بقلم : موسى العدوان
29-09-2017 11:51 AM
{ فقال الرشيد أحسنت . . يا فضل أعطه عشرين ألف درهم }
يقول الدكتور شوقي أبو خليل في كتابه بعنوان ' هارون الرشيد أمير الخلفاء ' والذي صدر في دمشق عام 1977، بأن هارون الرشيد سيد ملوك بني العباس، عاش في بغداد من عام ( 148 - 193 هـ ). وقد كان شديد التمسك بالإسلام، عادلا في قضائه، يصلي كل يوم مئة ركعة، ويحج عاما ثم يغزو في عام آخر.
إنه صاحب بيت المال العامر في بغداد، الذي كانت ترده ثروة الدولة من الأقاليم الإسلامية، بعد أن تقضي حاجتها منها.
وكانت العاصمة بغداد قبلة للعلم والعلماء من جميع الأمصار الإسلامية. وكان الرشيد ولوعا بالعلم والعلماء، يحب المديح ويصغي إليه، وكريما يجزل العطاء للعلماء والشعراء.
ومن القصص التي تروى عنه، أن شبيب ابن شيبة سؤل عند باب الرشيد: كيف رأيت الناس ؟ فقال: رأيت الداخل راجيا، والخارج راضيا. فدخل الأصمعي وأبن أبي حفص على هارون الرشيد، فاستقبلهما قائلا: يا أصمعي . . قال لبيك يا أمير المؤمنين، قال : أيكما قال بيتا من الشعر وأصاب به المعنى الذي في نفسي، فله عشرة آلاف درهم. قال ابن أبي حفص قد حضرني بيت من الشعر يا أمير المؤمنين. قال هاته، فقال:
مجلس يألف السرور إليه * * لمحب ريحانه ذكراك
فقال الرشيد أحسنت والله . . يا فضل أعطه عشرة آلاف درهم. وقال أبن أبي حفص قد حضرني بيت ثان يا أمير
المؤمنين . . قال هاته، فقال :
كلما دارت الزجاجة زادته * * حنينا ولوعة فبكاك
فقال الرشيد أحسنت . . يا فضل أعطه عشرة آلاف درهم أخرى. قال الأصمعي : فنزل بي في ذلك اليوم ما لم ينزل بي مثله قط: أن ابن أبي حفص يرجع بعشرين ألف درهم وبفخر في ذلك المجلس، وأرجع صفرا منهما جميعا . . ! ثم قال يا أمير المؤمنين لقد حضرني بيت ثالث من الشعر، فقال هاته، قال :
لم ينلك المنى بأن تحضريني * * وتجافت أمنيتي عن سواك
فقال الرشيد أحسنت . . يا فضل أعطه عشرين ألف درهم.
* * *
* التعليق :
1. من الواضح أن العطايا والهبات من خزينة الدولة، كانت أيضا عادة متبعة تُمنح للمدّاحين حتى في العصور الإسلامية.
ومما يخفف من وطأة هذا الفعل، أنه كان يجري عندما كانت الدولة في أوج غناها، ولديها فائض في بيت مال المسلمين، علما بأن مبالغها كانت نقدية بسيطة، لم تشمل القصور والعقارات الثمينة كما هو حالنا اليوم.
2. لو كُتب لأمير المؤمنين هارون الرشيد، أن يعود إلى الحياة ويزور الأردن هذه الأيام، ويشاهد الأعطيات المالية، ومنح القصور والأراضي في عبدون ودابوق ودير غبار وغيرها، إضافة لما سيسمعه عن سرقات اللصوص من المال العام، بمئات الملايين من الدنانير في بلد مثقل بالديون، لولى مسرعا إلى ضريحه، متبرئا إلى الله مما رأى وسمع في بلد الحشد والرباط، الذي يحتضن رفات الصحابة وشهداء الأردن الأبرار، طيب الله ثراهم.