أضف إلى المفضلة
الجمعة , 31 كانون الثاني/يناير 2025
الجمعة , 31 كانون الثاني/يناير 2025


نواف الزرو: الحفاظ على ذكرى النكبة وعلى ذاكرتها لدى الشعب العربي الفلسطيني

بقلم : نواف الزرو
14-05-2018 10:11 AM

من جديد نتوقف اليوم كما في كل عام وهذه المرة نحن امام الذكرى السبعين للنكبة واغتصاب الوطن الفلسطيني، لنستحضر اهم واخطر العناوين الفلسطينية، من الاغتصاب واقامة الدولة الصهيونية الى التهويد الشامل للزمان والمكان الفلسطينيين، الى حروب الاجتياحات والمحارق المفتوحة حتى اللحظة ضد الشعب العربي الفلسطيني، الى الهجوم الجارف على ذكرى وذاكرة النكبة كقضية ومصطلح ومضامين وتداعيات..!.
فربما لم تشهد القضية والنكبة والذكرى والذاكرة والحقوق العربية الفلسطينية المشروعة في فلسطين، هجوماً صهيونياً بلدوزرياً تجريفياً شاملاً بهدف الاجهاز عليها، كما تشهده في هذه الايام التي تحل فيها الذكرى االسبعون للنكبة واغتصاب فلسطين.
وربما لم تشهد هذه الذكرى ايضاً على مدى سنواتها السابقة هجوماً تجريفياً في محاولة لتفريغها من مضامينها وملفاتها الجوهرية كما تشهده في هذه الايام في ظل الاحوال والاوضاع والحروب الطائفية والمذهبية والسياسية العربية الداخلية الكارثية. وفي ظل هذا التهافت التطبيعي العربي بل والتحالفي مع الكيان.
عندما اعرب شارون في يوم من الايام عن “اعجابه بشعر محمود درويش” وعن “حسده له وللشعب الفلسطيني على علاقته الوجدانية بالارض”، انما كان يعرب عن مشاعر الغضب والقهر في نفسه من قدرة الصمود لدى الشعب الفلسطيني في مواجهة بلدوزر الاقتلاع والتجريف.
ولا نبالغ ان وثقنا هنا ان تلك الدولة الصهيونية تعتقد انها وصلت الى مرحلة” محو القضية والنكبة في الذاكرة الوطنية الفلسطينية والعربية” بعد ان وصلت مخططات تهويدها للزمكان الفلسطيني الى نهايتها تقريبا…!
فالجغرافيا الفلسطينية باتت بكاملها تقريبا تحت انياب الاستيطان والتهويد، والصراع اصبح الى حد كبير على الرواية والذكرى والذاكرة والوعي الجمعي، وتشن تلك الدولة مدججة بكل اسلحتها ومنها الادارة الامريكية هجوما استراتيجيا على الذاكرة بهدف تفكيك القضية ومصادرة احلام العودة والاستقلال والتخلص من الاحتلال…!
يقول الدكتور وليد سيف في مقالة كتبها في ذكرى النكبة “إن الطرف الأقوى يفرض تعريفاته وتأويلاته على عقول الآخرين، فلا يكتفي الإسرائيلي بتحريف الرواية التاريخية عن سلب الوطن الفلسطيني بل يوغل أكثر ليحاول مصادرة أحلام التحرير والعودة وإعادة تعريفها لتعني الأوهام غير القابلة للتحقق/ الجزيرة-2/18/2009″، ويؤكد: “أنه ليس أفظع من اغتصاب الأرض إلا محاولات اغتصاب التاريخ والرواية، ولا أشد من التهجير القسري من الوطن، إلا محاولات تهجير الوطن من الذاكرة.. وليس أخطر من الصراع على الأرض إلا الصراع على المعاني”.
ويقول أورن يفتاحئيل (أستاذ الجغرافيا السياسية في جامعة بن غوريون) عن الحروب العدوانية على غزة: “أن مشاهد القتل والدمار في غزة فظيعة” وأن “هذه الحروب استمرار للمشروع والسلوك الإقليمي الإسرائيلي الذي تبنى هدفاً متشدداً ووحشياً يتمثل في إسكات الزمن الفلسطيني، أي محو التاريخ الكامل لهذه البلاد.. إسكات التاريخ يشكل أيضاً محواً للمكان الفلسطيني ومعه الحقوق السياسية الكاملة..القائمة بمشروعيتها وليس بمنة من إسرائيل.. ان الغزو الإسرائيلي لغزة استمرار لإستراتيجية مديدة السنوات من إنكار ومحو وشطب أي ذكر لتاريخ هذا المكان في العصور الأخيرة، ومشروع المحو هذا ينخرط فيه الجميع تقريباً: السياسيون والفنانون ووسائل الإعلام والباحثون في الجامعات والمثقفون الإسرائيليون/ المشهد الإسرائيلي 18/1/2009/”.
