أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


في الذكرى السادسة والستين لاستشهاد الملك عبد الله بن الحسين

بقلم : د. فيصل الغويين
21-07-2017 09:06 AM

حكمت رؤية الأمير/ الملك عبدا لله خلال حكمه في شرقي الأردن/ المملكة ثلاثة أهداف استراتيجية، وهي :

1- عرش سوريا الموحدة، وذلك لتنفيذ برنامج الأسرة الهاشمية الذي تم وضعه منذ بداية النهضة العربية الكبرى، والذي استند إلى ميثاق دمشق.

2- عرش العراق المتحد مع الأردن، على أن يتم هذا الاتحاد بعد انجاز الهدف الأول.

3- عرش الحجاز واستعادة مسقط رأسه 'مكة المكرمة'.
وركّز الموقف السياسي الأردني الذي مثله الذي مثله الأمير/ الملك عبد الله على ضرورة إنكار جميع الاتفاقات والمشاريع الغربية التي كرّست التجزئة، وخصوصا تلك سعت الى تقسيم بلاد الشام إلى وحدات سياسية متعددة، وقد عبّر عن ذلك بقوله :' سوريا في اعتقادي هي سوريا الصحيحة – سوريا الكبرى- ديار الشام المعروفة بالتاريخ، وليست سوريا التي يتعارف
عليها اليوم بمثل ما خطط الاستعمار، وجعلها هذا الجزء من سوريا الشمالية فقط'
ورغم إدراكه لصعوبة الوصول الى هذه الأهداف، فقد سعى الى تحقيقها مستعيناً بالزمن والصبر، فهو يرى أنه :' إذا كان هناك هدف لا يمكن تحقيقه فانه لا يوجد هناك سبب للتخلي عنه، وأن الزمن قادر على تغيير الأوضاع'
وفي مقدمة كتابه 'من قتل الملك عبد الله' يؤكد ناصر الدين النشاشيبي أنه بحث لأسابيع وشهور طويلة في وثائق وزارة الخارجية البريطانية، وأنه وصل الى استنتاج مفاده أن الملك عبد الله هو أحد ضحايا الاستعمار البريطاني، وأن مشاريعه الوحدوية كانت مشاريع وطنية صادقة، وكانت سبب الخلاف والتصادم المستمر بينه وبين الانجليز، وأن الرجل كان وفيا لعروبته وإسلامه، وأن الانجليز تآمروا على طموحاته التي كانت أكثر بكثير من إمكانياته، وأنهم أفسدوا خططه، وفعلوا كل شيء لتشويه صورته حتى في أذهان مواطنيه وأبناء شعبه.

وفي ربيع عام 1950 يتحدث الملك عبد الله عن زيارة لمبعوث دبلوماسي بريطاني يحمل تفاصيل المؤامرة التي كشفت عنها السلطات الأردنية، والتي كانت تستهدف الملك. وأبدى عدم اقتناعه باعترافات المتهمين، من أن دمشق وراء المؤامرة، ووصف هذه الاعترافات بالكلام الفارغ. ثم يؤكد أن شكري القوتلي لن يستفيد شيئا من موتي. وأن المستفيد هو من يتمنى مجيء الفوضى والخراب لهذه المملكة، ليتمكن اليهود من احتلال الضفة الغربية بحجة الدفاع عن أنفسهم، وأن من خطط هو من أزعجهم إلحاح الملك عبد الله بضرورة تنفيذ مشاريع الوحدة مع سوريا، أو الذين يدرون ما يجول بخاطره حول ترتيب أمور الوراثة على عرش الأردن بالاتفاق مع الأسرة الهاشمية في العراق. ويضيف : 'وقد يتمنى موتي 'فاروق' الذي يحلم بالخلافة الإسلامية، ويحس أن الأسرة الهاشمية تنافسه على ذلك. أو الذين يظنون بأنني سأهادن اليهود على حدودي الغربية كي أتفرغ لحل مشاكلي على حدودي الشرقية أو الجنوبية ... وتحدث عن مقاومة بريطانيا لكل مشروع طرحه للوحدة مع سوريا أو مع العراق.
ويروي ناصر الدين النشاشيبي أن محمد السعدي كبير مرافقي الملك عبد الله حدثه عن معلومات خاصة قد وصلت الى الملك منذ أسابيع ومفادها أن لدى المخابرات البريطانية ما يؤكد بأن هناك مؤامرة لاغتيال الملك، وأن التنفيذ سيكون عن طريق تسلل أحد القتلة المحترفين إلى صفوف كبار المستقبلين أو المودعين في المناسبات الرسمية التي يتواجد فيها الملك، ثم الوصول إليه واغتياله عن قرب.

