أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


حيدر الزبن والتقاعد المُشرف

بقلم : د. مهند مبيضين
03-05-2018 10:19 AM
إحالة الدكتور حيدر الزبن إلى التقاعد، أمر طبيعي لمن هو في الموقع العام، وبعد خدمة طويلة وبعد استحقاق التقاعد، فقد كان الرجل يعرف أنه غير مخلد البقاء، خدم بشرف ورجولة وقاوم كل الفاسدين، فربح ثقة الناس وجلالة الملك، وصار شخصية فريدة في الإدارة العامة، وهناك نماذج طيبة في البلد تستحق التقدير مثل الدكتور حيدر.
كوّن الزبن صورة إيجابية عن المدير العام، في زمن صعب أن يصمد به القادة في المؤسسات ذات الصبغة المباشرة في خدمة السوق وطبقة التجار، وفي مواجهة تجار طامعين وجشعين، وبذات الوقت هو مع التاجر والمستمثر الوطني صاحب الأمانة والخلق.
حجز الزبن موقعه في تاريخ الإدارة العامة، كونه انتهى براتب تقاعدي وسمعة طيبة وحضور مشع ودفاع عن الشعب، وكان يمكن أن يملك ملايين الدنانير بدلاً من تقاعد شحيح قياساً لدوره، ولو أنه أغفل عينه وقبل بالخلل أو مرَرَه أو بحِصة من تلك الشحنة أو ذلك الصنف لاغتنى طيلة عمره.
تدخل حيدر في ضبط جودة كل ما يستورد ويمسّ استهلاك الفرد اليومي، من النظارات الشمسية والصوبات والمكياج وأقلام الحمرة والعطر والدراجات الهوائية واسلاك الكهرباء والكاشو والفستق الحلبي والقهوة وغيرها كثير من البضائع المقلدة والخطيرة أحياناً. وفي هذه جميعاً كانت له صولات وجولات وأطاح بفاسدين فيها.
معركته الكبيرة كانت مع مصفاة البترول في قضية الاسطوانات غير المطابقة للمواصفات، واجتازها بنجاح، وفي حكومة النسور الثانية ضجّ التجار منه، وحاولوا أن يؤلبوا عليه، وبعد لقاء عاصف في غرفة صناعة عمان، غادر حيدر مبكراً، وبعد أيام زاره النسور فاكتشف التجني من التجار على المواصفات وقال لحيدر: أن قرّ في موقعك.
رفع حيدر بجهود فريقه الذين كان يعتز بهم دوماً من موظفي المواصفات، من حضور المؤسسة في الشارع الأردني، إذ جعلها أكبر من الوزارة التي تتبع لها، وسطّر مواقف وطنية، لم يجامل ابن عم يغش في بضاعته أو أخ او صديق، بل أغلق ما أغلق من مرافق بسلطة القانون، وكان جاهز دوما لتلفون الرحيل.
وإحدى أهم السلع التي رفض حيدر ادخالها هي «صوبات الكاز» وألعاب الأطفال الخطيرة، والتي كانت مخالفة، وحاول التجار أن يدخلوها للبلد، كي لا يدفعوا كلفة اخراجها واعادتها للمصدر، وظلّ حيدر متمنعاً، وبرغم كل الاتصالات، أوقف دخولها.
كان حيدر، مرناً مع كل محترم وصاحب حق، لكنه كان عنيدا وصلبا أيضاً مع كل مقلد وسارق وغشاش، لذا كانت هواجسه كبيرة من أن يمرُ الغش على الأردنيين من قناة مؤسسته أو بتغطية ورقية تحمل توقيعه، فهو من سلالة وطنية كبيرة، وكانت رسالته للدكتوراة عن الحركة الوطنية، وهي التي مرت بصعوبة بالغة من أعين الرقابة، أيضاً. فحيدر صعب في كل أموره.
حضوره المحبب وتلقائيته جعلته مقرباً من الجميع، وكان لديه ملكة الشجاعة لمواجهة الفاسد في قوت الشعب ومستهلكاته، فأفاض هذا الموقف عليه من رضا الناس الكثر ومن سخط التجار الكثير الذي لا يُحدّ.
شكا الفاسدون من أن حيدر يعيق استثماراتهم؛ لأنه كان يحول دون أن يجلبوا بضاعة فاسدة غير قابلة للاستهلاك وغير آمنة، لكن في كل مرة كان ينتصر، ومقابل الشكوى رحب به الشارع بطلاً ورجلاً نزيها وشجاعاً، ويكفيه هذا الوسام الشعبي الذي هو اليوم نادر الحدوث.
ليس في الدكتور حيدر الزبن خلو من العيوب والمثالب، فهو بشر يخطئ ويصيب، لكنه بالتأكيد كان يخطئ لأنه يعمل ويدافع عن بلده وسوقه وعن المستهلك. وسيكون مرتاحا كثيراً بعد التقاعد لأنه أدّى وظيفته بكل اقتدار.
مؤسسة المواصفات خسرت الرجل الذي وضعها علامة فارقة بين مؤسسات الوطن، لكنها ربحت قيادة جديدة هي المهندسة رولا مدانات، التي لا تقل وطنية عن الدكتور حيدر وهي صاحبة خبرة كبيرة، فلها امنيات التوفيق.

الدستور

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012