واستنادا الى قول عجوز السياسة الإسرائيلية شمعون بيريز أحد رواد الاستيطان والبرنامج النووي الإسرائيلي، الذي كرر حتى مماته مقولة غولدا مائير بأنه” لم يكن هناك شعب فلسطيني في ال 67/ الخليج- 2007-05-31″، فان المؤسسة الاسرائيلية بكاملها تعمل لتكريس ذلك عبر اسكات التاريخ الفلسطيني.
ما تؤكده دراسة إسرائيلية جديدة حينما تستخلص “أن إسرائيل تمعن في إقصاء تاريخ النكبة”، وتوضح الدكتورة نوغة كدمان في دراستها المعنونة بـ”على جنبات الطريق وهوامش الوعي: “إقصاء القرى الفلسطينية المهجرة من التخاطب والحوار في إسرائيل”، أن السلطات الإسرائيلية تواصل بشكل منهجي طمس المعالم العربية الإسلامية للبلاد من التاريخ والذاكرة الجماعية بعد محوها من الجغرافيا/الجزيرة-السبت 8/9/2008″، وتؤكد”المنهجية الإسرائيلية المعتمدة منذ النكبة في محو تسميات الأمكنة الفلسطينية أو عبرنتها، وإزالتها من الخرائط الرسمية وتجاهل تاريخها”.
وفي هذا السياق حصرا ..سياق بلدوزر التجريف للذكرى والذاكرة الوطنية الجمعية الفلسطينية /العربية، يقولون هم ويراهنون على “ان الكبار يموتون والصغار ينسون”، وكان موشيه ديان قد كثف هذا المضمون مبكرا في مقابلة اجرتها معه مجلة “دير شبيغل” الالمانية في تشرين الاول1971 قائلا:”في تشرين الثاني عام 1947 رفض العرب قرار التقسيم (الصادر عن الجمعية العامة للامم المتحدة) وفي عام 1949 (بعد التوقيع على اتفاقيات الهدنة) عادوا الى المطالبة بتنفيذه”.
“وفي عام 1955 – والكلام لديان -كانت جميع الدول العربية المعنية ترفض اتفاقيات الهدنة، وبعد حرب حزيران 1967 عادوا الى المطالبة بانسحاب اسرائيل الى حددو الرابع من حزيران”.
“ولن افاجأ – يؤكد ديان – بعد حرب اخرى تسيطر فيها اسرائيل على مناطق عربية جديدة في الاردن او سوريا اذا ما طالبوا بالعودة الى الحدود الحالية..”.
اذن- في الصميم والجوهر انما يتحدث ديان عن حالة التفكك والعجز والاستخذاء العربي اولاً، ثم يتحدث عن ضعف الذاكرة العربية وحالة عدم الاكتراث واللامبالاة من جهة ثانية، بينما يمكننا ان نستشف من اقواله من جهة ثالثة ان الصراع الحقيقي ليس فقط على الارض المحتلة، وانما على الرواية والاحلام والذكرى والذاكرة ايضا.
ما كان شارون قد عبر عنه يوما عندما اعرب عن “اعجابه بشعر محمود درويش” وعن “حسده له وللشعب الفلسطيني على علاقته الوجدانية بالارض”، وهو بذلك انما كان يعرب عن مشاعر الغضب والقهر البركانية في نفسه من قدرة الصمود لدى الشعب الفلسطيني في مواجهة بلدوزر الاقتلاع والتجريف.
في هذه الايام.. ايام ما يسمى زورا وكذبا وتضليلا “خيار السلام والتطبيع والتعايش” و”رياح التغيير الايجابي-كما قال بيريز″ وايام “نوافد الفرص التاريخية للآخر ” تمتد وتتسع مساحة عمل البلدوزر بصورة مريحة لتصل الى ذكرى النكبة.. وذاكرتها.. والى الوعي الجمعي القومي العربي..
