اليوم الرابع من نشأة الكوني العظيم
بقلم : سامي الاجرب
08-10-2017 05:17 PM
ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون , سورة المؤمنون الآية 16
هذا هو اليوم الرابع من الأيام الستة التي ذكرت في القرآن الكريم , يوم البعث من القبور ومن ظلمة القبور والنشور , الظلمة التي مرت على الإنسان بثلاثة مراحل , ظلمة عالم الغيب والظلام , وظلمة بطن أمه , وظلمة القبر , في هذه الظلمات الثلاثة لم يشعر الإنسان بوجوده وكيانه وزمانه ومكانه .
فيوم البعث , والنشور والخروج من الأرض والقبور , يوم الملل الكبير والإنتظار الشاق من الإنتظارالطويل . لن يكون البعث عند موت أخر الأموات وفورا لا , بل سيأخذ يوم البعث مدة من الزمن قد تطول لمليارات السنوات , حتى تكتمل دورة ما تبقى من حياة الأحياء والنباتات على الأرض , وبعد إكتمال ذلك عند موت أخر الأموات من بني آدم .
تبدأ الأرض والحياة في الإنحدار نحو الإنحطاط وزوال كائناتها ونباتها ومياه محيطاتها وبحارها وكل معالم الحياة , فتعود الأرض لسابق عهدها عندما نزلت من السماء العلا , المنتهى النهائي لسقف الكون , حيث نزلت قطرة ماء جليدية كبرى , كما نزلت جميع نجوم السماوات السبع قطرات مياء جليدية كبرى , وها هي مازالت بذات أحجامها الحالية وهي النجوم الكونية , ومازالت كروية بلورية كلسية مادية العناصر والمكونات الذرية .
ومن قالوا ويقولون عن توسع الكون أقول لهم , ما خطط ورسم بالقلم الإلهي لهذا الكون غير قابل للتبديل والتغيير , فهذا الخلق قاموس وناموس ونفوس , كل ما كتب كتب لا مغير من كلمات الله إلا الله وحده , والآية 47 من سورة الذريات تقول , والسماءِ بنيناها بأيدٍ وإنا لموسعون , فليس كما يدعون كفعل نفخ البالون , أو في تباعد النجوم كما يشاع لدى البعض شرقا وغربا , والسعة متى تكون هناك حاجة للتوسعة والتوسع والتمدد , ولأن الكون رسم وخطط وبني وإكتمل ونضج حسب ما كتب له أن يكون فكان كما هو حاصل الآن أن يكون , ثم نسأل لماذا التوسع كما يعتقدون , والكون الذي نعيش عليه لا نعرف حدوده الحقيقية وأبعاده اللامتناهية , وعليهم الإدراك مما لدينا الكره الأرضيه هل هي في حالة توسع أو إنكماش , ففي النظر الأرض فهي كما تخلقت وتكونت , والفراغات بينها وبين النجوم الأخرى ثابته لا تتغير , كل يجري في فلك يسبحون بالدقيقة بالثانية بالجزئيه .
نعود لليوم البعث .
ففي نهاية الخلق عندما تعود الأرض لسابق عهدها قاحلةٍ جرداء , وقد دخلت عليها تغيرات بيئية وهو التصحر والجفاف وإرتفاع درجات حرارتها العليا جدا قد تصل لمئة درجة مئوية لتحرق ما تبقى من رطوبة الأرض نهائيا , وما يختفي في ثناياه من كائنات دقيقة مجهرية تموت , حرارة حارقة تجفف المحيطات والبحار , حيث لم تعد تأتي تلك السحب الماطرة لسقاية نباتات وأحياء الأرض حتى الجان , فيكون الموت لكل أشكال الحياة , وهكذا تصبح الأرض جرداء قاحلة ولا حياة لمن تنادي , والملائكة المخصصة والموكلة في أمواتها وحاملة أرواحهم تنتظر في السماء الأولى المجهول وهو يوم البعث والنشور من القبور , وبداية اليوم الرابع من الأيام الست التي وردة بالقرآن .
