بقلم : موسى العدوان
10-08-2017 12:47 AM
{ولكن هذا الأسلوب من الصراع عفا عليه الزمن، بعد ظهور التكنولوجيا المتقدمة، وأصبحت وظيفة القائد في الحروب الحديثة قيادة وتوجيه قواته من قيادته الميدانية خلف الخطوط الأمامية. قد يكون ما جرى أسلوبا استعراضيا وإعلاميا أكثر منه عملا مؤسسيا، يعتمد أسلوبا حضاريا في المخاطبات الدبلوماسية، والإجراءات الحكومية الرسمية، بالتوجه إلى الأمم المتحدة والمحاكم الدولية، مع الاحتفاظ بأوراق الضغط والمساومة، التي من خلالها يحاول فرض شروطه على الطرف الآخر}
سبق لي أن بينت في مقال سابق تعريفا للأزمة، بأنها أي حالة يمكن أن تقود إلى موقف غير مستقر وخطير، يؤثر على الأشخاص، أو الجماعة، أو الهيئة، أو على المجتمع بأكمله، وتؤدي إلى تغيير سلبي في السياسة، أو الاقتصاد، أو الأمن، أو الحالة الاجتماعية، أو البيئية.
أما إدارة الأزمة فتعني كيفية التغلب عليها بالأدوات العلمية الإدارية، وتجنب سلبياتها والاستفادة من إيجابياتها. ولكن هناك أسلوب آخر لإدارة الأزمة يطلق عليه ' الإدارة بالأزمة '، وهذا يعني افتعال أزمة جديدة للتغطية والتمويه على أزمة قائمة تواجه الكيان الإداري.
فبعد حادثة السفارة الإسرائيلية في عمان ومقتل شخصين أردنيين، افتعل رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو أزمة جديدة، من خلال استقباله الرسمي للقاتل برفقة أعضاء السفارة الإسرائيلية في عمان، وتسريبه إلى وسائل الإعلام، خالقا بذلك أزمة دبلوماسية مع الحكومة الأردنية، والتغطية على الحادث الإجرامي البشع.
وخلال الأيام القليلة الماضية خلق النائب الأردني يحيى السعود – ربما دون قصد - أزمة جديدة غطت ولو مؤقتا على الأزمة السابقة. فقد تصدى سعادته لعضو الكنيست الإسرائيلي ( أوران حزّان )، الذي كان قد أطلق تعليقا على وسائل التواصل الاجتماعي أساء به للأردن، فرد عليه نائبنا بعبارات مماثلة تليق به. مضيفا بأنه يتحدى النائب الإسرائيلي عارضا مقابلته عند جسر الملك حسين الساعة العاشرة يوم الأربعاء 2 / 8 / 2017، أو في أي مكان يختاره خارج الأردن لإجراء مباطحة معه.
التقت أفكار عضو الكنيست الإسرائيلي مع أفكار نائبنا فاستجاب الأول للتحدي، وقام الاثنان بالتحرك لتنفيذ مبادرتهما عمليا إلى المكان المقصود، إلا أن قوات الأمن في كلا الجانبين منعتهما من الالتقاء. انشغل الرأي العام ووسائل الإعلام المحلية والأجنبية بهذا الحدث، الذي يعيدنا إلى عصور سالفة، عندما كان الجيشان يصطفان بشكل متقابل، ويتقدم قائداهما للمصارعة على مرأى من الجميع، ومن يقتل الآخر تكون الغلبة لجيشه.
ولكن هذا الأسلوب من الصراع عفا عليه الزمن، بعد ظهور التكنولوجيا المتقدمة، وأصبحت وظيفة القائد في الحروب الحديثة قيادة وتوجيه قواته من قيادته الميدانية خلف الخطوط الأمامية. قد يكون ما جرى أسلوبا استعراضيا وإعلاميا أكثر منه عملا مؤسسيا، يعتمد أسلوبا حضاريا في المخاطبات الدبلوماسية، والإجراءات الحكومية الرسمية، بالتوجه إلى الأمم المتحدة والمحاكم الدولية، مع الاحتفاظ بأوراق الضغط والمساومة، التي من خلالها يحاول فرض شروطه على الطرف الآخر.
وفي حالتنا هذه، فقد فرّطنا بأوراق الضغط الممكنة التي كانت بأيدينا، عندما سمحنا للقاتل وطاقم السفارة بمغادرة الأراضي الأردنية، علما بأن الحصانة الدبلوماسية لا تحمي القاتل بمقتضى القوانين الدولية. وبعدها رحنا نطالب إسرائيل بمحاكمة عادلة، تنصف القتلى، وتحفظ حقوق الدولة الأردنية ولكن بأيد خالية الوفاض، لا نشارك في إجراءات المحكمة ولا نعرف ما يجري بداخلها. وهكذا فإن إسرائيل تحاكم إسرائيل، وستخلص المحكمة الإسرائيلية في النتيجة، إلى أن ما قام به الحارس هو : دفاع عن النفس ضد عمل إرهابي، والحكم عليه بالبراءة من جريمته، ولتفعل الأردن ما تريد.
لقد حول سعادة النائب اهتمام الرأي العام المحلي والخارجي عن مسار القضية الرئيسية، إلى مهاترات كلامية وحكايات تندر غريبة، تتناول عملية المباطحة على ضفة نهر الأردن، ليسجلها التاريخ كإحدى المبارزات الحربية دون سلاح بين عدوين لدودين، لعلّها تشكل عبرة للأجيال القادمة.
وهكذا يكون نائبنا المحترم قد قدم خدمة جليلة للعدو الإسرائيلي بحسن نية، وتحويل اهتمام الرأي العام جانبا عن القضية الرئيسية، و ابتكر أسلوبا جديدا في علم الإدارة، يصلح للتدريس في الجامعات المختصة، عنوانه : ' إدارة الأزمات بالمباطحة '.
التاريخ : 10 / 8 / 2017