15-10-2011 08:22 AM
كل الاردن -
المهندس شادي مدانات
منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي والذي شهد بداية انتقال النظام الرأسمالي إلى مرحلة متطورة جداً في طوره الإمبريالي وهي " العولمة الرأسمالية"، اندفع هذا النظام بقوة – مستثمراً انهيار المنظومة الاشتراكية – لاستكمال تحقيق أهدافه بالسيطرة والهيمنة والإخضاع ونهب ثروات الشعوب. وكان من أبرز ضحاياه العمال والفقراء والطبقات الوسطى في الدول الرأسمالية ذاتها.
فخلال الفترة (1980 – 1994) انخفضت نسبة الأجور في الولايات المتحدة بنسبة 13% وازداد عدد ساعات العمل الأسبوعي فيها بنسبة 20% وفي كندا أيضاً 20%، وفي اليابان 10%. ويعيش تحت خط الفقر ستين مليون إنسان في الولايات المتحدة، وخمسين مليون في أوروبا الغربية. وتعد بريطانيا أكثر هذه الدول تشغيلاً للأطفال. هذا على صعيد دول المركز الرأسمالي، أما خارج هذا المركز فقد تركزت الهجمة الإمبريالية على الوطن العربي بهدف استكمال مشروع تقسيمه وتفتيته تمهيداً لإخضاعه ودمجه في بنية النظام الرأسمالي العالمي من موقع التبعية والاستعباد. وقد بدأت هذه الهجمة – والتي أجمعت عليها جميع دول المركز الرأسمالي(الولايات المتحدة وأوروبا الغربية واليابان) – بتدمير قوة العراق العسكرية ثم حصاره، ثم اختلف بعضها مع الولايات المتحدة على احتلال العراق عسكرياً في سياق التنافس فيما بينها على الزعامة داخل هذا المركز. ثم عادت واتفقت بعد الاحتلال واجتمعت في منتدى دافوس الاقتصادي / البحر الميت. والذي تحاول الحكومات المتعاقبة أن تسوق لنا مسألة انعقاده في الأردن باعتباره مكسباً عظيماً للبلد. بينما هو في الحقيقة وبالاً وخطراً جسيماً لا يُهدد الأردن والوطن العربي وحسب، بل جميع الدول والشعوب المستغله .
فبعد أن أكملت الولايات المتحدة احتلالها للعراق بدخول قواتها لمدينة بغداد في 9 نيسان عام 2003، بدأت بإجراء الترتيبات اللازمة لاستكمال مشروعها "الشرق أوسطي" وإعادة تشكيل منطقة "الشرق الأوسط الكبير" – مع تركيز خاص على المنطقة العربية – سياسياً، واقتصادياً، وثقافياً، وجغرافياً، عبر مجموعة من آليات التفكيك السياسية، والاقتصادية، والثقافية، مع استمرار احتفاظ آلية القوه العسكرية بأهميتها المركزية كأحد أهم آليات التفكيك .
ومن أبرز هذه الترتيبات التي قامت بها الولايات المتحدة،عقد دورة استثنائية لمنتدى دافوس الاقتصادي - الذي تسيطر عليه شركاتها عابرة القوميات بفعل امتلاكها للحصه الأكبر من رأس المال المالي الدولي - في منطقة البحر الميت في الأردن في 20 أيار عام 2003، أي بعد حوالي أقل من شهر ونصف على احتلالها للعراق. وهي المرة الأولى التي يعقد فيها هذا المنتدى دوره استثنائية منذ تأسيسه عام 1971، والمرة الثانية التي ينعقد فيها خارج مقره في مدينة دافوس السويسرية.وهو يشكل أحد أهم أدوات المشروع الإمبريالي الاقتصادية(إلى جانب البنك والصندوق الدوليين ومنظمة التجارة العالمية),وتتشكل عضويته من رؤساء إدارات أكبر ألف شركه عابره للقوميات في العالم.
وقد أصدر المنتدى التصريح الأول الخاص بهذه الدوره الاستثنائية في 28 نيسان من نفس العام، وجاء فيه بأن "قراراً غير مسبوق بعقد لقاء استثنائي للمنتدى في مكان ما على الضفة الشرقية لنهر الأردن، يهدف لبحث مستقبل الشرق الأوسط، وفتح صفحة جديدة في العلاقات الدولية، والعمل على تحسين الأداء العام للاقتصاد العالمي".