فيعم الأرض بعد زمن قد يطول أو يقصر لمليارات الأعوام , ضباب وليس كضباب الندى والماء , بل ضباب بلون البياض وكأنه ضباب غباري مني , كذاك المن الذي نزل على قوم موسى بصحراء سيناء , يجلل الأرض ويغشاها ويرطبها ويسقيها , وتستمر هذه الحالة الجوية المنعشة قد تصل لمئات ملايين السنوات أو مليارات , والملائكة ما برحت في أماكنها تنتظر المجهول من هذه الغمامة الضبابية السائدة على وجه الأرض , وفيما تبدأ حركة الضباب في حراك عاصفي عاصف يلف الكرة الأرضيه , وتغبر الأجواء فيصبح الضباب الؤلؤي ممزوج بالأتربه الغبارية محمر, وهكذا تدوم الأحوال لفترة ما ثم تنقشع وتتلاشى عن سطح الأرض نهائيا , بعد أن قامت تلك الأحوال ورياحها وأعاصيرها بأعظم إعجاز إلهي , وهو جمع وتجميع كل جزئيات الاموات التي ضاعت وإندثرت في الأرض , وفي أجواف الحيوانات التي ماتت وتحولت لتراب ومن أعماق البحار والمحيطات الجافة .
هنا ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله أن لا يصعق , ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون , سورة الزمر الآية 68 , والصور , هو الفراغ الحاصل بين الحياة والموت فينفخ فيهِ الملاك فيجلجل السماوات والأرض , فمن هنا تسمعه الاموات في قبورها فتعود لهم الحياة ويتململون ويستفيقون وكأنهم في حلم من أحلام الدنيا , وهم يرددون بنفوسهم وأنفسهم ما هذا من الذي بعثنا من مرقدنا هذا , وتعني الصحوه , ومن الذي أزعجنا ودق سباتنا , وترتجف الأرض رجفا وكأنها تقول للأموات هيا تحضروا للخروج , ثم تأتي النفخة الثانية , فإذا هم قيام ينظرون , ويبدأ القيام , يبدأ تتابعي وتباعا خلف بعضهم البعض كل حسب الأقدمية , السابقون السابقون واللاحقون اللاحقون حتى أخر الأموات .
وهنا تبدأ الملائكة التي أوكلت بكل إنسان في النزول نحو امواتها تحمل أرواحهم , وهنا المفاجئة أنه يراها تقف على يمينه وشماله مجددا , وهو يذكرها عند موته وقد رأها حيث رفعت عن عيناه الغشاوة وبات بصره ثاقب كالحديد , وهنا جاءت الاية من سورة ق , لقد كنت في غفلةٍ من هذا , فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد , وجاءت كل نفسٍ معها سائق وشهيد .
لكن الذهول والخوف والرعب والصدمه تعقل لسانه وتربطه عن الكلام , فلا كلام مع الملائكة أو مع من يقف بجانبه فالكل في الرعب مسكون , وتستمر الاموات في وقوفهم هذا إلى ماشاء الله جل جلاله , هنا كما أشرنا للزمن فلا زمن فهو منعدم ولا وجود له , والاموات لا تدري كم يمر عليها من الوقت والزمن أمليارات من السنين حتى يخرج أخر الأموات من قبره ومرقده , ويقف مع الواقفين مشدوه مرعوب , والشمس تضربهم وتأكل رؤوسهم وهم في صمتهم كصمت أهل القبور , وبلا حول ولا قوة من هول الصدمة والرهبة .فقد إنتهت خيارات الإنسان كما كان في الحياة , يتحرك كما يشاء , يتحدث كما يشاء , يأكل ويشرب كما يشاء , يصارع الآخرين كما يشاء , ومنهم من كان يقول أنا ربكم الأعلى فأطيعون أو إسجدون أو السجون والضرب الوحشي وقطع الرؤوس .
