أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


المسار المعكوس، من زيد الرفاعي إلى هاني الملقي

بقلم : د. فيصل الغويين
03-06-2018 11:33 PM

كان قرار حكومة زيد الرفاعي في نيسان 1989 رفع أسعار المحروقات القشة التي قصمت ظهر البعير، معلنة بداية انتفاضة شعبية واسعة بدأت من معان لتمتد سريعاً إلى الكرك ومادبا والسلط، لتعم مختلف مناطق المملكة، رابطة المسألة الاجتماعية بالمسألة السياسية من خلال المطابة بالخبز والحرية، حيث تراكمت التناقضات الاجتماعية الحادة، فكان ارتفاع أسعار المواد الغذائية في تلك الأيام، مؤشر عن وصول مستوى المعيشة إلى درجة يصعب تحملها.

لقد أدت السياسات النيوليبرالية المنبثقة عن توجهات وتعليمات صندوق النقد الدولي، إلى حالة من الانكشاف الاقتصادي، واضعاف القطاعات الانتاجية لصالح التوسع في قطاع الخدمات، وزيادة النمط الاستهلاكي بما لا يتناسب مع امكانيات الدولة والشعب، فباشرت حكومة الرفاعي آنذاك ببيع المؤسسات مؤسسات وشركات القطاع العام تحت عنوان 'الخصخصة'، وزيادة الأسعار والضرائب، والتخلي تدريجياً عن تقديم الخدمات الأساسية وعلى رأسها التعليم والصحة والنقل، وقد فاقمت هذه الإجراءات، من الأزمة الاقتصادية، وما نتج عنها من أزمات اجتماعية وتدهور أخلاقي، وسيادة ممارسات الفساد في شتى مناحي الدولة بقطاعيها العام والخاص.

وهكذا بدأت الانتفاضة في المناطق الأكثر فقراً، وتأثراً بالإجراءات الاقتصادية، لتطالب بالرجوع عن القرارات الحكومية، والغاء الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، واسقاط حكومة زيد الرفاعي، ومحاسبة المسؤولين عن الفساد، وإجراء انتخابات نيابية تكون مقدمة لتشكيل حكومة وطنية بمسار سياسي واقتصادي مختلف.

كانت مرحلة الانفراج السياسي التي أعقبت أحداث نيسان 1989، والتي تمثلت بإجراء انتخابات نيابية عكست نتائجها إلى حد ما الحالة الاجتماعية والسياسية القائمة آنذاك، لتنتج برلماناً بثقل سياسي واضح، إلا أن هذه الخطوة لم تكن في الحقيقة إلا محاولة لاحتواء الاندفاعة الشعبية، فكان الارتداد والانقلاب الذي حصل عام 1993 بإقرار قانون الصوت الواحد، لندخل منذ ذلك الوقت مساراً سياسياً واقتصادياً غير طبيعي ومشوّها، كانت أبرز محطاته افراغ العملية السياسية من مضمونها، والتدخل في الانتخابات لإنتاج برلمان مهمته الوحيدة اضفاء الشرعية على سياسات الانفتاح الاقتصادي، مع تراجع واضح للولاية الدستورية للحكومات، وتدجين الأحزاب السياسية لتكون جزءاً من الديكور السياسي.

لقد كان من أبرز التحولات الاقليمية والدولية لتلك المرحلة والتي عكست نفسها على العالم بأسره، حرب الخليج الثانية، وانهيار الاتحاد السوفييتي، والدخول في مسار مدريد للسلام منتجاً اتفاقية أوسلو، واتفاقية وادي عربة، وبدء مرحلة الأحادية القطبية بكل نهجها الاستعماري متعدد الوجوه.

أما الأزمة الراهنة فهي أكثر خطورة وتأتي في سياق ما أصبح معروفاً ب 'صفقة القرن'، والتي تتلخص بتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن فلسطين، رغم أن مؤشرات فشل المشروع الأمريكي تبدو قائمة. لقد كان بالإمكان تعزيز البناء الاقتصادي والاجتماعي للدولة الأردنية بما يحصنها من أية مخططات، خلال ربع القرن الماضي، من خلال تعزيز وتعميق التحول الديمقراطي، وبناء اقتصاد وطني انتاجي، إلا أن تفريغ المسار السياسي من مضامينه الوطنية قادنا مرة أخرى إلى مواجهة تحد وجودي كبير، لا يمكن الخروج منه إلا بمسار سياسي جديد وحقيقي على المستويين الداخلي والخارجي، يقوم على اسقاط حكومة الموظفين، انجاز قانون انتخاب وطني توافقي، يمهد لإجراء انتخابات نيابية حقيقية، تؤدي إلى تشكيل حكومة ذات برنامج وطني اصلاحي حقيقي، مع إعادة النظر بتحالفات الأردن على مستوى المنطقة والعالم، وبما يحقق المصلحة الوطنية العليا. حمى الله الوطن


التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012