أضف إلى المفضلة
الجمعة , 31 كانون الثاني/يناير 2025
الجمعة , 31 كانون الثاني/يناير 2025


فرح مرقة تكتب:رفع أسعار المحروقات بعد 24 ساعة على اضراب ناجح، خطوة “استفزازية” تشي بمراهقة سياسية

بقلم :
02-06-2018 01:53 AM


القرار السريع والارتجالي الذي اتخذته الحكومة في رفع أسعار المحروقات ونظيره اللاحق – بعد ايعاز عاهل الاردن- بوقف رفع أسعارها لشهر حزيران قد لا ينهي أزمةً لم تبدأ أصلاً كردّ فعل ارتجالي، إذا لم يكن القرار الأول ذاته هو المسؤول عن تحويل المشهد كله في المملكة لشيء من الفوضى.
فمجرد اتخاذ الحكومة الأردنية وبعد أقل من 24 ساعة على اضراب ناجح، خطوة “استفزازية” من وزن رفع أسعار المحروقات، يشي بشيء من “المراهقة السياسية”، إذ أسهمت في رفع نسبة الغضب لدى شارعٍ لم تكن فارقته نشوة نجاح الاضراب بعد، الأمر الذي حوّل الغضب العالي أصلا، باتجاه المؤسسات الحكومية ومباشرةً هذه المرة، ودون وساطة النقابات المهنية التي نظّمت إضراب الاربعاء.
بهذا التفسير السريع يمكن فهم الاحتشاد المباغت في مختلف أنحاء الأردن ليلة الخميس- الجمعة، حيث الكثير من الاحتجاجات منذ المغرب وحتى الفجر في محيط المؤسسات الرسمية، ثم بعد ظهر الجمعة، والتي تعكس غضباً مختلفاً هذه المرة، من النوع الذي يحاول الايضاح للمسؤول الاردني ان الشارع لم يمت.
عملياً وخلال السنوات الماضية، وتحديدا منذ ما بعد الربيع العربي، أصيب الشارع الأردني بالخشية والرعب من احتمالات الانتقال لمرحلة فوضى عارمة تشبه دولاً أخرى بالاقليم وتحديداً سوريا، حيث الفوضى والموت والتهجير بكل مكان، الامر الذي صعّب عليه (اي الشارع) خيارات اللجوء للاعتصامات والاحتجاجات، في حين سهّل على الحكومات المتعاقبة اتخاذ المزيد من القرارات على حساب الشارع نفسه.
في الاثناء، قيمة الدينار الأردني الشرائية انخفضت كثيراً، وفي حين كان خط الفقر المطلق عام 2010 نحو ألف دولار سنوياً للفرد (814 دينارا أردنيا)، وفق موقع دائرة الاحصاءات العامة، يتوقع اليوم أنه تضاعف 3-4 أضعاف، بعد تحرير أسعار المحروقات وزيادة الرسوم على كل شيء ورفع الضرائب، الامر الذي قد يفسر أكثر تزايد اعداد الاردنيين المستفيدين من المعونة الوطنية (مجلس الوزراء وقع على مضاعفة شرائح المنتفعين منه قبل يومين ليشمل نحو 85 الف اسرة جديدة).
إذن فالحلقة التي تدخل فيها الحكومة الدولة مفرغة ولا خيارات فيها، فمؤسسات الدولة تزيد من عبئها بالضرورة بمضاعفتها عبء الأردنيين، وبالتالي تصل لمعادلة “الكل خاسر بالنهاية”، وهذا بالمنطق الاقتصادي البحت.
الاخطر اليوم، ليس الاقتصاد فقط، حيث الدولة تزيد نسبة المنزلقين بشكل شبه يومي من الطبقة الوسطى للفقيرة، وانما هذه المرة وهي تقرّ مشروع قانون ضريبة الدخل، فقد حرّكت “غريزة البقاء” في المسّ المباشر بالقوة الاقتصادية والسياسية الحقيقية في الأردن والتي مثّلت على مدار عمر المملكة الأردنية “عماد الدولة” واستقرارها، والمتمثلة بالطبقة الوسطى- كما تُعرف اقتصادياً- وهي ذاتها المعروفة تاريخياً في الاردن على الصعيد السياسي بـ”الاغلبية الصامتة”، التي تبدأ اليوم الخروج عن صمتها، وهذا مؤشرٌ خطير لا يمكن التغافل عنه.
