19-08-2017 01:35 AM
كل الاردن -
خاص - الحارث علي
تفاهمات سياسية طرحتها نسب ونتائج انتخابات المجالس البلدية ومجالس المحافظات، وأسئلة كثيرة طرحتها طريقة تعامل الهيئة المستقلة للانتخابات مع الخروقات وإعلان النتائج وطريقة تقديمها الإعلامي والترويجي الذي دعت فيه المواطنين إلى المشاركة في الانتخاب.
معادلة الدولة - الإخوان
قدرة جماعة الإخوان المسلمين على إعادة الزخم لصناديق الاقتراع، وفرت مناخا مناسبا لإنجاح الانتخابات، من خلال الوصول إلى نسبة اقتراع نهائية 'خجولة' بدلا من نسبة ضعيفة، إذ كان واضحا لأجهزة الدولة أن الإقبال سيكون ضعيفا بسبب تراجع ثقة الأردنيين بنزاهة الصندوق و ازدياد الشكوك حول استقلالية 'الهيئة'.
الإخوان حصدوا 76 مقعدا من بينها رئاسة 3 بلديات، أي نحو نصف مرشحيهم، البالغين 154 مرشحا، بينهم 11 سيدة.
أبرزها رئاسة بلدية 'الزرقاء'،التي حسمت لصالح ابن المدينة النائب السابق علي أبو السكر، وهي ثاني أكبر المدن سكانا، بعد العاصمة عمان.
واستحوذ الإخوان 'التحالف الوطني للإصلاح' كذلك، على 25 مقعدا في مجالس المحافظات اللامركزية، من 48 مرشحا قدمهم للمنافسة، وخمسة مقاعد في مجلس عمّان الكبرى، من أصل 12 مرشحا إسلاميا.
وعلى مستوى المجالس البلدية، فاز الإسلاميون بـ 41 مقعدا من أصل 88 مقعدا ترشحوا لها.
المرشحون الذين ظفروا بهذه المقاعد اعتمدوا بشكل رئيس على الولاءات العشائرية والمنافسات الإقليمية التي عززها قانون الانتخاب في غياب جلي لبرنامج الحركة وأفكارها، وهو ما يفتح باب المراهنات على عودة براغماتية الإخوان واستغلال دوائر القرار لهذه البراغماتية، لتبقي حراك الإصلاح حبيسا في إطار الصالونات والتنظير.
تبين هذه النتائج أن الدولة سمحت لمرشحي الإخوان بهامش واسع من الحركة والعمل الانتخابي، وهو ما يشير إلى ارتفاع الثقة والتعاون بين الدولة والحركة 'غير الشرعية' كما أسمتها الحكومات بعض التفتت الذي أصاب الحركة و انقسامها على نفسها.
في المقابل قدم قرار مشاركة الإخوان في الانتخابات خدمة ذهبية وجنبت التجربة الديمقراطية الأردنية خسارة جسيمة برفع نسبة المشاركة التي ستكون ضعيفة ومخزية دون مشاركة الإخوان!
تعاطي الهيئة إعلاميا وميدانيا
نجح رئيس الهيئة المستقلة للانتخاب خالد الكلالدة من تخفيف الانتقادات التي توجه عادة إلى العملية الانتخابية، من خلال سلسلة من الإجراءات الوقائية، بدأت بمقال ذيل بأسم الكلالدة دعا فيه القوى السياسية والذين لم يتمكنوا من تحقيق النجاح إلى التروي وعدم كيل الاتهامات جزافا.
وحققت دعوة المنظمات المحلية والإقليمية والدولية نجاحا يحسب 'للهيئة'، حيث أشادت أغلب المنظمات المراقبة بسير العملية الانتخابية 'ونزاهة وتنظيما'، مع الإشارة إلى وجود نقد أكبر من قبل المنظمات المحلية بطبيعة اطلاعها الأوسع من مصادرها وكوادرها المنتشرين في المملكة، لكن دون أن ترتقي هذه الانتقادات إلى مستوى الشك في نزاهة الانتخابات.
إلا أن الحادث الذي وقع في بلدية الموقر 'وهو سناريو مكرر'، بين عدم قدرة الخلية الضيقة في 'الهيئة' على سداد جميع الثغرات التي من شأنها إفشال الانتخابات فليس تعزيز الأمن ومنع 'سرقة' الصناديق هو ما يفشل الانتخابات بل تحطيمها والاعتداء على موظفي اللجان أيضا، وهو ما يفتح باب الأسئلة على قدرة الهيئة على التخطيط والتنبؤ في ما يمكن أن يحدث في سير هذه العملية الدقيقة والعسيرة، وعن مستوى التنسيق 'المعلوماتي' بين 'الهيئة' والأجهزة الأمنية التي من واجبها أن ترصد حالات الاحتقان وتعالجه بالأساليب القانونية قبل انتقالها إلى حالة الانفجار.
