بقلم : د .احمد عويدي العبادي
11-04-2017 12:00 PM
بقلم المفكر المؤرخ: د احمد عويدي العبادي
(... وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ...) من اية 140 ال عمران. كما يتعاقب الليل والنهار والفصول والسنين، تتعاقب الأجيال والدول، ومواقع المسؤولية، ولو انها دامت لأي شخص سابق لما وصلت الى أي شخص لاحق (لو دامت لغيرك لما الت اليك).
ويفترض في الموقع العام ان يكون للوطن والشعب وليس دكانا لبيع الحلاوة والراحة والكعكبان، ولا مركزا لبيع الاعلاف، ولا حانوت ابي نواس يحتسي فيها بنات الكروم (الخمر) ولا كازينو في بلد يحرم فيه الكازينو أساسا، ولا مرقص نجوى فؤاد وسهير رمزي وغيرهما في شارع الهرم، ولا صالون تجميل بارجيت باردو (فرنسية) في شارع الشانزليزيه بباريس في الستينات والسبعينات، ولا شرنقة تنفث السموم ولا تعرف الا الأذى.
وانما يفترض ان يكون الموقع العام اختصارا لإرادة الشعب وللسهر على مصالحه،و ان يكون بابا مفتوحا للمظالم والمكارم ورفع الظلم وليس ايقاعه شطرا بطرا وتأبط شرا،
هذه قاعدة يفهمها كل ذي عقل وضمير يسمع ويعقل إذا كان يعرف نظرية ابن خلدون في اعمار ودمار ونهاية الدول والأشخاص والمجتمعات. ولكن مشكلتنا مع من يتخذ القراءة والفكر عدوا يعمل على هدمه وهدم حامليه ما استطاعوا.
مشكلتنا اننا ابتلينا بالنكرات والدون .... ليرتقوا الرقاب وذوي الاحساب والانساب. ويعاني الأردن وأهله وعشائره تحديدا، من سنين عجاف اشتدت في السنوات الخمس الأخيرة ولا زالت، حيث تسلم المسؤولية زمرة خرقاء في مختلف المواقع الهامة والحساسة والسيادية وقاموا واستمروا على الدجل والكذب والزيف والافتراء والجنوح عن الاخلاق والشعوذة واستخدام السحر ؟؟؟؟؟؟، ولم يبتلى (بضم الياء) الأردن بمثلهم منذ زمن الوثنية والجاهلية الى يومنا هذا.
فمنهم من كانت وظيفته ذات يوم او حلمه ان يكون حاجبا يفتح بابا ويغلق بابا او مطيباتيا او سحيجا يجيد الانحناءات والذلة، ولكنه بعد ان عطس له الزمن والصدفة وصار مسؤولا في موقع هام وتوهم على نفسه انه شخص هام، مارس عقد النقص والانغلاق والفساد التي كان يعانيها كابرا عن كابر، ومارس الاذلال على الكرام لأنه ذليل ليس لديه كرامة وبالتالي لا يعرف قيمة الكرامة والكرام أصلا.
ومن الكوارث ان يكون المسؤول الأول في مواقع القرار الهامة ليس لديه ميزان يزن به الرجال سوى ميزان القمع والاذى والمزاج والانغلاق والتشرنق والمصالح الشخصية، لأنه ليس لديه عقل للتفكير وانما وسائل للتدمير، مؤمنا ان بناء الذات لا يأتي الا بتدمير الاخرين وايقاع الظلم عليهم.
مشكلتنا بهذه الزمرة الخرقاء الجاهلة الفاسدة، انها تحسب ان الفناء لا يطال بقاءهم وان التغيير لا ينال رداءهم، ففسدوا وأفسدوا وعاثوا في الأرض فسادا وتنكيلا بالأحرار، وغرسوا الحقد في النفوس ضد الدولة، فخربوا النسيج ونهبوا الأموال ويتموا العيال واذلوا الرجال، وامتنعوا عن الحوار والتواصل
مشكلتنا معهم انهم اخذوا من فرعون دروسا في الطغيان والعنجهية ومن النمرود دروسا في ادعاء الالوهية، واعتقدوا ان بقاءهم سيكون الى يوم الخلود، وان الدنيا ستفنى ولا يطالهم الفناء، وما عرفوا ان التمام يعني النقصان، وان العلو في الأرض يعني السقوط في قعر الجحيم.
