أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


المسؤولون بين الغياب ..والإنجاز

بقلم : د. ابراهيم بدران
07-08-2017 11:46 PM

عندما يتحدث الأردنيون في الشأن العام، سرعان ما يحتدم النقاش، ويسيطر جو من الإحباط والقلق والتوتر، وتبعثر الآراء وتناقض الاتجاهات . والسؤال : لماذا.؟؟

في اعتقادي أن المواطن الأردني ينظر إلى بلده بمحبة وثقة، ووطنية صادقة، وهو يؤمن بإمكانات الأردن البشرية المتميزة، وقدرته على تجاوز العقبات رغم محدودية الموارد الطبيعية. ولكن هذا المواطن لا يشاهد في الإدارة الرسمية إلا التردد ، و التلكؤ في حل المشكلات، والبطء في تحسين الأوضاع، و البعد عن المشكلات الحقيقية التي تعاني منها قطاعات عريضة من الشعب . كل ذلك بما لا يتناسب مع سرعة الأحداث، وكأن الحكومات و مؤسساتها غائبة. هذا النمط من الإدارة يخلق شعورا بالضيق لدى المواطن وكأنه في غرفة مغلقة لا يصل إلى نوافذها. فينتشر التبرم والاحباط والتوتر والتخالف والتجهم في كل مناسبة.

إذن: «غياب الفعل هو مصدر التوتر وتبعثر الآراء». وهذا ربما ما دعا الملك في حديثه إلى مجموعة الصحفيين إلى القول « «استغرب من غياب بعض المسؤولين السابقين عن الأحداث» . والعبارة تحمل الكثير من الرموز والدلائل التي أراها على النحو التالي :

أولاً : انه يريد الإشارة إلى المسؤولين الحاليين بالدرجة الأولى، والمسؤولين السابقين بالدرجة الثانية. ولكن اللباقة في الحديث والدبلوماسية جعلته يستعمل كلمة السابقين . ومن هنا فإن كل مسؤول حالي مدعو للحضور والظهور والتواجد المستمر وعدم الغياب.

ثانياً : إن غياب المسؤول لا يعني غيابه الجسماني فقط ،وانما يعني أساسا غيابه الوظيفي وغيابه الأدائي وغيابه التفاعلي مع المجتمع ومع الحدث.

ثالثاً : إن الغياب المقصود يشمل غياب المعلومات والبيانات والأرقام في عقل المسؤول، والغياب العلمي والمهني لتناول الحدث ومسبباته وتبعاته وآثاره والخطوات اللاحقة.

رابعاً : إن غياب الرأي الصريح ،والموقف الواضح للمسؤول تحت غطاء الدبلوماسية مرة، والتريث مرة ثانية ،يمثل صورة غير مرغوبة و لا مبررة لغياب المسؤول.

خامساً : إن الغياب عن متابعة التطورات العلمية والاقتصادية والاجتماعية المتعلقة بعمل المسؤول، هي غياب له حتى لو حضر بطوله وعرضه، وحتى لو صرح أو تحدث. ومثل هذا الغياب يؤدي إلى اتساع الفجوة بين المواطن والحكومة ويؤدي في المؤسسات إلى الجمود، الأمر الذي يدفع المواطن إلى الاحباط ومصالح المجتمع للتآكل .

سادساً: والغياب كذلك هو غياب الجرأة باتخاذ القرار، والجرأة بالفعل والمواجهة، وبالتالي الركون إلى تأجيل وترحيل المشكلة إلى المستقبل، والدوران حول الموضوع دون الدخول فيه .

سابعاً : إن المسؤول السابق ينبغي أن يكون حاضراً ومتابعاً للأحداث بالعمل والخبرة والرأي والمعلومة ،بما في ذلك التجارب الشخصية التي يجب أن يعرفها الناس، و تذاع وتكتب و تنشر و تعمم.

غير أن السؤال يبقى قائما: ما هو سر هذا الغياب عن الرأي وعن الموقف وعن الفعل؟ في المجتمعات التي تفتقر إلى الحياة الحزبية القوية، و قواعد المشاركة والديموقراطية لتداول السلطة و المسؤولية، فإن اختيار المسؤول للمنصب لا ينبع من مكانته في حزبه، وقدرته على القيادة، و كفاءته المهنية ، بقدر ما يعتمد على عناصر شخصية أو مناطقية أو علاقات خاصة أو غير ذلك، ولذا يحرص المسؤول في كثير من الحالات على البقاء محايدا، أو (حاضرا- غائبا) ،حتى لا يكون حضوره القوى سبباً في استبعاده أو تغييبه، وحتى لا يكون رأيه الصريح أو موقفه الجريء سبباً في إغلاق باب المستقبل الذي ينتظره.