وقبل 24 ساعة من الاغتيال يذكر النشاشيبي أن الملك عبد الله حدّثه عن تحذير وصله من السفارة الأمريكية عن مؤامرة معدة لاغتياله، ومكان تنفيذها القدس أو عمان، وأن المخابرات الأمريكية نصحت بعدم سفره الى القدس،، وقال الملك للرسول الأمريكي: 'وهل تريدون أن أقطع علاقتي مع شعبي، وأن أحبس نفسي في القصر؟ إنني ملك مسلم اؤمن بأن لكل أجل كتاب، وإنه، لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، وأن القدس هي البلد الأمين بالنسبة لي وأهلها أهلي....

وفي يوم الخميس 19 تموز 1951 أعلن الملك عبد الله أنّه سيؤدي صلاة الجمعة في المسجد الأقصى، ورغم تحذير سمير الرفاعي للملك من وصول إشارة لاسلكية من السفير الأمريكي في القاهرة تؤكد أن محاولة الاغتيال ربما تنفذ في القدس، إلا أنّه أصرّ على المضي الى القدس.
وكان من المفروض أن يكون موضوع الخطبة في المسجد الأقصى يوم 20 تموز من عام 1951 هو عن تحريم قتل الأبرياء، ونهي المسلم عن إلحاق الأذى بأخيه المسلم، والتحذير من الفتنة والدعوة الى التضامن، ونبذ الخلافات...!
وفي تمام الساعة الحادية عشرة وخمسين دقيقة، وبينما كان يهم بدخول المسجد الأقصى اقترب منه شاب يناهز العشرين لكي يصافحه، وهكذا مدّ الملك يده لكي يصافح الشاب ويتناول منه ورقة استرحام أو مظلمة –كما جرت العادة- وبدلاً من أن يمد الشاب يده، اقترب من وجه الملك، وأطلق رصاصة واحدة، نفذت داخل الرأس. أما القاتل ويدعى مصطفى شكري العشو فقتل فوراً على يد الضابط الخاص للملك عبد الله محمد السعدي.
وجّه الاتهام الى عبد الله التل، وموسى الأيوبي، وموسى الحسيني، وعبد عكو، وزكريا عكو، وعبد القادر السدمير وولده، والأب عياد، وداود الحسيني، ومحمد عكو، وتوفيق صالح الحسيني، وبعد مرافعات ومداولات استمرت أربعة أسابيع قررت المحكمة تبرئة كل من : داود الحسيني، والأب عياد، ومحمود عكو والد عبد عكو، وأدانت الباقين وحكمت بإعدامهم، وقد نفذ الحكم فيهم باستثناء عبد الله التل، وموسى الأيوبي اللذين كانا فارين.

تعددت الاجتهادات في قضية اغتيال الملك عبد الله، وقد تبين أثناء المحاكمة أن خيوط العملية حيكت في القاهرة عندما كان عبد الله التل لاجئاً سياسياً يعمل ضمن جماعة أمين الحسيني الموجود في القاهرة. وكانت الهيئة العربية العليا تعارض ضم الضفة الغربية الى الأردن، وتسعى الى تأسيس حكومة مستقلة على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية بعد قيام دولة الكيان الصهيوني على اثر حرب 1948، لكن ذلك السعي رفض من قبل الملك عبد الله الأمر الذي أدى الى تشكيل معارضة قوية ضد الملك عبد الله حظيت بدعم من مصر وسوريا والسعودية.

