18-08-2011 10:03 AM
كل الاردن -
النائب عبد الكريم الدغمي
أكملت اللجنة الملكية مشكورة مهمتها المكلفة بها من جلالة الملك بدراسة ومراجعة الدستور واقتراح التعديلات والاضافات اللازمة عليه لتطوير الحياة السياسية الاردنية وتقدمها للسنين القادمة.
الثابت في هذا المجال ان اللجنة - رئيساً واعضاء - بالاضافة للقدرات السياسية والقانونية التي تتمتع بها, قد بذلت جهداً كبيراً للوصول الى النتائج التي خلصت اليها, هذا الجهد يقدره العارفون والمجربون للعمل السياسي في الدولة, طبعاً بالاضافة الى الفقهاء ذوي الخبرة في العلوم الدستورية والسياسية.
لن اتحدث في هذه العجالة عن التعديلات وايجابياتها, والتي أرى فيها انها تشكل طموحا لكل من يعمل بالعمل السياسي وخاصة البرلماني, ولكني سأشير الى «التشاؤم» الذي رأيته في بعض المقالات, مبيناً ان كل ما اوردته أو سأورده في هذا المقال هو رأي شخصي لا علاقة له بموقعي كرئيس للجنة القانونية في مجلس النواب.
البعض يقول انه كان يتوجب تعديل المادة 35 من الدستور لجهة تكليف الاغلبية في مجلس النواب بتشكيل الحكومة!.
وكأن الاغلبية في البرلمان ستكون بعيدة عن تشكيل الحكومة والحصول على رئاسة المجلس ومكتبه الدائم ولجانه, وأقول ان هذا الامر بديهي ويصبح عرفاً سياسياً بان تكلف الاغلبية بتشكيل الحكومة سيما اذا كانت هذه الاغلبية مكونة من حزب أو إئتلاف احزاب, وأرى ان القائلين والمطالبين بهذا التعديل غير المنطقي, ما يزالون ينظرون الى الامور بنظرة التشكيك التي اعتادوا عليها, تلك النظرة التشاؤمية, والعدمية بنفس الوقت التي اعتادت ان تضع المجهر على أي نقطة سوداء في الصفحة البيضاء وتكبيرها آلاف المرات, حتى لا يرى الناظرون من المجهر الا السواد...!
واجيب عليهم, بأن البرلمان القادم والذي سيتكون ويعيش في ظل (الدستور الجديد) ان جازت التسمية, ليس برلمانا فرديا يقوم على الصوت الواحد او الدوائر الوهمية, فيبنون رأيهم على افتراض خاطئ ويصلون الى نتائج خاطئة, فالبرلمان القادم يا سادة اذا كان منتخبا على اساس ديمقراطي, وبقانون محترم ولا اقول «عصريا» وان كانت به اغلبية حزبية لحزب ما, او ائتلاف احزاب, او قوى او تآلف شخصيات سياسية مستقلة, ستكون له الحكومة والا فان هذه الاغلبية ستقوم باسقاط الحكومة عملا باحكام المادة 53 من الدستور, اما اذا تقاعست هذه الاغلبية, وتنازلت عن حقها في تشكيل الحكومة فهذا امر اخر يعود الى ضعفها وسوء اختيارها!
اخرون يقولون: ان قوى الشد العكسي موجودة في البرلمان الحالي, ويزاودون بطريقة رخيصة, معتبرين انفسهم هم «ابطال الاصلاح» ان هذه القوى ستحاول تعطيل التعديلات الدستورية, وهنا ورغم انني لا انطق باسم البرلمان -مع شرف ذلك- الا ان ما لمسته من اغلبية نواب هذا المجلس, انهم رحبوا ويرحبون بهذه التعديلات, بل وينتظرون قدومها للمجلس بفارغ الصبر, فمن هي قوى الشد العكسي المفترضة بذهن «ابطال الاصلاح»؟ عيب المزاودة! فالدستور لكل الوطن.
هناك ايضا من يقول, لماذا لا يكون الطعن امام المحكمة الدستورية متاحا للكافة ومباشرة من صاحب المصلحة او المتضرر؟
والسؤال يبدو للوهلة الاولى منطقيا, وربما ينطلق من حسن نية, لكن هذه المحكمة لها مواصفات خاصة, ولو يتم فتح الباب على مصراعية للطعن امامها بدستورية القوانين او بعض النصوص دون ان تمر -هذه الطعون- بطريق معيّن, لافقدناها قيمتها والهدف الذي نشأت من اجله, اذ سيلجأ العديد من المتخاصمين في المحاكم العادية في القضايا المدنية والتجارية والجزائية الى الطعن بدستورية نصوص القوانين التي تحكم خصوماتهم وقضاياهم وخاصة من يعرف ان قضيته خاسرة, لتأخير البت في هذه الدعاوى, وسنفتح باباً للمماطلة التي ما زلنا نشكو منها في تأخير البت في المنازعات امام المحاكم!
وما الضير في ان يذهب «الدفع الفرعي» بعدم الدستورية الى رئيس محكمة الاستئناف, التي يرأسها دائما وبحكم القانون, قاض من قضاة محكمة التمييز الذين تزيد خدمة القاضي منهم عن ثلاثين عاما, ليقدر مدى الجدية في الدفع المثار؟
هذا القيد الذي جاء به التعديل باعتقادي انه ناتج عن حصافة وعمق في الفهم القانوني للجنة التي نحترم كافة أعضائها ومنهم رئيس المجلس القضائي, ووزير عدل, وقد جعل هذا القيد من الطعن اكثر جدية, ويحقق الهدف من انشاء المحكمة الدستورية.
رأي مضحك قرأته ينتقد تقنين محكمة أمن الدولة بالدستور, ويقول انها كانت قبل التعديل محكمة غير دستورية, والآن اصبحت محكمة دستورية, جراء التشكيك في الدولة ونواياها الحقيقية في الاصلاح, وتبني نظرية (عنزة ولو طارت) أغمض صاحب هذا الرأي عينه عن الاختصاصات التي اصبحت حصرية بمقتضى هذا التعديل بثلاث جرائم محدودة ومعروفة في القانون, كما أغمض عينيه كلتيهما عن ان التعديلات تضمنت عدم محاكمة المدنيين الا امام قضاة مدنيين!
هذا جزء من ملاحظاتي على ما كتب في اليومين السابقين وأسأل الله ان يحفظ وطننا عزيزاً غالياً اصلاحياً وان يبعد عنه كيد الحاقدين والحاسدين.
والله من وراء القصد, وللحديث بقية. (الرأي)
* الكاتب المحامي النائب عبد الكريم الدغمي / رئيس اللجنة القانونية النيابية