أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


الحياري يكتب...الجنادعة وعودة الشيطان

بقلم : د.سالم عبد المجيد الحياري
03-12-2017 05:19 PM
كان صالح بن عبيد بن أسف بن ماشج بن عبيد بن جادر بن ثمود، كان رجلاَ ورعاً أميناً مسموعاً من قومه، فاختاره سبحانه وتعالى نبياً لتبليغ رسالته إلى قومه ، قوم ثمود سكان بلاد الحجر( بكسر الحاء وتسكين الجيم والراء)، فأخذ يدعوهم إلى ترك المفاسد وعبادة الأصنام واتباع صحيح الطريق وعبادة الله الواحد الأحد .

كان ملك ثمود في تلك الفترة رجلاً ماجناً شغل نفسه بمعاقرة الخمر ولعب الميسر واللهو مع النساء، فاستفحل الفساد في زمنه. انتهزت زوجة الملك واسمها ' مليكة ' او 'ملكاء' انشغال زوجها بملذاته،- وكانت امرأة جميلة وهي من قوم العماليق وليست ثمودية -، فأخذت تتحكم بالقوم باسم زوجها الذي كان حاضراً غائباً وكانت مولعة بتزيين نفسها وبهرجتها وتجميع المجوهرات والذهب والنفيس من النسيج لصناعة ثيابها.

لمّا خرج من بينهم النبي صالح عليه السلام، يدعوهم إلى وحدانية الإله وعبادته وترك الموبقات، اتبعه نفر قليل وتصدت له مليكة وبطانتها، لأن دعوته تهدد مصالحهم، وأخذت تقرب لها أشخاص من أعداء الثموديين واكثرهم من العماليق الذين كانوا بنفس الوقت جواسيس لها على زوجها الملك الثمودي خوفاً من أن يُقرب صالحاً ابن جلدته ويؤثر على نفوذها، فبدأت بالتحريض ضد صالح والقليل ممن اتبعه وحاولت قتله ولم تُفلح، ومرات تُرسل له من يُحاججه في دعوته حيث كانت الغلبة له دائماً بإلهام من الله جلت قدرته، عندها أُسقِط بيد مليكة فاتجهت إلى طلب المعجزات منه لإحراجه أمام الناس.
طلب منه علية قومه حتى يؤمنوا بأنه رسول الله طلباً تعجيزياً بأن يُخرج لهم ربه ناقة من الصخر، صلى صالح عند صخرة ودعى ربه أن يُخرج الناقة فاستجاب الله له فعم الخير قوم ثمود، وكان الماء يوم لهم ويوم لناقة صالح، وفيه يملأُ القوم أوعيتهم من حليب الناقة ومع ذلك لم يؤمن معه إلا القليل مع تبييت النية من مليكة وعصابتها لإيذاء الناقة رغم تحذير صالح لهم بأن عذاب الله سيعمّهم إن فعلوا ذلك.