وقد شارك في هذه الدوره الاستثنائية عدد كبير من قادة الدول الرأسمالية، ورؤساء أكبر الشركات عابرة القوميات في العالم، بالإضافة لمجموعة كبيره من ممثلي حكومات الدول العربية والقطاع الخاص فيها. وقد مثل العراق فيها آنذاك ما سمي بـ " الحاكم المدني" , الأمريكي الصهيوني بول برايمر.
وتتكشف أهمية عقد هذا المنتدى في المنطقة العربية وبشكل دوري منذ احتلال العراق ، بالنسبة لعملية العولمه الرأسمالية، ومشروع الولايات المتحدة "الشرق أوسطي"، في التصريح الذي أدلى به رئيس "منتدى دافوس" كلاوس شواب في افتتاح مؤتمر البحر الميت عام 2005، والذي قال فيه بأن هدف ما يسمى بـ "الإصلاحات السياسية والاقتصادية" هو: "دمج المنطقة في الاقتصاد العالمي". ولأن تحقيق هذا الهدف يحتل مكانه مركزية لدى جميع دول المركز الرأسمالي، وفي ضوء قيادة الولايات المتحدة لهذا المركز، فقد قامت بصياغة مشروع سياسي- اقتصادي- ثقافي متكامل حمل اسم "مشروع الشرق الأوسط الكبير"، وقامت بعرضه على اجتماع قمة دول الثمانية الكبار الذي عقد في مدينة سي أيلاند الأمريكية في شهر حزيران من عام 2004، وكان جورج بوش قد أعلن عنه لأول مره في 9 أيار من عام 2003، أي بعد شهر من احتلال العراق. وقد اشتمل هذا المشروع على آليات التفكيك السياسية، والاقتصادية، والثقافية، الخاصة بتفتيت ما يسمى بمنطقة "الشرق الأوسط الكبير" ومنها المنطقه العربيه , وإخضاعها، ودمجها في بنية النظام الرأسمالي وسوقه العالمي في حركة توسعه المتجدده اللامحدوده، عبر فتحها بشكل كامل أمام نشاط شركات هذا النظام عابرة القوميات ورأسمالها المعولم - بعد إنهاء دور الدوله الاقتصادي والاجتماعي بتفكيك القطاع العام وفرض الخصخصه الجذريه الشامله للثروات والقطاعات الاستراتيجيه- وإزالة كافة الحواجز الجمركيه وغير الجمركيه من أمامه،وتحويلها إلى بيئه ملائمه لاستثمارات هذه الشركات واستغلالها,عبر تفتيتها وتقسيمها وإعادة تشكيلها سياسياً وجغرافياً واقتصادياً وثقافياً, ومن ثم إنتاجها بشكل كانتونات ودويلات طائفيه منزوعة الإراده والهويه , وظيفتها استهلاك بضائع المركز الرأسمالي ,وتقيدم العماله الرخيصه والأرض والمواد الخام بأسعار زهيده لشركاته وصناعاته.
ولتحقيق تلك الأهداف قد قرر القائمون على منتدى دافوس جعل مسألة انعقاده في المنطقة العربية سنوية وبشكل دائم. وبذلك يغدو هذا المنتدى لاعباً مهماً وأداةٌ أساسيةٌ من أدوات المشروع الإمبريالي في الوطن العربي (إلى جانب أدواته الأخرى: العسكرية والسياسية والثقافية والاقتصادية) والتي تتفاعل وتتكامل في سياق تطور هذا المشروع المرتبط بتطور النظام الرأسمالي العالمي وانتقاله من مرحله إلى مرحله أعلى.(أي وصوله إلى مرحلة العولمه الرأسماليه كمرحله متطوره جدا من مراحل النظام الرأسمالي في طوره الامبريالي).
