أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


معان ...نحو مزيد من التماسك الأمني

بقلم : صالح أبو طويلة
06-08-2017 08:00 AM
تكاد دورة العنف في معان أن تعيد إنتاج نفسها في كل مرة؛ خصوصا في ظل الظروف والتعقيدات المتشابكة التي تشكلت منذ حوالي ثلث قرن وأفرزت حالة من عدم الاستقرار الاجتماعي والأمني طيلة تلك الفترة، وقد اجتهد الكثيرون في طرح مقترحات وحلول لتلك الأزمة المفتوحة، بل وقدمت تقارير وتحقيقات ودراسات هي أقرب إلى المزيج من التقارير الرسمية الرتيبة والتقارير الصحافية التي يحررها صحافيون من الهواة، وتغيب في تلك الظاهرة إن صح لنا التعبير عنها المنهجية العلمية التي من الممكن أن تعمل على تفهم ظاهرة العنف في المدينة؛ من داخلها وتكشف آليات اشتغالها وتمظهراتها وتشابك الديني والعشائري والسياسي فيها.

لن نخوض في عوامل تشكل تلك الظاهرة وما آلت إليه من نتائج انعكست آثارها على الواقع المحلي والوطني، بل سنتناول جزئية محددة وهي أحد أطراف الصراع في تلك الدورة المتجددة والتي تتصارع فيها قوى عدة لها أهدافها واستراتيجياتها وخطابها الإيديولوجي، وتتمثل هذه القوى ب: النخب المحلية (البرجوازية البيروقراطية من أبناء معان والمقيمة في عمان والتي تتمتع بسلطات وصلاحيات واسعة)، والنخب العشائرية المشتبكة مع تلك النخب ومع الجهات الرسمية من جهة أخرى، والتيارات الدينية بشقيها المعتدل والراديكالي بجميع تقسيماتها وتوجهاتها، والقوى الرابعة هي مراكز القوى في عمان والتي تدفع باتجاه تنفيذ مشروعاتها على مستوى الوطن ومن ضمن الوطن معان وهي المنطقة المرشحة لديهم لكونها الأكثر توترا - أحد هذه المراكز في فترة من الفترات كان (الليبراليون الجدد بمشروعهم التاريخي والقائم على تفكيك الاقتصاد والبنى الاجتماعية والثقافية)، ويبقى الجهاز الأمني نهاية الأمر ضمن توجيهات الحكومة ومراكز القوى المتصارعة فيها ويتحمل فوق طاقته وتزداد خسائره المادية والبشرية بسبب تشابك أجندات تلك القوى)، الحديث يطول حول تلك القوى المتصارعة ودورها في إنتاج دورة العنف وفق مصالحها وأجنداتها، ولعل هذا الأمر يدفعنا إلى المزيد من المقالات التفصيلية لتفكيك أجزاء هذا الصراع وإبراز الرئيس والثانوي فيه.

تميزت الاستراتيجية الأمنية للتعامل مع القلاقل المتكررة في معان منذ عام 1989 ولغاية بدايات 2015 (عهد سلامة حماد ؛ في تلك الفترة تمكنت داعش من الوصول الى تدمر وطريبيل ما شكل تهديدا للدولة الاردنية)؛ بالتضارب والارتجالية في اتخاذ القرارات وعدم وجود رؤية أمنية تضع مصالح الوطن فوق كل اعتبار بعيدا عن صراع مراكز القوى المتنفعة من تلك القلاقل؛ خلال تلك الفترة لم يكن جهاز الأمن العام متطورا بشكل يفي بالتعامل مع المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي طالت المناطق الفقيرة بعد موجة الخصصة التي أطاحت بالفئات الوسطى والفقيرة، ولذا تميزت تلك الاستراتيجية إما بالقوة المفرطة أو التساهل الذي يؤدي الى مزيد من الفلتان الأمني؛ في مراحل عديدة كانت موجات العنف والاعتقالات العشوائية تجذب المزيد من الناقمين والمتضررين وتسحبهم إلى طاحونة العنف، وبذلك تتسع الدائرة ويكتسب المحتجون الجدد خبرات جديدة في العنف وتتنافس الحقول الدينية والعشائرية والقوى الخارجة عن القانون على استقطاب وتجنيد المزيد منهم.

في عام 2015 تنبهت الأجهزة الأمنية وخصوصا بعد وصول تنظيم داعش إلى الأطراف الحدودية؛ إلى مخاطر البؤر المهمشة التي تعيش التهميش ويسودها الفراغ السياسي والأمني بأنها ستكون مرشحة لدخول مرحلة من التعقيدات الأمنية في حال بقيت الحالة الاجتماعية فيها رهينة لصراع مراكز القوى السابقة، وقامت الأجهزة بتطوير وتنظيم استراتيجياتها الأمنية وفق مبدأ سيادة القانون والانفتاح على المجتمع ومشاركة المواطن همومه وتطلعاته، هذه الاستراتيجية حققت نجاحات كبيرة إلى جانب عوامل أخرى يطول شرحها؛ وأسهمت في تخفيض مستوى التوتر وترسيخ قناعة الشارع المعاني بمصداقية الأجهزة في ضبط الأمن وتحييد العناصر الاجتماعية المخربة وتعزيز مبدأ سيادة القانون، وفتح الأبواب أمام المواطن العادي ليطرح مشاكله بعد أن كانت القنوات ضيقة جدا ما بين الاجهزة الامنية والاجهزة الحكومية وما بين المواطن، إذ كانت تلك القنوات حكرا على الرموز العشائرية والنخب المحلية التي كانت تمارس ابتزاز المواطنين وتفتعل الأحداث لتأبيد سلطتها وامتيازاتها.

غير أن استقرار الأحوال في الشارع المعاني منذ عام 2015 وتحجيم القوى المتنفعة من الصراع والخراب؛ لم يرق للكثيرين، لذا تحاول تلك القوى العودة مجددا العودة لسابق عهدها، من خلال افتعال مزيد من الأحداث، والضخ باتجاه تفكيك التماسك الأمني مع فئات المجتمع المحلي في معان، لا ننسى أن تلك القوى لا زالت تحتفظ بخبرات طويلة وإمكانيات مادية كبيرة لتنفيذ أجنداتها.

إن تلك الاستراتيجية لا تكفي لحل معضلات المجتمعات المحلية في معان وخصوصا؛ المشكلات التنموية والسياسية والمدنية، فهذا الأمر يحتاج إلى رؤية وطنية شاملة تنفذها حكومة وطنية قادرة على تحمل مسؤولياتها، كما تحتاج إلى خطاب اقتصادي سياسي ينبثق من حاجات وواقع المجتمع الأردني، ومن خلال تلك الرؤية يتم دمج معان في نسيج المجتمع الوطني وإزالة الصورة الذهنية المشوهة التي طالتها عبر ثلث قرن مضى.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012