أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


مقوّمات نُصــْرَة الأمّة

بقلم : د.محمد طالب عبيدات
25-02-2018 12:33 AM

متى تنتصر وتتقدّم الأمّة؟ سؤال يكثر توجيهه من قبل العديد من الناس هذه الأيام للمفكّرين والساسة في خضم ما نشاهده ونراه من انحدار في منظومة القيم والأخلاقيات، إضافة لهوان الأمّة التي باتت في أسوأ حالاتها، والإجابة بالطبع على ذلك طويلة ومتشعّبة وتحتاج لمفاصل كثيرة، لكنني سأحاول تلخيصها من الواقع وطرح الأمثلة والتأشير لبعض الحلول حتى لا تكون المقالة حائط مبكى!.
ننتصر ونتقدّم كأمّة عربية وإسلامية عندما نمتلك مشروعا نهضويا يستند للأخلاق والقيم والعلم والتكنولوجيا والقانون والعدل والصلاح وغيرها، كما هو الحال في بعض الشعوب والدول الأخرى في الغرب والشرق، فكل الدول الطامحة بالمستقبل لديها مشاريع طموحة بدءاً من الولايات المتحدة الأمريكية ومروراً بالدول الأوروبية الكبرى والصين وكوريا وروسيا وغيرها ووصولاً لتركيا وإيران.
ننتصر ونتقدّم عندما نرى الدين المعاملة والأقوال تُترجم لأفعال، لا بل الأفعال تسبق الأقوال، ونُركّز على دور الأسرة بالتربية، ونحترم بَعضنَا من القلب لا من الشفاه فنكون شفّافين لا باطنيين، وبذلك نقول بأن الإصلاح يبدأ بالفرد نفسه ليكون نموذجاً يحتذى قبل أن يتطلّع لغيره ويوجّه كيل التُّهم له.
ننتصر ونتقدّم عندما يكون الإيثار ديدننا فنعمل كاليابانيين على إصطفاف مركباتنا بعيدة عن أماكن العمل عندما نحضر مبكّرين للعمل لنترك المواقف القريبة للقادمين للعمل في وقت متأخر كي لا نُزاحمهم، والحديث طويل في هذا الأمر! فكم منّا يُغلق مسارب الطرق لفاردة فرح أو لشراء حاجة أو لغاية في نفسه!
ننتصر ونتقدّم عندما نمتلك المنهج العلمي والتكنولوجي لا نظام الفزعة والهبّات والشوفيّة، لنساهم في التطوّر العالمي لا أن نكون مُتلقي خدمة، فالبحث العلمي المؤسسي والمبني على استراتيجيات واضحة يُشكّل أحد المفاصل الرئيسة في ذلك، وتوطين التكنولوجيا وتعزيز لغة الابتكار من القضايا الهامة التي يجب العمل عليها برؤى واثقة.
ننتصر ونتقدّم عندما نتخلّص من الداعشية والأنانية والحسد والحقد ومجتمع الكراهية لنعيش في المدينة الفاضلة واقعياً وليس من على صفحات التواصل الاجتماعي، فمجتمعنا للأسف مليء بالضغينة المقيتة وأدوات نفث السموم والتّعدي على الآخر، والخلاص من هذه الأمراض يُخرج شباباً مُنفتحاً وتنويرياً ووسطياً ومعتدلاً ليتوجّه لميادين العمل والإنتاج لا أن يتقوقع في مستنقع الكراهية!
ننتصر ونتقدّم عندما نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع ونكون مطّورين رئيسيين لا مستخدمين نهائيين للتكنولوجيا العصرية، ونسعى بجدّيّة للإكتفاء الذاتي والإعتماد على الذات، وهذه إحدى دعوات جلالة الملك المعزّز التي طرحها للأردنيين صوب أردن عصري وقوي يعتمد على شبابه وتعليمهم وتمكينهم وتحصينهم وإنتاجيتهم، وبالطبع هذا يحتاج لبرامجية واستراتيجية متقدّمة وطموحه.
ننتصر ونتقدّم عندما نُحبّ لإخواننا وأخواتنا كما نُحبّ لأنفسنا، وعندما نخاف الله ولا نخاف الناس، وعندما نُطبّق ما جاء بالرسالات السماوية وأخلاقياتنا وقيمنا دون تجمّل، وعندما يُصلح كل إنسان نفسه قبل أن يتطلّع على الآخرين، وهذا تطبيق لمبدأ الإيثار وللتخلّص من الأنانية المفرطة.
ننتصر ونتقدّم عندما نقوم بواجباتنا قبل أن نطالب بحقوقنا، ونُتقن عملنا بإنتماء خالص لوجه الله تعالى ثم الوطن والأمّة والقيادة، ونعمل بإتقان دون شوفيّة، وهذا يؤشّر للتوافقية بين حبّ الوطن وقيادته من جهة والعمل لصالح الأمة من جهة أخرى، والمواطنة الصالحة هي أحد مخرجات وأدوات هذه الرؤية.
ننتصر ونتقدّم عندما نكون عادلين وصالحين وشرفاء لا فاسدين، وعندما نمتلك الإحساس من القلب مع المضطهدين والمظلومين والأصدقاء والإخوة والجيران وأبناء الوطن والأمة، وهذه الرؤية واضحة للعيان في انتصار الأمم الأخرى كنتيجة لعدلها وإنصافها ومساواتها بين الناس، والأمثلة على ذلك واضحة للعيان في الدول التي ندّعي كُفرها!