في هذا اليوم البعث العظيم الكل مرعوب ملجوم فالخوف يجلل المكان , والسكون والسكينة تحوم فوق الأجساد والرؤوس , لا خيارات أمام المؤمن أو المشرك أو الملحد الكل سواسية لا أحد أفضل من أحد , الكل خرجين القبور كخرجي السجون دنيويا , هنا إنتفت نهائيا الطبقية , كما نشهد ذلك يوم الحج , الملوك والرؤساء والامراء لهم الصدارة , والبعض من المتنفذين يحصل على الحضوه , هنا لا حضوةٍ لأحد , فالكل لا يعرف الأخر , وإن شاهد أبيه أو أمه , فالكل مشغول في مصيره ونفسه وماذا يخبئه له قدره .
وفيما هؤلاء الاموات الخارجون من قبورهم واقفون في ذهول وحيرة , تهب الرياح العاتية فتنزع ما عليهم من أسمال بالية , من لفائف القماش والهندام , فيصبحون كما خلقتني يا رب , عراة , الرجال والنساء , تماما كما نزل آدم وحواء من الجنة للأرض , عراة بلا شهوة وبلا رغبة جنسية , ثم أن لا أحد يهتم بذلك لما في يوم البعث من رعب رهيب مخيف , ثم وفيما هم وقوف بذهول وصدمة وحيرة , يعود الضباب الندي الأبيض الثلجي المنعش كالثلج الذي يجلل الأرض , فيغسلهم ويطهرهم من أدران الأرض وقذارتها وترابها , فلا يخرج من الأرض شيء عالق على بدن الأموات الاحياء للسماء , فقط الجسد وكل خلية جرت فيها روح الله جل جلاله تصعد , وما حطام الأرض فهو للأرض كاللفائف والملابس والمجوهرات والذهب على الأجساد وغبار وتراب الأرض للأرض .
هذه العدالة الإلهية هنا تسمو وتتجلى بكل أطيافها ولطفها وحبها وحنانها للإنسان , وقد ذكر ذلك في القرآن الكريم , سورة الإسراء , الآية 70 , تنص , ولقد كرمنا بني آدم , وحملناهم في البر والبحر , ورزقناهم من الطيبات , وفضلناهم على كثير من خلقنا تفضيلا . حيث يغسل الله جل جلاله عباده جميعا دون تفرقة أو تمييز أو عنصرية أو تعصب أو كراهيةٍ أو بغضاء أو غلا على أحد مهما يكن ذاك الأحد مسلم أو مسيحي أو يهودي أو ملحد أو مشرك أو كافر أو إمرأة او رجل , ففي العدل الإلهي الجميع قبل يوم الحشر والقيامة سيان , لا فضل أحد على أحد يغسلهم من أدرانهم ويطهرهم ويحضرهم لرحلة الصعود للسماء أنقياء من دنس الأرض .
هذه العدالة الإلهية التي تنظر للخلق وهم في حالة إنتظار وترقب ورهبة ورجفة , الكل منهم سواسية أنبياءهم ورسولهم وملوكهم وأمراءهم وسادتهم وشيوخهم وكبارهم وصغارهم وفقراءهم وأغنياءهم , الكل في دائرة العدل الإلهي سيان , ووجه واحد لا وجهان , مما أدى إلى غسلهم من قذارة الأرض ليخرجوا للسماء وهم أطهار كماء السماء .