ومن أهم الآليات التي يعتمدها مشروع "الشرق أوسط الكبير" في عملية دمج المنطقة العربيه في بنية النظام الرأسمالي، وتعميق وترسيخ التبعيه البنيويه لاقتصاديات الدول العربيه لدول هذا النظام," آلية "مناطق التصدير الخاصة" التي ذكرت ضمن بند "توسيع الفرص الاقتصادية". وقد تم إنشاء عدد كبير منها في الأردن ومصر، وتشدد الولايات المتحدة على أهمية تعميمها في بقية الدول العربية، وهذا ما ركز عليه أيضاً "منتدى دافوس" خلال اجتماعاته الثلاثة التي عقدت في البحر الميت منذ احتلال العراق. وتقوم فكرة هذه المناطق - التي تسمى أيضاً بـ "المناطق الصناعية المؤهلة" – على جمع أربعة أطراف، وهي: الشركات الأجنبية عابرة الحدود، والدول العربية، والولايات المتحدة, والكيان الصهيوني. ضمن معادله تقود إلى تحقيق أهداف العولمة الرأسمالية ومشروعها "الشرق أوسطي". حيث تقوم الدول العربية بتقديم الأرض، والأيدي العاملة الرخيصه، وكافة التسهيلات والخدمات وعلى رأسها الاستفادة من البنية التحتية بأسعار رمزية، للشركات الأجنبية التي تقدم لها "إتفاقية المناطق المؤهلة" ميزة تصدير منتجاتها إلى الولايات المتحدة - وهي المستورد الوحيد لها - شريطة استيراد 11% من المواد الأولية الداخلة في تكوين هذه المنتجات من الكيان الصهيوني.
كما تقدم الاتفاقية لهذه الشركات ميزة أخرى وهي حرية إخراج الأرباح وأيضاً الحرية التامة في تفكيك مصانعها وإخراج رأسمالها كله في أي وقت تشاء، ودون أي قيد أو شرط. ومن الأمور الملفتة للانتباه في موضوع "المناطق المؤهلة" هو اختصاصها بإنتاج سلع معينة خاصة الألبسة ترغب الدول الرأسمالية الغربية و الكيان الصهيوني بنقل عملية إنتاجها للخارج حيث العماله الرخيصه، والضرائب المنخفضة، وذلك بسبب الكلفة العالية لإنتاجها محلياً.
إن الأزمه البنيويه العميقه التي يعيشها النظام الرأسمالي هذه الأيام - والتي هي في صيرورة تطور الرأسماليه حتميه لا مفر منها,بعد أن فرض هذا النظام على المجتمعات عبودية الدين والاقتراض , فغدت قوة العمل تدور في حلقه مفرغه لا نهايه لها من الرهن وإعادة الرهن - والتي تمثلت بالانهيارات المتواليه للبورصات والبنوك والصناعات الكبرى في الدول الرأسماليه والدول التي تدور في فلك التبعيه البنيويه لها,والتي أدت إلى فقدان ما يزيد عن الخمسين مليون عامل لوظائفهم,إن هذه الأزمه ستدفع بكل تأكيد دول المركز الرأسمالي إلى تبني المزيد من السياسات والممارسات العدائيه والاستغلاليه تجاه شعوب العالم الكولونيالي ومنها الشعب العربي, وهي تؤكد بشكل صارخ على أن الطابع الطفيلي والربوي الجشع للنظام الرأسمالي لم ولن يقود العالم سوى إلى المزيد من الدمار والإفقار والتجويع.كما تؤكد بالضروره على المضمون العلمي والواقعي لشعار " يا عمال العالم ويا شعوبه المضهده اتحدوا " , فالدمار المتواصل والمتعاظم والمصير المظلم الذي تقود العولمه الرأسماليه مجتمعات العالم اتجاهه,تفرض على العمال وكافة الفئات المستغله في هذه المجتمعات النضال المتواصل على طريق التحرر من عبودية رأس المال, طريق البديل التاريخي والموضوعي للرأسماليه, أي الإشتراكيه.
إن النظام الرأسمالي العالمي - نظام القهر والاستغلال، والذي حول العالم إلى مزرعة لـ 358 ملياردير يمتلكون ثروة تعادل ما يمتلكه ثلاثة مليارات من البشر، هذا النظام الذي ينشر الفوضى والمجاعات والحروب والمآسي على امتداد العالم - ومهما حاولت الدعاية الإمبريالية تجميله وتحسين صورته , فإنه بالتأكيد لا يمكن أن يكون الخيار الأخير والوحيد للإنسانية، كما تنبأ منظر الإمبريالية فرانسيس فوكوياما، وهو حتماً ليس نهاية التاريخ.