ومرجع ذلك في « ثقافة الإدارة» إلى سببين رئيسيين : الأول: عدم تقبل الراي الآخر وعدم الاستعداد للتفاعل مع ما هو مختلف و»اعتبار صاحب الرأي أوالموقف الآخر وكأنه ضد»، وليس إغناء وإثراء. الثاني : إن البعض ممن ينقلون الأخبار أويحللونها أو يسجلونها، لا يميزون بين الموقف البناء الهادف إلى فتح نافذة جديدة للفعل وتقديم بدائل أخرى تزيد صاحب القرار قوة، وبين الموقف القائم على الجهل والعداء واللاوطنية و المماحكة، فيخلطون هذا بذاك . فيفضل الكثيرون من المسؤولين السابقين والحاليين الصمت والغياب، فذلك أكثر ضماناً لعدم التغييب. وهم يرفعون شعار «الصمت ليس له أعداء، ولكن الرأي والعمل له الكثيرون من الأعداء و المعارضين «. كما أن «الصمت والغياب لا يضاف إلى سجل المسؤول، ولكن الكلمة والحضور والموقف قد يجعل السجل أكثر تعقيدا».

كل ذلك من شأنه أن يجعل آلة الدولة الإدارية ضعيفة ،مرتعشة. فإذا اضفنا إلى ذلك مسألة الديمقراطية والحريات، والمستوى النوعي للإعلام ،وامكانات تسييس المواقف لتحقيق مكاسب حزبية أو شخصية ضيقة، يتبين بوضوح لماذا يصبح الغياب هو سيد الموقف ،والفضاء الآمن والمضمون.

و بالمقابل ،يؤكد الباحثون والخبراء أن النجاح المضطرد الذي تحققه بلد ديموقراطي ضخم ولكنه فقير مثل الهند ،يعود بشكل اساسي إلى العمل الشاق و إندماج الإدارة في العمل ، وسرعة التكيف مع المتغيرات، والإنجاز بموارد محدودة، و التركيز على المجتمع والأسرة، وليس على اصحاب الأموال،هذا إضافة إلى ثقافة المشاركة والتواضع وقبول الآخر والمثابرة والالتزام بأخلاقيات العمل

وهنا يؤكد الملك في حديثه إلى مجلس الوزراء « أنه لا بد للجميع أن يعمل دون تأخير أو تلكؤ وبشكل سريع وعلى المسارات كافة « لماذا ؟ « حتى نتمكن من عكس اتجاه التراجع في المؤشرات الاقتصادية ( والاجتماعية والثقافية ) في السنوات السابقة».

ذلك أن الغياب والتغييب والتأخير والتلكؤ لا يبني الدول، ولا يخرجها من أزماتها، ولا يعكس اتجاه التراجع في المؤشرات الاقتصادية أو الثقافية أو الاجتماعية، و لا يستجيب لتطلعات الوطن و المواطن . إن غياب الرأي الآخر وغياب البدائل، هو ضعف بنيوي وليس قوة . ووجود معارضة موضوعية مسؤؤلة ناقدة للمسؤول والحكومة هو قوة للجميع وليس ضعفاً.

هل ننظر إلى المستقل نظرة جديدة تقوم على المشاركة والعمل والحضور وتحمل المسؤولية؟ هل ننهي إحباط المواطن من خلال عدم التلكؤ والترحيل في كل مستوى من مستويات العمل الرسمي والأهلي؟ ذلك هو التحدي.

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
08-08-2017 03:51 AM

.
-- كاتب المقال الدكتور ابراهيم بدران من أنزه وأقدر وارقى من تولى مناصب عامه ، وإذا كنّا نعتبر النزاهه والقدرة والرقي ميزات فهي عيوب عند جسم رسمي مترهل يستفزه الإصلاح

-- إصلاح وزاره التربية والتعليم الذي بدأه الذنيبات ويسير به الرزاز وضع اول لبنه فيه الدكتور بدران ، حينها قامت عليه جحافل الاخوان لانه طالب بقيافه المعلم ليكون قدره لطلابه من جمله مساعيه لاصلاح التعليم

.

2) تعليق بواسطة :
08-08-2017 02:15 PM

نعتذر

3) تعليق بواسطة :
08-08-2017 02:17 PM

نعتذر

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012