14-08-2011 09:02 AM
كل الاردن -
عدنان العطيات
كنت قد تحدثت في الحلقة الاولى من سلسلة المقالات هذه ,والتي تتناول اتفاقية وادي عربة وما لا نعرفه عن هذه الاتفاقية ,عن موضوع الاراضي الاردنية المحتلة ' الباقورة والغامر' وراينا فيها حجم التضليل الذي مارسته الحكومات الاردنية على مدار السبعة عشر عام الماضية ولايهام باستعادة هذه الاراضي ومن ثم تأجيرها للعدو الصهيوني, لنكتشف ان اتفاقية وادي عربة قامت باعطاء الشرعية للاحتلال الاسرائيلي لهذه الاراضي من خلال الاعتراف الاردني بالملكية الفردية المستمرة للاسرائيليين وحرية تصرفهم بها من بيع او تاجير. وتنازل الاردن عن سيادتها على هذه الاراضي من خلال السماح للقوانين الاسرائيلية بالسريان فوق الاراضي ' الاردنية'.
اليوم سوف نتناول موضوع المياه في اتفاقية وادي عربة , والتي وردت في المادة السادسة من الاتفاقية والملحق الثاني لها.
مقدمة:
ادركت اسرائيل اهمية المياه ومدى شح مصادرها في منطقتنا, فسعت الى السيطرة على كل ما يمكن ان تطاله يدها من مصادر المياه, فبعد الحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية عام 1948 بدأت تتوجه شمالا وشرقا للسيطرة على مصادر المياه, فقامت اسرائيل باحتلال 69.4% من اراضي الجولان السورية عام 1967 فاستولت على 1250 كم2 من اصل 1800 كم2 من المساحة الجغرافية للجولان, وهو ما أمّن لاسرائيل السيطرة التامة علي جميع مصادر المياه في منطقة الجولان علاوة على المنطقة الجنوبية الغربية من جبل الشيخ منبع نهر الاردن. وهنا نرى ان اسرائيل سيطرت على معظم منابع نهر الاردن الرئيسية باستثناء نهر اليرموك بقي خارج السيطرة الاسرائيلية, وهنا تأتي أهمية اتفاقية وادي عربة للجانب الاسرائيلي.
وكما قلنا بان موضوع المياه ورد في المادة السادسة والملحق الثاني للاتفاقية, فلنستعرض هذا الملحق ونرى ما فيه:
المادة السادسة من اتفاقية وادي عربة: بهدف تحقيق تسوية شاملة ودائمة لكافة مشاكل المياه القائمة بين الطرفين:
أ: يتفق الطرفان بشكل متبادل بالاعتراف بالمخصصات العادلة لكل منهما في نهر الاردن ونهر اليرموك والمياه الجوفية في وادي عربة, وفقا للكميات والنوعيات والمبادئ المقبولة في الملحق الثاني, والتي تحترم احتراما كليا. ( بالنظرة الاولى لهذه المادة تبدو بأنها اتفاقية عادلة للطرفين, ولكن دعونا ننظر للملحق الثاني ونرى نظرية العدالة الاسرائيلية في هذه الاتفاقية).
المرفق الثاني:
المادة الاولى: تخصيص مياه نهر اليرموك:
أ: فترة الصيف تمتد من 15 أيار الى 15 أيلول من كل عام, تضخ اسرائيل كمية (12) مليون متر مكعب والاردن يحصل على باقي التدفق. ( يا لكرم اسرائيل, تحصل فقط على (12) مليون متر مكعب والاردن يحصل على باقي المياه في نهر اليرموك, حسنا, السؤال هنا , ما هو مجموع المياه المتدفقة في نهر اليرموك في فصل الصيف؟
في 2/2/2009 صرح امين عام سلطة المصادر الطبيعية المهندس موسى الجمعاني لجريدة الرأي في معرض حديثه عن تدفق المياه في نهر اليرموك بالارقام التالية:
يتدفق ما مجموعه( 1071) لتر/ثانية في نهر اليرموك في شهر شباط .