وفي ذلك يقول الشاعر الاندلسي أبو البقاء الرندي،
لكل شيءٍ إذا ما تم نقصانُ فلا يُغرُّ بطيب العيش إنسانُ
هي الأيامُ كما شاهدتها دُولٌ مَن سَرَّهُ زَمنٌ ساءَتهُ أزمانُ
يا غافلاً وله في الدهرِ موعظةٌ إن كنت في سِنَةٍ فالدهرُ يقظانُ
وكما يقول الشاعر العربي ان الدنيا قد ترفع خسيس القوم لكنه يبقى خسيسا عندما يخلع (بضم الياء) عنه رداء الهيبة والجبروت، وانه لا ترتجى من بخيل او خسيس سماحة. يقول الشاعر:
يومًا تريش خسيس القوم ترفعه
نحو السماء ويومًا تخفض العالي
قال الشافعي
تَسَتَّرْ بِالسَّخَاء فَكُلُّ عَيْب يغطيه كما قيلَ السَّخاءُ
ولا ترجُ السماحة َ من بخيلٍ فَما فِي النَّارِ لِلظْمآنِ مَاءُ
القاعدة السياسية هي ان السلطة المطلقة مفسدة مطلقة. وانا أقول ان الثقة المطلقة مفسدة مطلقة أيضا، وأقول أيضا: لا يجوز ان يكون هناك مسؤول لا يخضع للمراقبة والمحاسبة، وانه يجب اتباع قاعدة (ثق وراقب، وتابع وحاسب، اذ ان الثقة بدون مراقبة ولا محاسبة هي المفسدة المطلقة بعينها).
أكرر القول ان الأردن مر بخمس سنوات عجاف اكلت اللحم واذابت الشحم ودقت العظم، واوجدت جبالا من الأحقاد على الدولة، وجعلت بونا شاسعا بينها وبين الشعب، وظهر ان هناك فئة موضع ثقة وهي فاسدة ذات خساسة، ولم يقتلعهم ربيع الأردن ولكن التاريخ سيقتلعهم، وفئة موضع انعدام ثقة وهم كرام الناس.
استطاعت هذه الزمرة الخرقاء ان تقسم الأردنيين الى فئتين: فئة تحظى بالثقة المطلقة وتمارس المفسدة المطلقة، وفئة العداوة المطلقة وتعاني من القمع المطلق حتى ولو تابوا وابوا، لا لذنب فعلوه وانما لمجرد خلافهم مع مسؤول موتور او لخطأ او موقف او راي، او للأخذ بثارات قديمة.
استطاعت هذه الزمرة الخرقاء ان تخلق من المخلصين انهم أعداء وهميون، وازدادت الهوة بين الثقة المطلقة والمعاقبة المفرطة بدون ذنب سوى ان أصحاب الثقة المطلقة يتفننون في اختلاق الأعداء الوهميين، وصنفوا الناس الى فئتين، فئة أولاد الداية ويحق لهم كل شيء ولا رقيب ولا حسيب، وفئة اولاد البايرة وتتم معاقبتهم شطر بطر أذنبوا ام لم يذنبوا.
لا أدرى لماذا يتم منع الشباب من العمل لخمس سنوات، والى ما شاء الله، لان لهم قيود وهمية لمجرد انهم قالوا كلمة لم تعجب صاحب الثقة المطلقة؟ السبب ببساطة ان هذا المسؤول يريد من الشباب الانخراط في اعمال العنف والإرهاب ليطول عمره في موقعه مدعيا انه حامي البلاد وانه محقق لها الأمن والأمان، وليقول انه مسيطر ويعرف كل شيء وهو لا يعرف شيئا، وانما يختلق الأشياء مدعيا معرفتها.
نحن في الأردن شعب متسامح وان أي مسؤول لا يعرف التسامح لا يصلح ان يكون في الموقع العام لحظة واحدة
لقد صار اعداد الضحايا لا يحصيهم الحصر ويعانون من الجوع والفاقة وتتم معاقبتهم ومخالفتهم ومحاسبتهم على الفقر، بينما أصحاب الثقة المطلقة يتركون مواقعهم وهم يملكون الملايين بعد ان كانوا لا يملكون الملاليم. ولا أحد يحاسبهم ولا يراقبهم على نهبهم وفسادهم وتمتعهم بمص دماء الأردنيين.
لابد من فتح باب الحوار وإعادة النظر في تقييم الأشخاص، وتشكيل لجنة تحقيق وطنية للتحقيق مع أصحاب القرار خلال السنوات الخمس الأخيرة، وستكون النتائج ان هؤلاء من أصحاب الثقة المطلقة هم بؤرة المفسدة المطلقة والعداوة المطلقة وليس نحن الضحايا، وإذا سلموا يوما فلن يسلموا دوما
(انتهى المقال)