كان في ثمود شقيّ يُدعى' قدار بن سالف بن جندع 'وهو من أمراء القوم وأغنيائهم، اتفقت معه الملكة وشقيّ آخر اسمه 'مصدع' على عقر الناقة مقابل أن يكونوا من المقربين للملك ومن بطانته، فتربّص بها ابن جندع ومصدع ومعهم خمسة من عصابة الملكة ليشهدوا قتل الناقة، الناقة فرماها مصدع بسهم بقائمتها الأمامية وأتبعه بآخر أصاب قائمتها الثانية فناخت فتقدم قدار وأجهز عليها بسيفه فقتلها فعقرها فأنزل الله عذابه فيهم بأن اصفرّت وجوههم في اليوم الأول ثم احمرَّت في اليوم الثاني واسودَّت في اليوم الثالث ثم الصيحة الكبرى حتى قضى الله على قوم ثمود ومليكة وزوجها، بعد أن أوحى الله لصالح ومن آمن معه أن يخرج من الديار ليتجنبوا العذاب.
(العقر هو الذبح وعقر الشيء جرحه وعقر النخلة قطعها من رأسها وعقر الحيوان أي ذبحه).
إذن مليكة وابن جندع كانا سبباً في خراب بلاد الحجر أو بلاد ثمود بأن عقروا ناقة صالح مصدر خيرهم ورخائهم . قال الله تعالى :
{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } الأعراف73. صدق الله العظيم.
كنا نحن معشر الأردنيين نعيش ببساطة وتآخي، وكانت الناس تتساوى إلى حد ما بمستوى المعيشة، فلم يُكن لدينا غِنى فاحش ولا فقر مُدقع كما هو الحال، وكانت الطبقة الوسطى في الأردن تُشكل أكثر من 70% من الأردنيين، وكان من المستهجن بل ومن النادر أن نسمع أن هناك من أبناء البلد المسؤولين من تدور حوله شبهة الفساد الإداري أو المالي، وكان عندما يُحال المسؤول إلى التقاعد لا تظهر عليه مظاهر الرفاهية الزائدة أو البطر المبالغ فيه كما هو الحال بالمسؤولين ' الكبار الكبار' والنسائب والأصهار، حيث نرى القصور والشركات و ' الاستثمار' بالخارج.
بقيت أحوالنا كذلك والكل راضٍ بحاله حتى حرب الخليج الأولى عندما تدفقت الأموال والتي استثمر أكثرها في ' غابات' الحجارة، فارتفعت أثمان الأراضي والسكن، وأصبح الحال يضيق على أهل البلاد، وبدأ تآكل الرواتب والأجور، ولكن المواطنون استطاعوا بصعوبة احتواء الأوضاع حتى نهاية القرن الماضي، عندما ظهر بالبلاد أسماء لم نسمع بها من قبل منهم من استلم أعلى المناصب وأخذوا يتصرفون بالوطن وأهله كملكاء وابن جندع وصاحبه مصدع. وظهر جنادعة القطاع الخاص فجأة بعد معاناة وقهر الحياة لهم ولم يكن ذلك نتيجة سهر الليالي الطويلة والتعب وإنما بحكم النسب والخلة، فأصبحوا أصحاب ملايين وكأنهم حصلوا فجأة على مصباح ' علاء الدين' السحري. التقى جنادعة القطاع الخاص مع بعض الجنادعة المسؤولين سواء ' المستورد' منهم أو ' المُصنّع' محلياً واتفقوا على عقر البلاد الأردنية وأهلها في جميع الاتجاهات وجاءت فرصتهم التاريخية عندما بدأ نحر العراق فذهبوا مع الناحرين لحصار العراقيين واستفاد من منهم من منصبه بالأمم المتحدة و'حصدوا' مئات الملايين من الورقة الخضراء. وصلت الفرصة العظمى للجنادعة عندما جُزّت رقبة العراق بإعدام رئيسة فأصبح مباحاً بالليل والنهار لمن بالشرق والغرب ولمارق الطريق.
انفتحت شهية الجنادعة بالأردن من ذكور وإناث، فتكالبوا على الأردن وأهله فاخترعوا له برامج التحول الاقتصادي والاجتماعي فعقروا الاقتصاد وعقروا روافد البلاد المالية وعقروا أراضي الأردنيين بحجج المشاريع وسجلوها بأسمائهم وأسماء أقاربهم وأنسبائهم، واشتروا القصور في الخارج وبنوا مثلها بالداخل بعد سكنهم بشقق متواضعة بالإيجار، واثقين ومتأملين ببقاء الحال على حاله ناظرين إلى صمت الأردنيين أو ' هبلهم' كـ ' كارتا بلانشا '، واخترعن لهذا الشعب المبادرات والمؤسسات والجمعيات التي تنهب موارد البلاد .
أنشأ الجنادعة والجندعيات' لوبيات ' خاصة بهم مهمتها الحفاظ على ما استولوا عليه عنوة من أموال وأطيان الأردنيين مستغلين ظروفهم الصعبة، كما أنشؤوا لهم ذراعاً ضاربة مهمتها توريط كل أردني يكشف عوراتهم، إما بوضع أي ممنوعات في مكتبه أو سيارته أو إرسال مشبوهة أخلاقياً لتوريطه أو غير ذلك، لاغتياله اجتماعياً أو سياسياً وإزاحته من طريقهم أو إرغامه على مغادرة البلاد ، واذا فشلت كل المحاولات يتم اغتياله جسدياَ بتدبير حادث مصطنع .
لم يكتف الجنادعة بعقر كل شيء، بل حاولوا إيذاء الجيش الأردني والمؤسسات الأمنية باختراع إشاعات حول هذه المؤسسات الوطنية لعقرها ليتسنى لهم هدم آخِر حصون الوطن والأرادنة وبالتالي يبقى وضع الموسى حول عُنق البلاد، ولكنهم لن يستطيعوا بحماية الله جلت قدرته وانتباه ابنائه وتكاتف عشائره.

انتشرت السياسة ' الجندعية' فطالت كل شيء، فمن جندع بالتعليم العالي يريد إلغاء حقوق أبناء الجيش والمؤسسات الأمنية للدراسة في جامعات بلادهم وإعطاء الأولوية للغريب، إلى ' جندعة' الإعلام ببث برامج إباحية في إحدى الفضائيات الجندعية، إلى جندع يستهزء برموز الأمة العربية والإسلامية كالخالد خالد ابن الوليد رضي الله عنه، إلى جنادعة المشاريع الوهمية والمؤتمرات ' الإلهائية '.

بلاء الجنادعة بدأ مع رسم خارطة الدولة الجديدة على البلاد الأردنية في الربع الأول من القرن الفائت، ولكنه بقي محدوداً إلى حد ما، ليس بالعدد وإنما بالصلاحيات التي كان لها سقف محدود لسبب مهم وهو وجود رجال من الأردنيين كانوا يوقفوهم إذا أرادوا تجاوز الخطوط الحمراء لإيذاء الأرادنة حتى لو رغب بعض أصحاب القرار بمساعدتهم وأكبر مثال على السد المنيع أمام الجنادعة كان الشهيد وصفي التل وحابس المجالي رحمهما الله .

