أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


هل صحيح أن الأردنيين شكاؤون؟

بقلم : أحمد أبوخليل
19-02-2018 06:06 AM

سجّل الملك المرحوم حُسين في سيرته الذاتية: 'ليس سهلا أن تكون ملكا' ملاحظة لافتة تعود إلى السنوات الأولى لتوليه منصبه، فكتب ما يلي عن زياراته للبدو: 'الكثيرون منهم فقراء للغاية، لكن رغم ذلك، على المرء أن يبحث ويدقق كي يكتشف حاجاتهم ويتعامل معهم، لأن كبرياءهم تمنعهم من طلب المساعدة'.
من المؤسف أن الخطاب الرسمي في السنوات الأخيرة، صار يعطي انطباعا بأن الأردنيين شعب كثير الشكوى، وهناك من يعتقد ان الشكوى ميزة متأصلة.
هذه السطور معنية بنقاش سريع لمسألة الشكوى في الثقافة المحلية العميقة (الشعبية)، بصيغها الأولى، بما يمكننا من الإجابة إن كانت فعلا أمرا متأصلا أم جديدا طارئا.
وقد بدأتُ بملاحظة تخص البدو، لأن قيم البداوة تحتل المكانة الأبرز في منظومة قيم المجتمع الأردني، فصحيح أن البداوة تراجعت وخسرت معركتها كنمط اجتماعي اقتصادي، إلا أنها في الحالة الأردنية كسبت الصراع على مستوى القيم والرموز.
على ذلك، يمكن بسهولة القول إن الأردنيين قليلو الشكوى، بل إنهم يسمونها 'شَكْوَنة'، وقد اشتقوا منها الفعل 'تْشَكْوَن، يِتْشَكْون'، والكلمة تحمل دلالات واضحة على الإدانة والاستهانة تجاه 'المتشكونين'.
إن سيرة الأردنيين قبل أن يكتمل تشكيل الدولة، هي سيرة قناعة ورضى، بالذات عندما يتعلق الأمر بالاحتياجات المادية. فالأولوية عندهم ليست لحيازة الثروة. إن المال مهم، ولكنه يفقد أغلب قيمته إذا لم يترافق مع ما يسمونه 'العز'، ولهذا تسمى البيوت الرئيسية المقتدرة 'بيوت عز' ولا تسمى 'بيوت مال' أو ثراء أو غنى.
الأردني في المستويات الشعبية، يكرر عبارة 'الحمد لله على شَمّة الهوا والمشي على الرجلين' باعتبارها قاعدة حياة. ولديه قاعدة أخرى تقول: 'الجوع ذيب، ويش ما جا يطرده'، وعنده أن 'خَيْر الزّاد ما سد الرمق وخير اللباس ما ستر العورة'.
لا داعٍ لمزيد من الاسترسال، من جهة لكي لا يبدو المقال وكأنه مجرد حنين أو تغن بماض تلاشى وانتهى، ومن جهة ثانية لكي نصل إلى السؤال المعاصر الذي يتعلق بمطالب المواطنين من دولتهم. لأن المسألة هنا لا ينبغي أن تطرح كشكاوى، كما يحاول الخطاب الرسمي أن يفعل.
لقد انتقل المجتمع الأردني وناسه من حالة المجتمعات المحلية المدارة ذاتيا إلى الدولة، التي تقيم علاقتها مع مواطنيها على أساس تعاقدي.
وفي الأردن بالذات، فإن هذا الانتقال مر بصراع طويل، إذ لم يرحب الأردنيون بسهولة بالمؤسسات، وفي مرحلة لاحقة تعاملوا مع مركز الدولة كما يتعاملون مع شيخ العشيرة أو القرية. ويحمل التاريخ الاجتماعي الكثير من الحكايا والأحداث التي تبدو اليوم طريفة.
وبالمناسبة، فحتى أحزاب المعارضة، سواء في الموجة الحزبية الوطنية الأولى، أو بعد الخمسينيات مع الأحزاب العقائدية، فإن مسألة المطالب الاجتماعية المعاشية لم تكن مطروحة بقوة في برامج الأحزاب، ولدي العديد من روايات التاريخ الشفوي من حزبيي الخمسينيات، جميعها تؤكد أن فكرة مسؤولية الدولة عن حياة الناس اليومية لم تكن أساسية، مقارنة بالقضايا الوطنية الكبرى.
لقد قامت الدولة بما كان عليها القيام به من القضاء على حالة العيش المستقل للمواطنين كجماعات محلية، وعليها (حتى بعد قرن على التأسيس) أن تدرك ان لهذا استحقاقاته، وأن طرح الأعذار عن صعوبة الالتزام بهذه الاستحقاقات، بدأ يصنف شعبيا على أنه 'شَكْونة حكومية' لا غير.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012