أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


رجال الدولة في الأردن والصراع على المغانم

بقلم : د. معن المقابلة
19-06-2017 05:17 PM

عندما يفقد النظام اي نظام وخاصة الأنظمة الدكتاتورية شرعيته ، عندها ينظر رجاله الى المواقع التي يشغلونها على انها حق مكتسب لهم ولأبنائهم ، لانهم يدافعون في اعتقادهم عن زعيم فاقد للشرعية ، وتصبح مؤسسات الدولة نهب لهؤلاء ، وعندما تبدأ الدولة تعاني من ضائقة مالية واقتصادية بفعل الفساد الذي أخذ ينتشر بين هذه الطبقة الطفيلية سواء بالنهب المنظم للمال العام ، او من خلال مشاريع فاشلة ، الهدف منها زيادة النهب والسطو على هذا المال ، وتبوؤ مواقع المسؤولية أُناس غير مؤهلين جيء بهم من ذات الطبقة الطفيلية ، وخاصة تلك المواقع التي تحتاج لقدرات ادارية واقتصادية وسياسية ، وفوق كل هذا نزاهة وانتماء للوطن ومؤسساته . يلجأ رجال النظام الى جيب المواطن (على شكل ضرائب ورسوم والحد من التوظيف و من الانفاق على الخدمات وغيرها من الوسائل) للتخفيف من هذه الضائقة ، وتصل صلافة هذه الفئة الطفيلية انها ترفض ان تُمس امتيازاتها او ان تتنازل عن بعضها معتقدةً انه حق مكتسب لقاء ما تقدمه من خدمات للنظام ، بل يصل الامر أحياناً ونتيجة الضغوط الاقتصادية على الدولة ، وحالة الفقر المدقع التي وصل اليها المواطن من خلال اللجوء الدائم لجيبه ، ان تظهر بعض الصراعات على المكاسب بين هذه الطغمة الطفيلية ، وأحياناً يكون هذا الصراع في الخفاء ، وسرعان ما يظهر الى العلن ، نتيجة الصراع بين مراكز القوى في الدولة ، وتعدد الولاءات بين هذه الفئات.

هذا الصراع تكون احدى نتائجه ان طبقة رجال الدولة في هذه الأنظمة تنفصل انفصالاً تاماً عن الشعب ، فلا هي تتحسس همومه ، بل هي بعض همومة ان لم تكن كلها ، ولا هي قادرة على اجتراح وسائل خلاقة للنهوض بالدولة وحل مشكلاتها ، ولا هي ايضاً قادرة على ترك مواقعها لجشعها ، لإفساح المجال للنخب الكفؤة والمغيبة عن مواقع الدولة لترميم ما تبقى من هياكلها ، فيصبح انهيار مؤسسات الدولة أمراً حتمياً ، وقد يأخذ هذا الانهيار في مراحله الاولى شكل الفوضى المدمرة نتيجة التحرك الغوغائي للجماهير ، كما حدث في بدايات الثورة الفرنسية ، وهذا امر طبيعي ، لان الأنظمة المستبدة استطاعت طيلة فترة حكمها وللحفاظ على استمرارها ان تدمر وتهشم كل القوى والنخب الفاعلة في المجتمع ، والتي كانت تشكل خطراً عليها ، بحيث اصبح المجتمع يفتقد لهذه النخب والقيادات التي تضبط حركته وتوجهها بالاتجاه الصحيح ، وقد يأخذ هذا الامر فترة من الزمن حتى يستطيع المجتمع ان يحول حركته هذه الى ثورة حقيقية من خلال فرز قيادات ميدانية تستطيع ان تضبط حركة الجماهير وتوجهها بما يخدم الثورة.

في الاردن وفِي الآونة الأخير بدأ رجال الدولة الصراع العلني على المكاسب والمغانم ، ففي بدايات تولي رئيس الوزراء الحالي الدكتور هاني الملقي منصبه ، قام بإقالة رئيس مجلس الادارة في الملكية - وهي شركة الطيران الوحيدة

المملوكة للدولة او جزء منها-، الوزير الأسبق سليمان الحافظ على خلفية الصراع على المكاسب في الشركة بين ابن الملقي(فوزي) وابن الحافظ وكلاهما موظفَين فيها ، على الرغم من ان الاخير قد جُدد عقده في الملكية قبل شهرين من الإقالة.

ثم يتكرر المشهد مرة اخرى مع ابن وزير وسفير سابق وعين حالي الا وهو الشاعر حيدر محمود او كما يحلو للأردنيين تسميته بشاعر القصر( وهو لا يعترض على هذه التسمية)عندما قام رئيس الوزراء الملقي بإنهاء عقد ابنه عمار من منصبة كمستشار في رئاسة الوزراء ، بحجة انه يتغيب عن عمله بشكل شبه دائم ، وعمار هذا كان ملحقاً دبلوماسياً في السفارة الاردنية في لندن وتم إقالته من قِبل الوزير سيف الشريف لذات السبب ، وهنا يستشيط شاعرنا غضباً على إقالة ابنه ليتوعد رئيس الوزراء بقصيدة هجاء عصماء ينتظرها الاردنيون على احر من الجمر.

هذا الصراع على المغانم بين رجال الدولة ، أخذ يستفز الاردنيين ، الذين بالكاد يسدون رمقهم ، ويسْطَلون بجنون الأسعار ، والضرائب ، والبطالة التي وصلت لنسب غير مسبوقة ، والفقر الذي لم يعد جيوباً بل اصبح ثوباً بالياً يكاد الاردنيون كل الاردنيين يلبسونه في اريافهم وبواديهم ومخيماتهم ، فالمتابع لمواقع التواصل الاجتماعي ، والمواقع الالكترونية ، يلاحظ غضب غير مسبوق على النخب السياسية التي تُدير الدولة ، وأصبحوا على قناعة تامة ان السرايا في وادٍ والقرايا في وادٍ اخر ، ويرى كثير من المحللين وقوى المعارضة ، ان النار تحت الرماد ، وان الفوضى قادمة لا محالة ، اذا لم يتم تدارك الامر والبدء بإصلاحات سياسية جوهرية وليست شكلية تدعوا تقوم الدولة بدعوة كل القوى السياسية وفِي مقدمتها قوى الحراك الشعبي في مؤتمر عام لإنقاذ ما تبقى من الدولة.

د. معن المقابلة

Maen1964@hotmail.com

ناشط سياسي

كاتب من الاردن

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012