المكافآت والرواتب التقاعدية لكل من رئيس المجلس وأعضائه'
ولزيادة مركزية ' اللا مركزية' تبشرنا المادة 11 - ' إذا نشأ خلاف بين المجلس –المقصود مجلس المحافظة – والمجلس التنفيذي حول أي من المسائل بالمحافظة يحيل الوزير الخلاف إلى رئيس الوزراء للفصل ' .
ولبقاء نفس السياسة ومركزية القرار المالي تستهبل المادة 5 – أ -3- من القانون الناس فتقول:
' للمجلس إعداد مشروع موازنة المحافظة ضمن السقوف المحددة من وزارة المالية/ دائرة الموازنة العامة '. أي لتبقى المحافظات المنسية كما هي.
إن الظروف الاقتصادية والاجتماعية والمالية السيئة التي يُمر بها الأردنيون ستزداد سوءاً بقانون اللامركزية الذي فُصِّل لتأصيل الكراهية والعداوة والتفريق بين المواطنين من أجل تسهيل السيادة عليهم .
إن أي نظام حُكم يعيش ويعتاش على المتناقضات والخلافات بين البؤر الاجتماعية والتي استطاع فَرِحاً أنه أوجدها، وعمل جاهداً على تفعيل التنافس السلبي بينها، مبتدئاً ذلك بين البادية والريف، ثم بين القرية والمدينة بنفس المحيط ، منتقلاً بعدها إلى خلق الخلافات بين عشائر كل منطقة على حدة، ثم بين عائلات القبيلة والعشيرة نفسها، واصلاً إلى تنمية الفتن بين أفراد العائلة نفسها ، مُقرباً ومُبعداً ثم مُبعداً ومُقرباً ، مُستعملاً ما يُسمى ' شخصيات ' محلية أو مستوردة ، هي أصلاً من صناعته، لإدارة هذه السياسة. مثل هذا النظام ، حتى لو حقق فوائد في البداية، ولو على مدى عقود من نهج التفريق والتفتيت والتقريب والإبعاد، بواسطة قوانين انتخابية برلمانية أو للحكم المحلي، بدل صهر أبناء الوطن في بوتقة الانتماء للتراب الوطني والإخلاص للدولة التي تحميه اجتماعياً واقتصادياً وأمنياً، فمثل هذا النظام لا بُد أن تنقّض عليه هذه ' الجُزر ' والبؤرالاجتماعية المتناحرة ' التي هو أصلاً أوجدها وسيّد عليها زبانيته والتي اعتبرها ' شخصيات ' الوطن وجعل نواصي الإدارة والمال وتبادل المناصب بينها عمودياً وأفقياً، عندها 'ستنهشه ' وتقضي عليه دون أي ندم .
الدكتور سالم عبد المجيد الحياري