هنا يشعر الاحياء الاموات بشيء من الأريحية والطمأنينة , بعد أن خفت عنهم وهج الشمس الحارقة لجلودهم , وتعود الأجساد تشعر بحيويتها ونشاطها وهمتها وقوتها , وما أن ينجلي عنهم الضباب , وإذا بهم عاوا للشباب والرجوله والعنفوان , فمن مات مريضا أصبح سليما , ومن مات عجوزا عاد شبابا , ومن مات طفلا يبقى طفلا بريئا , ثم يشعر الاحياء الاموات بأن أوزانهم قد خفت ونقصت وباتوا يتحركون في أماكنهم وهم في خفة الريشه كريشة الطير , والسبب إنعدام الضغط الجوي عليهم المتكون من جراء مفاعيل القوة الشمولية حيث تتحول إلى غازية خفيفة , كما هو حاصل اليوم بين نجوم السماء بوجود القوة الشمولية الغازية , وقد تحرروا من الثقل والوزن الضاغط على أجسادهم .
لا شك جماعة الجاذبية عندما يشاهدون أنفسهم يتحركون في نطنطةٍ وكأنهم بالونات هوائيه , ماذا سيقولون عن وأين الجاذبية , أكيد ستعبرفي خواطرهم وعقولهم نظرياتهم لكن خوفهم ورعبهم يخرسهم كما يخرس الآخرين عن الكلام , إنما بداخل النفس فالنفس تتحدث مع ذاتها وقد تعاتبها وتناجيها , ومن قالوا أن الكون خلق من العدم , ومن قالوا خلق الكون طبيعيا , ومن قالوا تكون الكون من الإنفجار الكوني الكبير , ومن قال أن لا إله , ولا داعي لإله , فالطبيعة تجدد ذاتها دون داع لإله , هنا في يوم البعث من القبور ومن ظلمة القبور , سيسألون أنفسهم ما تلك الورطة التي ورطنا بها أنفسنا , ونظرنا بها عالميا لندعي العلم والمعرفة والذكاء العلمي الغربي على الشعوب والأمم , وخاصة الإسلام الذي يصر على وجود إله وخالق للخلق والكون العظيم .
يوم البعث من ظلام القبور للنور الأبدي , من هذا اليوم لا ظلام بعد اليوم , فالنور باقي مع الإنسان في جنته للأبد , وفي جحيمه فهناك الضوء وهو الضوء الأسود بلا نور فالنور الإلهي لا يدخل الجحيم , وهكذا يستمر وقوف الاحياء الاموات على الأرض , فهو يوم البعث من لحظة الخروج من ظلمة القبر لغاية قدوم يوم الصراط المستقيم , هذا يوم البعث الأهوال للأبدان والإنسان والجان , ففي الأرض تلك الأثناء سيكون فيها ثلاثة خلائق , الملائكة , الجان , الإنسان , والملائكة وجودهم في الأرض كونهم خلقوا خصيصا للإنسان الذي كرمه الله جل جلاله من روحه القدوس الطهور الإلهية السامية المتسامية .
وتبقى الاحياء الاموات وقوفا يوم البعث في حالة إنتظار , إنتهت خيارات الإنسان , وقوف دون تذمر وتأفف وضيق ورفض ودون إعتراض فالخوف في قلوبهم يعصرها وفي نفوسهم يأرقها , عما هو تقرير المصير , وعما هو الغد المرتقب , وفيما هم بهذه الاحوال والشتات والرهبة , ترتجف الأرض رجفتها وتزلزلها , مما تؤدي لفزع الناس وتبدأ في الركض العشوائي , وأيديهم تتحرك من حيث لا يشعرون وكأنها ترفرف رفرفة الطير , ويبدأ الصعود للسماء طيرانا كل حسب أقدميته في الخروج من القبور , آدم ويتبعه ممن ماتوا خلفه من نسله وحسب الاجيال التي ماتت من بعده , وبهذا يبدأ يوم الصراط المستقيم , اليوم الخامس من الأيام الست التي ذكرت في القرآن الكريم , وسيكون التجمع في ساحة يوم الحشر يوم القيامة ساحة قيامة آدم عليه السلام من الصلصال والطين . بقلم , سامي الاجرب
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن
علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
|