استمر هذا الحال ولو كان متأرجحاً حتى عام 2000 عنما اختلت المعادلة وأصبح يظهر للأرادنة ابن جندع جديد كل فترة، فمن جندع جيء به من الخارج وأعطِي الجنسية الأردنية في أواخر الثمانينات ليستلم المنصب العام تلو الآخر وأصبح المقرب المقرب لصاحب القرار والعائلة وتبين أن مهمته هي لعقر اقتصاد الوطن، وعندما علقه الأردنيون وهميأ على حبل المشنقة توارى عن الظهور وظل يعمل من وراء الخفي حتى إلى وقت قريب وعندما ظن ومن تدعمه أن الناس قد نسوا، عاد إلى الظهور كعودة الشيطان ليوسوس لصاحب القرار تخريب ما بقي للشعب ويعقر الوطن ،اضافة إلى جنادعة القطاع الخاص الذي أصبح توظيف الأردني فيه حالة نادرة.

ما زال الجنادعة يحشرون الأردنيين في الزاوية وذلك بزيادة الضرائب والأسعار عليهم وإفقارهم إلى الحد الذي جعل الناس يبحثون عن الطعام في حاويات الطبقات الجندعية.

يعرف الأردنيون أن هدف الجندعيات والجنادعة وأمثالهم هو إجبار الأردني على التخلي عن وطنه وتسليمه للشيطان ليتصرفوا به كما يشاؤون لتحقيق غايتهم بالسياسة الإحلالية وتحقيق الحلم الصهيوني .

لقد مل الأردنيون من تصرفات الجنادعة والبرامكة الجُدد والصقالبة والموالي وأعمالهم التدميرية لهم ولوطنهم، وأصبحت الصدور مليئة بالحقد عليهم لما جنت أيديهم بحق الأردن والأردنيين.
أليس نتائج النفوس المحتقنة والصدور المشحونة بالغضب العارم إلا الانفجار ؟؟؟

الدكتور سالم عبد المجيد الحياري

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
03-12-2017 06:22 PM

لا فض فوك يا دكتور سالم فلقد احسنت القول والتوصيف وليس من شأن ممارسات هؤلاء الجنادعة والجندعيات الا زيادة الاحتقان في صدور الاحرار مما سيؤدي الى الانفجار المدوي في وجوههم ليستأصل شأفتهم وشأفة البرامكة وانه ليوم نراه يقترب بتسارع بسبب تماديهم وما قراراتهم وسياساتهم الاخيرة الا مؤشر على قرب هذا اليوم الذي سيذكرنا بالثورة الفرنسية وسجن الباستيل وكيف تم الاقتصاص من الجنادعة والجندعيات الفرنسيين

2) تعليق بواسطة :
03-12-2017 06:52 PM

اخي القامة الوطنية سالم عبد المجيد الحياري جنادعة هذا العصر هو الكومبرادور ولكن اطمئن فارض مؤاب وعمون والحجر ثمود لن تكون مصراطة ولن يكون جنادعة العصر الكومبرادوريين زنوج تاورغاء فالشيطان لايستطيع ان يضحك على بلاد ثمود ومؤاب وعمون لان فنحن طيبون ولكننا لسنا طيبون الى درجة ان يجعلنا الشيطان خرفان له وكن مطمئنا اخي القامة الوطنية سالم عبد المجيد الحياري

3) تعليق بواسطة :
03-12-2017 06:57 PM

اخي القامة الوطنية سالم عبد المجيد الحياري نحن شعب لنا ميزة اننا مزيج من المدنية والعشائرية لذلك لايستطيع الشيطان ان يستغل طيبتنا فكن قرير العين مطمئنا

4) تعليق بواسطة :
03-12-2017 07:32 PM

بالمناسبة اخي القامة الوطنية سالم الحياري تبوك من بلاد الحجر هي بلاد ثمود ايضا وهي تاريخيا ارض اردنية وليست حجازية كما الكويت تاريخيا ارض عراقية ولك احترامي ايها القامة الوطنية د سالم الحياري

5) تعليق بواسطة :
03-12-2017 07:46 PM

النبي الخضر عليه السلام كان من الارادنة وهو من علم موسى عليه السلام الحكمة

6) تعليق بواسطة :
06-12-2017 03:46 PM

موعظه رائعه وحكم لا تقدر بثمن لكن هل من سامع او قارى او مجيب ؟اشك بذلك واظن ان الجنادعه سائرون بنا وبالبلد الى الخراب والفوضى والافلاس .الجنادعه عندنا طحالب تنم زتتكاثر بكل مكان وتنهب اليابس والاخضر وداعميهم كثر الله لا يبارك .

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012