الطبقة الوسطى، أوجدت لها الحكومة أخيراً أرضيةً مشتركة للتوحد ضدّها، بعدما دفعتها الى الحائط المسدود المتمثل بقانون ضريبة الدخل، الذي لم يعالج بصورة متكاملة النظام الضريبي المشوّه في الاردن، وانما زاد الطين بلّة من حيث ضم الفئات الافقر الى الشرائح المطالبة بدفع ضريبة الدخل، بينما ترك المجال للشرائح الاعلى دخلاً بالبقاء في مسافة أمان، حيث أعلى نسبة ضريبية مفترضة على الدخل هي 25% عن كل دينار بعد الـ (25 الف دينار الاولى) التي يمكن ان يتقاضاها اي شخص، وهي نسبة متدنية جداً لأولي الدخول المرتفعة، وفقا لقوانين ضريبة الدخل المختلفة في العالم، ما سيوسّع الهوّة بين الطبقات الاقتصادية لو نفذ.
تفاصيل القانون عمليّاً ليست هي الاساس في الحالة الاردنية، فالشارع اليوم يبحث عن امرين: الاول وقف استغلال صمته بزيادة “جباية” النقود من قوته وقوت أطفاله، والثاني وهو الاهم الشعور بالأمان الاقتصادي ولو لفترة بسيطة حيث تتلاحق عملياً عليه القرارات العنيفة والقاسية اقتصادياً والتي لا تدعه يلتقط انفاسه، والشكوى تطال الجميع.
الطبقة الوسطى اليوم تتحرك ليس فقط لتقول انها موجودة عملياً وان لديها ما تقوله، وانما ايضاً لتقول انها غير راضية عن النخب المختلفة التي تتحكم بمصيرها، وهذا ما يفسر ان يقود الاضراب الاربعاء “نخبة من نوع مختلف” تتمثل بالنقابات المهنية، وهو ما يفسر بالمقابل أيضاً التجاهل التام في الشارع لتداعي نواب اردنيون للاستقالة تارة وللتضامن مع الشارع تارة اخرى.
شهر أيار/ مايو الماضي، بدا وكأنه من أقسى الاشهر على الاردنيين، رغم انه تحديداً كان الشهر “التاسع” الذي يفترض أن يسمع فيه الأردنيون “بشارة اقتصادية” وعدهم فيها رئيس الوزراء الدكتور هاني الملقي في اغسطس/ اب الماضي، وهو يطالبهم بالصبر لتسعة اشهر فقط، حتى الخروج من عنق الزجاجة، وهي وعود تتلاحق على الاردنيين منذ سنوات ومن مختلف الرؤساء.
عدم توقف الشارع عند وعد الملقي منذ قطعه، يبدو اليوم دليلا اضافيا على “تكذيب استباقي” من جهة الشارع، كما عدم وفاء الملقي ذاته بوعده وعدم اثبات جدّيته، قد يظهر ايضاً انه “عند سوء ظن الشارع به”. ذلك طبعاً لا يعني ان المطالبة بإسقاط حكومة الملقي أو غيرها قد تغيّر شيئاً في المعادلة، فالحكومات المختلفة اليوم تسير وفق ذات النهج القاضي بتمليك “ناصية الاردنيين” لصندوق النقد الدولي وهو الامر الذي يزيد القرارات المحلية تعقيدا، ويزيد التشكيك بما اذا كانت تدرك الحكومة ما تقوم به.
هنا تحديداً، تظهر أزمة مختلفة في الاردن، حيث شعور عارم بأن القرارات لا تتخذ داخلياً لمصلحة الداخل، بل على العكس، وهو أيضاً ما يُفشل سلفاً اي محاولة لتصدير الازمة اليوم على اساس التشكيك بخلفيات الحراك والمحرضين عليه، سواء بالحديث عن “مسيئين من الخارج” أو حتى ببدء نغمة “اموال خليجية” لتشويه صورة الاردن وغيرها؛ فالشارع يتهم الحكومة أصلا بتجويعه إرضاءً للبنك الدولي وصندوق النقد، لتصبح المفارقة في الحالة الأردنية أن “أجندة الحكومة” هي المتهمة بالتبعية للخارج.
بكل الاحوال، أسبوع واحد فقط كان كفيلاً لتحويل عمان من “واحةٍ للامن والاستقرار” لبلد يغلي وبفعل القوة الكامنة للأغلبية الصامتة تاريخياً، وبصورة مباغتةٍ تماماً، الامر الذي ينبغي بعد معالجته مؤقتاً وعلى أساس الانتصار للشارع، تحويله بحد ذاته لورقة “تفاوض” رابحة مع المؤسسات الدولية والمجتمع الدولي والحلفاء والاصدقاء.
يمكن أن يحصل ذلك فعلاً في الحالة المثالية لمطبخي القرار الاقتصادي والسياسي، الا ان الامر في حالة المطبخ الاردني لا تزال تبدو صعبة جداً، كما يراها المراقبون.برلين - رأي اليوم

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012