وتقول بعض المصادر : إن اغتيال الملك عبد الله كان بتخطيط من عبد الله التل وجماعة المفتي في مصر، وتنفيذ بعض الفلسطينيين الناقمين بينهم ثلاثة من أقرباء المفتي. وهناك من ذهب الى إلقاء التهمة على بريطانيا، وذلك بالاستناد الى واقعة سياسية وهي ثبوت التهمة على موسى الحسيني الذي كان على علاقة وثيقة ب (كلوب) و(لاش بك) قائد الفرقة الأردنية في فلسطين، وكانت هذه العلاقة تتخذ طابع التكتم والسرية، وكان موسى الحسيني بعيداً فكراً وسياسة عن الحاج أمين الحسيني؛ لذلك فان الانجليز استعملوه ليسهل رب الجريمة بالحاج أمين، وعبد الله التل.

ويرى وليد صلاح ' إن الحقيقة التي لا شك فيها ولا ريب انه لا يد للأجانب أو الصهاينة في مقتل الملك عبد الله، وإنما هي مؤامرة عربية'. أما ناصر الدين النشاشيبي فيؤكد انه كان في وزارة الخارجية البريطانية ملفان يتعلق احدهما بموسى الحسيني والآخر بعبد الله التل، وكان من المفروض أن يسمح بالاطلاع عليها بعد مرور ثلاثين سنة على الحادثة، ولما ذهب النشاشيبي بقصد الاطلاع عليها فوجئ بأن أمرا قد صدر من الخارجية البريطانية بإبقاء الملفين مغلقين لمدة 75 سنة أخرى. ويورد النشاشيبي العديد من القرائن والوثائق التي تؤشر على أنً مخطط الاغتيال كان بريطانياً.
أما وليد صلاح وليد فيستنتج أمرين :
الأول' ضلوع عبد الله التل في مؤامرة قتل الملك عبد الله.
الثاني: التستر على جهة أخرى قد يكون نظاماً عربياً آخر لم يكشف النقاب عنه، وكان مشتركاً ومحرضاً على هذه المؤامرة، وترى الحكومة البريطانية التستر عليه حفاظاً على العلاقات القائمة بين الأردن والدول التي يرتبط بها المتهمون. ويخلص الى القول:' لم يكن لدى البريطانيين أي دافع أو سبب لمقتل الملك عبد الله، فلو كان البريطانيون يرغبون فعلاً في التخلص من الملك عبد الله لاستعملوا وسائل تنفيذ تختلف كلياً عن الوسيلة التي اتبعت'.

أما علي أبو نوار فيقول :' التقيت بعبد الله التل سنة 1957 في القاهرة عندما لجأت إليها، وتباحثت معه في التهمة التي وجهت إليه، وأقسم لي انه بريء ولا علاقة له باغتيال الملك عبد الله'

ويقول الملك الحسين (رحمه الله) معلقاً على هذه المسالة :' فكّرت دوماً بأنّ مصر كان لها نصيب من المسؤولية في الاغتيال، إلا أنّ جدي كان له فيها كثير من الأعداء، ولقد كانت مؤامرة ترمي الى تفكيك أجزاء الأردن'.

مرا جع
1- الحسين بن طلال، مهنتي كملك.
2- عبد الله بن الحسين، الآثار الكاملة، حقبة من تاريخ الأردن.
3- علي أبو نوار، حين تلاشت العرب، مذكرات في السياسة العربية 1948- 1964.
4- فيصل الغويين، التاريخ السياسي للعلاقات الأردنية المصرية 1945- 1970.
5- ناصر الدين النشاشيبي، من قتل الملك عبد الله.
6- وليد صلاح، من رحلة العمر، مذكرات..

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012