اي انه في فترة الصيف ( اذا افترضنا استمرارية هذا الرقم طوال هذه المدة) يتدفق ما مقداره ( 92534.4) متر مكعب في اليوم الواحد, في فترة الصيف المتفق عليها في المعاهدة هي 153 يوم, اي ان تدفق المياه في هذه الفترة في نهر اليرموك هي ( 14157763) متر مكعب, تحصل اسرائيل على (12) متر مكعب ويتبقى (2157763) متر مكعب , هذا اذا كان بالامكان عمليا ضخ هذه الكمية وتجفيف نهر اليرموك كليا, اذا تحصل اسرائيل على ستة اضعاف ما يحصل الاردن عليه من مياه نهر اليرموك)
اما في فترة الشتاء فتحصل اسرائيل على (13) مليون متر مكعب ويلتزم الاردن بالتسليم لاسرائيل بضخ (20) مليون متر مكعب اضافية من نهر اليرموك في فترة الشتاء, مقابل تنازل اسرائيل للاردن عن (20) مليون متر مكعب من مياه نهر الاردن في فصل الصيف.
(بالعودة للارقام التي صرح بها السيد امين عام سلطة المصادر الطبيعية, قال ان الحد الاعلى الذي تم رصده لتدفق المياه في نهر اليرموك هو (4186) لتر/ثانية, وبحساب المعدل لتدفق المياه في النهر هو (4186+1071/2) نرى ان المعدل هو (2628.5) لتر/ثانية. اي (227102.4) متر مكعب في اليوم , وكون الاتفاقية هي ان تحصل اسرائيل على (33) مليون متر مكعب في فترة الشتاء الممتدة من 16 تشرين الاول وحتى 14 ايار , (212) يوم , فكمية المياه المتفقة في هذه الفترة هي (48145708) متر مكعب, اذا يتبقى للاردن ما مجموعه (15145708) متر مكعب, اي ما هو اقل من نصف ما تحصل عليه اسرائيل, هذا مرة اخرى , اذا افترضنا بأنه يمكن ضخ جميع المياه المتدفقة في نهر اليرموك وتجفيفه كليا.)
بالنظر بتعمق لهذه المادة المتعلقة بنهر اليرموك وللارقام المرفقة, وبغض النظر عن الامكانية العملية لضخ هذه الكميات المخصصة للاردن, فأن مسألة الوقت تلعب عاملا مهما, فكم من الوقت تحتاج اسرائيل لضخ الكميات المخصصة لها في هذه الاتفاقية على وجه التفضيل ( اوردت الاتفاقية كمية محددة من المياه تحصل عليها اسرائيل والمتبقي تحصل عليه الاردن بعد استيفاء الكمية الاسرائيلية) وكم من الوقت يتبقى للاردن للحصول على حصته قبل الدخول في الفترة اللاحقة, نرى انها ايام معدودة لا تتعدى الاسبوع الواحد.
انتهينا هنا من نهر اليرموك.
نهر الاردن:
كما ذكرت في المقدمة, فأن اسرائيل تسيطر على منابع نهر الاردن الرئيسية, بداية من جبل الشيخ مرورا في الجولان, ومن هنا فأن حاجة اسرائيل لنهر الاردن في منطقة حدودها الشرقية, هي في حدودها الدنيا, كونها تستغل هذه المياه على طول النهر حتى التقائه مع نهر اليرموك, موضوع الاتفاقية. فكما نرى من المادة الثانية فقرة (ج) ان استخدامات اسرائيل لمياه نهر الاردن قبل التقاءه مع نهر اليرموك , مستثناة من حساب الكميات في هذه الاتفاقية, لا بل اشترطت الاتفاقية في نفس المادة على ان لا تضر الكميات الموزعة فيها على استخدامات اسرائيل لهذه المياه قبل نقطة التقاء النهرين.
على كل حال لننظر للاتفاقية وما ورد فيها بخصوص نهر الاردن ومدى الاجحاف في بنود هذه الاتفاقية.
ورد نهر الاردن في المادة الثانية من الملحق الثاني لاتفاقية وادي عربة وهذا نص المادة:
المادة الثانية:
أ: فترة الصيف 15 أيار الى 15 تشرين الاولمن كل عام, مقابل المياه الاضافية التي يتنازل عنها الاردن لأسرائيل وفقا للفقرة (ب) من المادة الاولى, تتنازل اسرائيل للاردن في فترة الصيف عن (20) مليون متر مكعب من مياه نهر الاردن, مباشرة من نقطة بوابة (داجانيا) على النهر, يقوم الاردن بدفع كلفة التشغيل والصيانة لهذا النقل من خلال الانظمة القائمة (دون الكلفة الرأسمالية) وتتحمل الاردن التكلفة الاجمالية للنقل لأي نظام جديد ( شاملا التكلفة الرأسمالية), بروتكول منفصل ينظم هذا التحويل.
