ضحايا (الأرامل السوداء)!

السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024

ضحايا (الأرامل السوداء)!

بقلم : د. رشيد عباس
23-04-2017 08:00 AM

بعد زواجهما مباشرة قَتلت(الأرملة السوداء) زوجها في اليوم الأول دون حسيب أو رقيب, وقتلها والهاء تعود على الأرملة السوداء أولادها بدم بارد عندما كبروا وخرجوا للحياة, ثم بعد ذلك قتل الأولاد بعضهم بعضا قبل أن يغادر من نجي منهم هذا البيت الدموي, ونقول هنا ولله في خلقه شؤون, طبعا القضية غير مسجلة لدى مؤسسة حماية الأسرة, ثم ليس هناك قضاه ولا محاكم ولا استئناف ولا مدعي عام, والأكثر من ذلك أن أدوات الكشف عن الجريمة مفقودة, وان كاميرات المراقبة معطلة في هذا البيت, في هذا البيت العلاقات ألأسرية مؤقتة وتحكمها مصالح آنية حتى إذا انقضت هذه المصالح انقلبوا أفراد الأسرة إلى أعداء يقتل بعضهم بعضا, ليتركوا البيت خاويا على عروشه, بقي أن نقول مدبرة هذا السيناريو هي (الأرملة السوداء), وسميت بهذا الاسم لأنها قتلت زوجها ولبست الأسود حدادا عليه.

إخواني وأخواتي أضع بين أيديكم موضوعا يتحدث عن العلاقات والروابط الأسرية في بيت العنكبوت, لأقول لكم أن البناء الاجتماعي والعلاقات الأُسرية في بيت العنكبوت تتصف بأنها مبنية على مصالح مؤقتة, وعند انتهاء هذه المصالح ينقلب الأفراد أعداء ويقوم بعضهم بقتل بعض, فالأم تقتل زوجها ثم يقتلها أبناؤها ثم يقتلون بعضهم بعضا, وهذا العداء الشديد في بيت العنكبوت، يُظهر العلاقات الهشة الضعيفة بين أفراد بيت العنكبوت, ويصبح هذا البيت بحق اوهن البيوت كما قال الله سبحانه وتعالى (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وان اوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون).

استوقفني كثيرا بكل صراحة قوله تعالى (وان اوهن البيوت لبيت العنكبوت) مع العلم أن الأبحاث والدراسات الحديثة أثبتت أن نسيج العنكبوت هو من أقوى الأنسجة الطبيعية وأن صلابته تزيد على صلابة الحديد الصلب حتى سمي بالصلب الحيوي،..تتكون خيوط العنكبوت الحريرية من بروتين يتم تصنيعه في غدد الحرير, والحرير المنتج قوي جدٌّا ومتانته أشد من متانة الحديد الصلب وهو قابل للتمدد لضعفي طوله قبل أن ينقطع وهو يعد من أقوى أنواع الألياف الطبيعية على الإطلاق, وشبكة العنكبوت من القوة بمكان حتى إنها تستطيع إيقاف نحلة يزيد حجمها عن حجم العنكبوت مرات عديدة وهي تطير بسرعة 32 كم في الساعة بدون أن تتأثر أو تتمزق وتقوم شركة كندية حاليٌّا بإنتاج نسيج العنكبوت لتصنع منه خيوطا طبية وحبالا لصيد الأسماك وألبسة واقية من الرصاص وقد قام سكان جزر السلمون قديما بصنع شباك صيد الأسماك من خيوط العنكبوت, بيت العنكبوت بمعنى السكن هو بحق من أقوى بيوت المخلوقات المعروفة إن لم يكن أقواها, وأن بيت العنكبوت(المسكن) هو من أقوى البيوت المعروفة من ناحية متانة نسجه الذي يستطيع أن يقاوم الرياح العاتية، ويمسك في نسجه فرائس العنكبوت فلا تستطيع منه فكاكا,

الحقائق العلمية المتعلقة بنسيج وبيت(مسكن) العنكبوت تظهر مدى قوة هذا النسيج وهذا المسكن, لكن كيف هو من أضعف البيوت وأوهنها كما جاء في قوله تعالى (وان اوهن البيوت لبيت العنكبوت), الجواب باختصار هو اضعف واوهن البيوت في العلاقات والروابط الاجتماعية بين أفراد الأسرة, الأب وألام والأولاد.

عالمة الحشرات الأمريكية (مور) في دراستها التي أجرتها على عالم العناكب, تؤكد ما جاء في القرآن الكريم لتكتشف أن العناكب أمّة من الأمم ويوجد في العالم أكثر من ثلاثين ألف نوع من العناكب تتفاوت في الأحجام والأشكال ونمط المعيشة ويغلب عليها المعيشة الفردية والعدائية لبعضها بعضًا، والإناث أكبر حجمًا من الذكور، والزوجان من العناكب يلتقيان في الغالب وقت التزاوج فقط ويقوم الذكر قبل الجماع برقصات وطقوس معينة أمام الأنثى يقصد منها الحد من الغريزة العدوانية لدى الأنثى, المقصود ببيت العنكبوت الذي وصفه القرآن بأنه أوهن البيوت هو ليس شبكة العنكبوت التي يتخذها سكنا ومصيدة لفرائسه, بل المقصود ببيت العنكبوت أسرة العنكبوت وحياته الاجتماعية التي هي بحق اوهن الأسر ترابطا وتآلفا.

إخواني وأخواتي أنا لا اقصد هنا بضحايا الأرامل السوداء العناكب, فقد حصل خلل فني أرجو التنويه والمعذرة, إنما اقصد بها بالضبط ضحايا هدر وقت (الخلويات السوداء), ثم لا اقصد بالشبكة, شبكة العنكبوت, إنما اقصد بها بالضبط شبكة التواصل الاجتماعي, مؤكدا أن الخلويات السوداء أو حتى مهما كان لون كفرها, هي التي سرقت (الوقت)عندنا مُخلّفة خلفها ضحايا هدر الوقت, فلم يكن لدى الطلبة وقت للدراسة, ولم يكن لدى الموظف وقت للعمل, ولم يكن لدى الأسرة وقت للاتصال والتواصل معا, لم يكن لدى الأسرة وقت للحوار والنقاش والتفاهم, فأصبحت أجواء بيوتنا يسودها الصمت المطبق,..نعم أصبح لدينا قضية اسمها هدر الوقت مع العلم أن جميع شركات الخلويات عملت على تثبيت ساعة في كل خلوي لكي نحافظ على قيمة هذا الوقت, لكن صدق قول الشاعر فينا حين قال: (لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي), والسبب الأرملة السوداء غفوا (أسف) الخلويات السوداء.