ننتصر ونتقدّم عندما نُدير وقتنا ويكون لدينا قيمة للوقت، وعندما نستغلّ الوقت للفائدة والاستفادة دون ضياع يُذكر، فمضيّعات الوقت عند أمّة العرب كثيرة ويقابلها قلّة الإنتاج وضعف العمل وانتشار مجتمع النميمة والهمز واللمز، ولذلك على كل إنسان أن لا يضيّع وقته؛ لأنه سيحاسب عليه في الدنيا والآخرة.
ننتصر ونتقدّم عندما نبتعد عن مجتمع النفاق والكذب والرياء ولا نخاف إلّا من الحق، وعندما نعمل لبعضنا ومع بَعْضِنَا لا ببعضنا، فالدراسات على مجتمع الأعمال في القطاع العام تؤشّر إلى أن نسبة مدّة انصراف الموظفين للعمل أقل من 20% من الوقت والباقي بالطبع لحلقات مُضيّعات الوقت وخصوصاً السلبية منها.
ننتصر ونتقدّم عندما يشعر كل واحد فينا بأنه برغي في غمّاز مركبة أساسها منظومة العمل المتكامل لا العشوائية أو السطحية أو الفزعوية، وهذا مؤشر لضرورة مؤسسية الأداء كي يشعر كل إنسان بأنه جزء من خلية عمل دون فردية أو تخبّطية، وبالطبع هذا يعني ضرورة وجود ثورة بيضاء على البيروقراطية الإدارية.
ننتصر ونتقدّم عندما نُوقف كل مظاهر الفوضى ودعواتها وإغلاقات الطرق وحرق الإطارات والزوامير دون حاجة وغيرها، وما أكثر هذه المظاهر السلبية هذه الأيام، وإن دلّ ذلك على شيء فإنّما يدل على عدم احترام القانون وضعف وازع المواطنة والانتماء، فتربية الجيل القادم على احترام القانون ضرورة وطنية وإنسانية وأممية.
ننتصر ونتقدّم عندما نوقف مظاهر وحركات ‘’’’’’’’بتعرف مع مين بتحكي’’’’’’’’ والإصطفافات الإجتماعية والعشائرية غير المبرّرة، ونتّجه صوب لغة القانون واحترامه وتطبيقه على كل الناس بعدالة، ولا يمكن وقف مثل هذه الحركات إلّا بعدالة تطبيق القانون وبصرامة على كل الناس دون الكيل بمكاييل متعددة.
ننتصر ونتقدّم عندما ننتخب الأفضل ومن يعمل لصالح الوطن والأمّة دون تعنّصر وتخنّدق لأقرب دائرة، وللأسف كلّنا ينظّر بذلك ورغم ذلك عند أول انتخابات نُعاود الكَرَّة ونتعنصر إقليمياً وجهوياً وطائفياً لأقرب دائرة دون أن نخاف الله في الوطن أو الأمة قيد أنملة.
ننتصر ونتقدّم عندما تنعكس نظافتنا الداخلية على شوارعنا ونخلق منظومة مجتمعية أساسها احترام القانون والنظام والنظافة، وعندما ننظر للشارع كبيتنا في كل شيء، فلا نلقي القاذورات والسجائر فيه ولا نتصرّف فيه بفوضوية ونحترم القوانين وإشارات المرور والوقوف وغيرها، ونتطلّع لأننا شركاء في البيئة ونظافتها دون تأطير مسؤوليتها بالأمانة أو البلدية.
ننتصر ونتقدّم عندما نتصرّف في وطننا تماماً كما نتصرّف في الدول الغربية التي نزورها وتُحاسبنا على أي سلوك مخالف للقوانين والأنظمة، فاحترام القانون سلوك وتربية، وإن كان غير ذلك فالمسؤول عن تطبيق القانون لا يُحابينا إن أخطأنا، فكم منّا يتصرّف في الدول الغربية بنموذجية ومثالية بيد أنه يتصرّف بمنتهى الفوضى في وطنه!
ننتصر ونتقدّم عندما نولي الإبداع والتميّز والابتكار جلّ اهتمامنا، وعندما نثق بالشباب لاختيار تخصصاتهم وفق ميولهم وقدراتهم ورغباتهم وهواياتهم وحاجات السوق، وهذه رؤية أساسها التركيز على الشباب المتعلّم والواعي والمدرك والمبدع والمتميّز لغايات ولوج الألفية الثالثة باقتدار.
ننتصر ونتقدّم عندما نتغيّر ونُغيّر ذهنياتنا ونفسياتنا صوب الانفتاح لا التقوقع وصوب العمل لا التنظير، وهذا يعني التحلّل من كل السلبيات والاحتقانات والتركيز على التواصل مع الآخر والتشبيك لغايات التطوير والتطوّر.
ننتصر ونتقدّم عندما نمتلك روحية العطاء لا الأخذ، وعندما نُنصف الناس الآخرين ونحترم الرأي الآخر، وعندما نتخلّص من عقلية المؤامرة، وعندما نؤمن بأن الناس المحتاجة لهم حقّ علينا وفي أموالنا وفي وقتنا وفي كل شيء، وعلينا تقدير الآخر لنكون شركاء معهم.
ننتصر ونتقدّم عندما نعمل ونعمل على تصويب المزيد من سلوكياتنا صوب العمل المنتج لا القيل والقال؛ وهنالك الكثير والمزيد.
وبصراحة، كي ننتصر ونتقدّم نحتاج للكثير من العمل على مشاريع نهضوية وتطويرية وتنويرية وأخلاقية وقيمية وتكنولوجية واجتماعية واقتصادية وسياسية وقانونية والكثير الكثير، لكن المهم أن نبدأ؛ لأن مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة!

* وزير الأشغال العامة والاسكان الأسبق

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012