ورد الكاتب الفلسطيني على جرادات على ذلك معبرا تعبيرا عميقا عن جوهر الصراع حينما يقول: “ان السياسة تستطيع أن تغتصب التاريخ، أما أن تلغيه فلا، وتستطيع أن تسطو على الجغرافية، أما أن تشطبها فذاك المستحيل بعينه، وتستطيع أن تعبث بالديموغرافيا، أما أن تدثرها فذاك نادرا ما حصل/عن الحياة الجديدة /2007/5/15 “، ويستشهد جرادات هنا بكلمات موشيه ديان أمام طلبة جامعة حيفا عام 1969، حيث قال: “علينا أن لا ننسى أنه فوق هذه الأرض التي نقف عليها كان هناك أناس آخرون يحرثون ويزرعون ويمارسون حياة طبيعية ما زالوا يسعون مِن أجل العودة إليها”.
لذلك كله نثبت بالعنوان الكبير العريض : ان الحفاظ على ذكرى النكبة بكافة ملفاتها …وعلى ذاكرتها لدى الشعب العربي الفلسطيني.. وفي الوعي الجمعي العربي هو بمثابة سلاح التدمير الشامل في مواجهة بلدوزر الاقتلاع والتجريف والالغاء والنسيان ..والعبث بحقائق التاريخ والجغرافيا والحضارة والتراث…؟!!
ولكن-الى كل ذلك- هناك على امتداد مساحة فلسطين ومخيمات اللجوء.. كأن لسان حال كل اهل فلسطين يهتف:
اخرجوا من أرضنا ومن جونا ومن برنا ..
فالأرض ليست ارضكم بل الأرض أ رضنا …
اخرجوا من أرضنا …”
وكأن لسان حال كل اهل فلسطين يقول :
كم انت عظيم يا وطني …!
كم انت عظيم بتاريخك وتراثك وتضحيات ابنائك …
فخارطتك الجميلة التي نحفظها عن ظهر قلب تفزع الأعداء …”.
وكأن لسان حال كل فلسطيني على امتداد الوطن يؤكد :
“سأبقى دائما احفر
جميع فصول مأساتي
وكل مراحل النكبة ..من الحبة ..الى القبة على زيتونة في ساحة الدار ..”
و كما يكثف لنا شاعر فلسطين محمود درويش المشهد قائلا:
“أيها المارون بين الكلمات العابرة
آن لكم أن تنصرفوا
وتقيموا أينما شئتم ولكن لا تقيموا بيننا
…فاخرجوا من أرضنا
من برنا …من بحرنا
من قمحنا …من ملحنا…من جرحنا
من كل شيء ،واخرجوا
من ذكريات الذاكرة “.
لذلك كله ..
والى حين يستيقظ العرب ويتحركون لتحمل مسؤولياتهم التاريخية والقومية والدينية يبقى
يوم الأرض هناك في فلسطين يعني “يوم الوطن المسلوب” بكل ما تعني كلمة وطن من معنى كما قالها ووثقها الشاعر الفلسطيني الكبير رحمه الله توفيق زياد في قصيدته الشهيرة :
“كأننا عشرون مستحيل “
حيث قال:
في اللد – والرملة – والجليل
هنا .. على صدوركم – باقون كالجدار
وفي حلوقكم
كقطعة الزجاج – كالصبار
وفي عيونكم
زوبعة من نار
هنا .. على صدوركم – باقون كالجدار
نجوع .. نعرى .. نتحدى
ننشد الأشعار
ونملأ الشوارع الغضاب بالمظاهرات
ونملأ السجون كبرياء
ونصنع الأطفال .. جيلا ثائرا .. وراء جيل
كأننا عشرون مستحيل
في اللد – والرملة – والجليل
إنا هنا باقون
فلتشربوا البحرا
نحرس ظل التين والزيتون
ونزرع الأفكار – كالخمير في العجين
برودة الجليد في أعصابنا
وفي قلوبنا جهنم حمرا
إذا عطشنا نعصر الصخرا
ونأكل التراب إن جعنا .. ولا نرحل
وبالدم الزكي لا نبخل .. لا نبخل .. لا نبخل
هنا .. لنا ماض .. وحاضر .. ومستقبل
لذلك كله نثبت بالعنوان الكبير العريض : ان الحفاظ على ذكرى وذاكرة الارض والنكبة والوطن لدى الشعب العربي الفلسطيني..
وفي الوعي الجمعي العربي هو بمثابة سلاح التدمير الشامل في مواجهة بلدوزر الاقتلاع والتجريف والالغاء..
والعبث بحقائق الترايخ والجغرافيا والحضارة والتراث…؟!!
اسير محرر-كاتب صحافي- اعلامي -باحث-ومؤرخ
رئيس شعبة الدراسات المقدسية
جمعية حماية القدس-عمان. رأي اليوم

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012