أما قصة إعلان النتائج النهائية على الموقع الإلكتروني وإعادة سحبها أو تحديثها، فهي تطرح سؤالا جديا حول نزاهة الانتخابات وتغير نهج التدخل المباشر 'التلاعب بالصناديق' إلى مرحلة أكثر خطرا وهي 'التلاعب بالنتائج فقط'، ومن المرجح أن يطرح استقرار النتائج مزيدا من الأسئلة على الساحة السياسية، وفنيا فإن تخبط نشر النتائج يطرح السؤال الأبرز -حاليا- هل لدى 'الهيئة' القدرة على إدارة اللوجستيات الضخمة المتوفرة لها؟ أم أنها لا تملك موارد أصلا وأن كل ما نسمعه عن دعم 'للهيئة' هو مجرد وعود؟
إعلانات لا تليق بالأردن
أثار الإعلان الذي نشرته 'الهيئة' غضب الأردنيين الذي حمل عنوان 'لا تسمح لمجرد أزعر أن يخطف حقك.شارك فورا'، وكأنه يبين أن الأردن وشعبه مرهونان لفئة 'الزعران' التي تعمل على تدمير أي مكتسب أو فكرة بسبب مصالح شخصية لهم أو لمن يحركهم.
الإعلان الذي نشر مساء يوم الانتخابات جاء كمحاولة يائسة من قبل 'الهيئة' لرفع نسب المشاركة نظرا لتوقيت نشره وعلى خلفية أحداث الموقر، وكأن المواطن الأردني أحجم عن المشاركة بسبب خوفه من 'الزعران' وليس بسبب التجارب السابقة التي أفرزها الصندوق بسبب عبث البعض بها بطرق غير قانونية وغير مسؤولة.
الكلالدة المعروف 'بلا مركزيته' في اتخاذ القرار تعرض نسبة الخطأ للارتفاع بسبب قلة مهنية بعض الموظفين الجدد أو قليلي الخبرة، لكن هذا الإعلان يوضح مدى ابتعاد فني 'الهيئة' عن واقع الثقافة الأردنية، فلا تقتصر معايير التوظيف على الشهادات العليا المختومة من كبرى الجامعات فقط، بل هي مقرونة بأن يكون من يعمل في أجهزة الدولة اردنيا عربيا في ثقافته وهويته أيضا.
وليس بعسير أن تنسق الهيئة مع مجمع اللغة العربية الأردني، لاختيار مصطلحات تحقق الغاية في عباءة لغوية متينة ورصينة وعصرية، لا سيما أن المجمع الذي فاز بجائزة الملك فيصل العالمية للغة العربية والأدب للعام 2017، يحظى بمكانة عالية في اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية.
وكان الأجدر أن توجه 'الهيئة' هذا الإعلان إلى المقصر الحقيقي في تنامي ظاهرة 'الزعران' بالأردن.
انتخاب 'العمدة' حلم يتحقق
سجلت العاصمة عمّان النسبة الأقل في المشاركة بالانتخابات الأخيرة ، بواقع 16.8 %.فقط.
وقد يعد السبب الرئيس في عزوف أهل العاصمة عمان، عن المشاركة في الانتخابات، حرمانهم من حقهم في اختيار 'عمدة' مدينتهم بسبب قانون غير عصري ومصالح شخصية ضيقة لدى بعض المستفيدين والمتنفذين، وبسبب تكريس ثقافة الشخص 'الواحد' والعمل 'الانفرادي' من قبل الدولة من إقرار وتعديل قوانين تجعل جميع المسؤوليات في يد مسؤول واحد.
إلا أن الأسماء المتوقع أن تشغر موقع أمين العاصمة عمان، أثارت نمطا قديما - جديدا في التفكير حول ضرورة أن يلغى 'التعيين' ويستبدل 'بالترشح'.
المحامي والوزير الأسبق يوسف الشواربة، الأوفر حظا في تسلم دفة العاصمة، فهو بالأصل عضو مجلس أمانة عمان بالانتخاب ورئيس للجنة تسيير أعمال العاصمة لحين اختيار رئيس بعد انتهاء الانتخابات.
والمرشح الآخر المهندس والنائب الأسبق عبدالرحيم البقاعي، هو أيضا كان عضوا في مجلس الأمانة بالانتخاب لعدة دورات، ومكنه عمله كنائب عن إحدى دوائر العاصمة من اكتساب خبرة جيدة في التشريعات التي تعيق تقدم الأمانة وتطورها.
ويعد تعيين أمين عاصمة كان قد خاض غمار الانتخابات وافرزه الصندوق خطوة جيدة نحو الوصول إلى انتخاب مباشر لمنصب الأمين خلال السنوات القادمة.
ويبرز اسم الوزير الأسبق توفيق كريشان، في قائمة الأسماء المطروحة لتولي منصب أمين عمان، لما يتمتع به من خبرة واسعة في الشؤون البلدية اكتسبها إبان توليه حقيبة البلديات لعدة مرات،كما ساعدت أحداث معان الأخيرة في رفع أسم كريشان، لما بذله من جهود لتهدئة الاحتقان وفرض هيبة الدولة وهو ما يعكس قدرة على إدارة الأزمات بصمت وحزم.
تبقى الانتخابات هي الحل الأمثل للوصول إلى حالة ديمقراطية صحية في الأردن، شريطة توفر معايير قانون الانتخاب العصري والنزاهة والبرامج السياسية والاصلاحية في سيرها.