أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


الدولة العميقة ؟!

بقلم : د. زيد حمزة
13-06-2017 05:17 PM
نطلق على الدول بمختلف انظمتها صفاتٍ واضحةً تقبل بها ويقبل بها اهلها، فحين نصف دولة ما بالاشتراكية او الراسمالية أو القومية أو الاسلامية قلما يعترض علينا أحد وقد يناقشنا في حقيقة صفتها سياسي مطلع او باحث مدقق، أما حين نصفها بالدولة الشمولية او الدكتاتورية او المارقة فان اول من يتصدى لنا اولئك الذين يحكمونها ويجثمون على صدور مواطنيها ! وحين نستعمل تعبير (الدولة العميقة) الذي طرأ على الساحة السياسية والاعلامية منذ سنوات فاننا لا نعني به دولة من نوع جديد ولا الدولة ذاتها التي نتحدث عنها وانما نعني شبكة منظمة من القوى المتنفذة التي لا تظهر على السطح بل تتحرك تحته اي في العمق وتُدعى احيانا دولة داخل الدولة، وعادةً ما ترفض ذلك الحكومةُ المعروفةُ الظاهرةُ للعيان لأنها لا تعترف بوجود قوى أخرى تهيمن على المواطنين سواها ! وقبل الاسترسال لا بد من توضيح هذا التعبير الاعلامي الذي بدأ استخدامه علناً لأول مرة في تسعينات القرن الماضي على لسان مسؤولين سابقين كبار في تركيا منهم رؤساء جمهورية ورؤساء وزارات كبولنت اجاويد وكنعان ايفرين وسليمان ديميريل في تصريحات صحفية هاجموا بها ما يجري خلف الستار من تغيير في السياسات تُفاجأ به الحكومات الدستورية وفضحوا قرارات هامة وخطيرة كانت تُفرض على ( المسؤولين) الكبار دون استشارتهم، وقد تبيّن أنهم قصدوا بالدولة العميقة قيادات الجيش التركي والاجهزة المرتبطة به وقد تصدى للدفاع عنها جهات متحالفة معها بدعوى أنها تحمي الوطن فتقف بالمرصاد مثلا لكل من يحاول المس بالعلمانية التي أرسى قواعدها في تركيا زعيمها التاريخي كمال اتاتورك بعد انهيار الخلافة العثمانية.. وتعبير الدولة العميقة بالعربية وDeep State بالانجليزية هما الترجمة الحرفية ل Derin Devlet المستعملة من قبل الساسة الاتراك والصحافة التركية فالكلمة الاولى هي العربية (دولت) التي قلب الاتراك حرف الواو الى V اللاتينية اما Derin فتعني العميقة ! واستعمال الاصطلاح في تركيا لا يعني ان الدولة العميقة حكر عليها وأنها قد بدأت فيها أو انتهت عندها كما ظن رئيسها الحالي رجب طيب اردوغان وصرح بذلك قبل عشر سنوات ! ولو أمعنّا النظر لوجدناها الحاكمة الحقيقية غير المرئية في كثير من دول العالم وإن اخذت أشكالا مختلفة معقدة من العلاقات والمصالح خارج اطار القانون وقد يكون لها ارتباطات سرية مع جهات أجنبية واجهزتها الاستخبارية كما انها ليست أشخاصاً بعينهم فهؤلاء يتغيرون ويتبدل نفوذهم من مكان لآخر ومن زمان لزمان حتى لو ضمهم مجلس تحت رئاسة معروفة.. وقد كتب عنها الباحث عبد المعطي زكي من المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية في 11/ 6/ 2016 (... اما الدولة العميقة فهي بنية خفية وممتدة تاريخياً وتسبق النظام الحاكم احيانا وتسعى لاستمرار الأوضاع القائمة المعبرة عن شبكة مصالح راسخة في الداخل والخارج، وتستخدم التهديد بان الوطن مستهدف وانه دائما على حافة هاوية ما ومهمتها الدفاع عنه... وهي بنية تضم تحالفات البيروقراطية العسكرية والمدنية مع طبقة من رجال الاعمال المتداخلة مع كبار رموز التنظيم السياسي القائم (الحزب الحاكم او ما يشبهه) وشريحة من النخب الاعلامية والثقافية التي تقول بان الشعب غير مؤهل للديمقراطية وتزدري كل ما هو مدني مقابل العسكري وتؤمن بأن المؤسسة العسكرية هي التي تحمي مصالح الدولة العليا فهي فوق مستوى القانون ولا يجوز ان تُفرض عليها رقابة مالية أو سواها... كما أن الدولة العميقة قد تتحالف مع المؤسسات والرموز الدينية في انتاج خطاب ديني يتغذى على سوء الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية ويغذيها بانماط للتديّن شكلانية ومظهرية لكنها شديدة المحافظة... ).

وبعد.. من هنا ومن مجمل هذه الأَفهام (بدل المفاهيم حسب المرجع اللغوي الدكتور نهاد الموسى ) نستطيع ان نتعرف مثلاً على الدولة العميقة التي تكونت في الجزائر من المؤسسة العسكرية خارج نطاق الدستور بعد انتصار ثورة التحرير الوطني ضد فرنسا وفي سوريا منذ اول انقلاب عسكري فيها عام 1949 ثم توسعت لاحقاً لتشمل الطائفة والعشيرة والعائلة تحت عباءة الحزب العقائدي (!) كما تكونت في دول أخرى عديدة في العالم لا نستثني منها دولة عظمى كالولايات المتحدة الاميركية ليس فقط منذ حذر الرئيس دوايت ايزنهاور في خطاب الوداع عام 1961 من اخطار المجمع العسكري الصناعي Military Industrial Complex على مستقبل الحكم الديمقراطي وعلى الدستور الذي وضعه الآباء المؤسسون، بل طوال تاريخها حتى شاع معها اطلاق نظرية المؤامرة ودور الماسونية والمافيا كما تكرر الحديث عن مخططات الانقلابات التي تعدها ال CIA ويدعمها شارع المال وول ستريت والبنوك الكبرى.. روتشيلد نموذجاً !

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012