( اي ان الاردن يدفع ثمن المياه الاضافية التي يحصل عليها من نهر الاردن والتي لا تحتاجها اسرلئيل اصلا, مقابل المياه الاضافية 'المجانية' التي تحصل عليها اسرائيل من نهر اليرموك)
ب: فترة الشتاء 16 ايار حتى 14 تشرين الاول من كل عام, يحق للاردن تخزين ما لا يقل عن (20) مليون متر مكعب من مياه الفياضانات في جنوب نهر الاردن بنقطة التقائه مع نهر اليرموك, ويمكن استخدام مياه الفياضانات الزائدة والتي كان من الممكن ان تكون مياه مهدورة, لما فيه مصلحة الطرفين, بما في ذلك امكانية تخزينها خارج مجرى النهر.
ج: بالاضافة لما سبق, يحق لاسرائيل الحفاظ على استعمالاتها الحالية لمياه نهر الاردن بين التقائه مع نهر اليرموك والتقائه مع (طيرات تسفي) (احد روافد نهر الاردن في الجانب الاسرائيلي). ويحصل الاردن على كمية مساوية لاسرائيل ( من ما يتبقى بعد استخدامات اسرائيل بعد نقطة التقاء النهرين) شريطة ان استخدام الاردن لن تضر كمية او نوعية استخدامات اسرائيل المذكورة اعلاه, تقوم لجنة مشتركة بمسح الاستخدامات الحالية لاسرائيل , والوقاية من اي ضرر ملموس لهذه الاستخدامات. ( على مبدأ مثلنا الشعبي ' صحيح لا تقسم, مقسوم لا توكل, وكل تا تشبع').
د: يحق للاردن كمية سنوية قدرها (10) مليون متر مكعب من المياه المحلاة من تحلية مياه البحر من اصل (20)مليون متر مكعب من الينابيع المالحة المحولة الان الى نهر الاردن, وان اسرائيل سوف تستكشف امكانية تمويل كلفة الصيانة والتشغيل لامداد الاردن من هذه المياه المحلاة ( هذا يعني عدم التزام اسرائيل بالتكلفة بل النظر فيها) , عند بدء نفاذ هذه المعاهدة, ستزود اسرائيل الاردن بما مقداره (10) مليون متر مكعب من مياه نهر الاردن, خارج فترة الصيف وخلال التواريخ التي يختارها الاردن رهنا' للسعة القصوى للنقل.
نتائج:
تنازل الاردن عن جميع مياه نهر اليرموك تقريبا, وهي المياه ذات الجودة العالية, مقابل وعود اسرائيلية بتزويد الاردن بالمياه المحلاة التي لم تنص الاتفاقية على مواصفاتها وجودتها ( وما شربناه في عمان وبعض المناطق الاخرى عام 1999, لهو خير دليل على نوعية هذه المياه) اما المياه التي نحصل عليها من نهر الاردن فهي مياه مدفوعة الثمن ومشروطة بأن لا تضر استخدامات الجاني الاسرائيلي.
من الملاحظ في هذه الاتفاقية عند توزيع الكميات بان اسرائيل تحصل على حصتها ضمن كميات واضحة وبتواريخ محددة, اما الجانب الاردني فيحصل على كميات غير واضحة وغير مضمونة وتتحكم بها عوامل عديدة, كأستخدام الجانب السوري لمياه نهر اليرموك مما يضع الاردن على جانب الخلاف الدائم مع اشقائنا السوريين, وهو ما لمسناه في السنوات السابقة من خلافات حول المياه, او مشروطة بأن لا تؤثر باستخدامت اسرائيل للمياه والتي لم تشملها الاتفاقية من كميات ونوعيات, بينما تحصل اسرائيل على مياهها دون اي خلاف او معاناة, وحتى عندما حددت المعاهدة كميات يحصل عليها الاردن كانت مشروطة بدفع الثمن او على الاقل عدم ضمان جودتها كامياه المحلاة.
اترك للقارئ العودة للنصوص الكاملة لهذه الاتفاقية والخروج بما يراه مناسبا من نتائج.
الى اللقاء في الحلقة القادمة والتي ستناقش موضوع الحدود ومن ثم موضوع اللاجئين والنازحين في الاردن.
عدنان العطيات