أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


لماذا تأجيل الإعلان عن صفقة القرن؟

بقلم : عمر الرداد
04-08-2018 06:56 PM

ربطت التسريبات الأمريكية الخاصة بتأجيل الإعلان عن ما يسمى “صفقة القرن إلى نهاية العام الحالي أو بداية العام القادم على الأرجح” بأسباب داخلية أمريكية وإسرائيلية، مرتبطة بانتخابات التجديد النصفي الأمريكية المقرر أن تجري في تشرين ثاني المقبل،والخشية من تأثير “التنازلات المطلوبة من إسرائيل” ضمن الصفقة على نتائج المرشحين الجمهوريين،وعلى نتائج الانتخابات الإسرائيلية بغير صالح نتنياهو في حال الذهاب لانتخابات مبكرة في إسرائيل،وان هذا التأجيل يأتي استجابة لمطالب تقدمت بها الإطراف العربية “مصر ،السعودية والأردن”.
تأجيل الإعلان عن الصفقة ،رغم ربطه بأسباب داخلية أمريكية وإسرائيلية،إلا انه يتضمن اعترافا ضمنيا بفشل تمرير الصفقة كما طرح ملامحها الرئيس الأمريكي ،هذا الفشل عكسته نتائج زيارة كوشنير الشرق أوسطية قبل شهرين،والتي أعقبها تطورات في المنطقة تمثلت بما تردد عن سحب ملف القضية الفلسطينية من ولي العهد السعودي من قبل والده الملك سلمان،والموقف المتشدد الذي أبداه الملك عبدالله الثاني ،العاهل الأردني ،خلال لقاءاته في واشنطن الشهر الماضي وتحديدا تجاه تجاوز السلطة الفلسطينية،إضافة لاستمرار مقاطعة الرئاسة للقاءات مع مبعوثي ومسؤولي الإدارة الأمريكية إلى المنطقة، والتحفظات التي أبدتها روسيا والصين إضافة للاتحاد الأوروبي على قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس والاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل.
فشل زيارات كوشنير يبدو انه دفع الإدارة الأمريكية لإعادة النظر في طاقم إدارة المفاوضات حول الصفقة ، بتدخل الخبير الأمريكي مستشار الأمن القومي، الذي طلب بالتزامن مع تلك التسريبات من وزارة الدفاع والمخابرات الأمريكية الاشتراك في الجهود التي يبذلها كوشنير، من خلال ثلاث لجان:سياسية وأمنية،اقتصادية ، وإعلامية وعلاقات عامة لتسويق الصفقة،حيث تم منحها مدة ستة أشهر لانجاز مهمتها،وهو ما يعني عدم ترك هذا الملف بيد كوشنير لوحده والذي يوصف على نطاق واسع بأنه قليل الخبرة في المفاوضات والاطلاع على قضايا الشرق الأوسط.
الإجراءات الأمريكية بتشكيل طواقم جديدة من المخابرات ووزارة الدفاع تؤكد تمسك أمريكا بالصفقة، والتسريبات حول تأجيل الإعلان عنها تنطوي على “خديعة” سياسية ، في ظل اعتقاد يسود بالمنطقة بن الصفقة ستكون من خلال مؤتمر عام يلتقي فيه الفلسطينيون والعرب مع الإسرائيليين ، بحضور وإشراف أمريكي ودولي،في حين أن الصفقة حزمة من المشاريع الاقتصادية تنفذ تحت عنوان السلام الاقتصادي،بدولة فلسطينية مؤقتة وفق مفهوم سياسي جديد جوهره اعلي من حكم ذاتي واقل من دولة،قطعت أشواطا بعيدة بالتنفيذ من خلال نقل السفارة الأمريكية الى القدس، وتجفيف مصادر تمويل الاونروا تمهيدا لإنهاء قضية اللاجئين، ومشاريع قرارات أمريكية باعتبار اللاجئين الفلسطينيين فقط 40 ألف لأجيء ممن غادروا فلسطين عام 1948 فقط ، إضافة لقرار الكنيست بقومية الدولة في إسرائيل.
خديعة تأجيل الإعلان عن الصفقة، تكمن في جوهرها بقناعات أمريكية بان الظروف الموضوعية في فلسطين والمنطقة لم تنضج بعد لإعلانها،وان هدفها الحقيقي غير المعلن هو منح فرصة لحين انجاز تلك الظروف بما يخدم الصفقة ،بالتزامن مع تنفيذ مشاريع اقتصادية كبرى، وإجراءات إسرائيلية أحادية،تفرض وقائع جديدة قبل الإعلان عن الصفقة ، فليس من مصلحة إسرائيل ولا حماس انجاز اتفاقية”هشة” مع استمرار عدم استقرار الأوضاع في غزة ، ودون انجاز مصالحة فلسطينية بين حماس وفتح تضمن وحدة الموقف الفلسطيني في قبول الصفقة والتعاطي مع مخرجاتها، وهو ما تقوم به مصر حاليا ، إلى جانب جهود أخرى تبذل من قبل أطراف عربية وأوروبية بالتنسيق مع أمريكا،لوساطة بين إسرائيل وحماس ،تؤكد كافة التسريبات أنها قطعت أشواطا للتوافق على هدنة طويلة .
كما أن ستة أشهر قادمة ربما ستتضمن فرصا لظهور ملامح للحل السياسي في سوريا ،بما في ذلك إخراج إيران من سوريا ، بالتزامن مع رهانات أمريكية وإسرائيلية على تغييرات سيشهدها الداخل الإيراني تؤدي الى المزيد من إضعاف القيادة الإيرانية، وربما إسقاطها ،وهو ما يعني إضعاف ابرز الأصوات المعارضة للصفقة في المنطقة.
ورغم كل ذلك ،فان تأجيل إعلان الصفقة ، وفق قناعات أمريكية بعدم نضوج ظروف طرحها،وخاصة غياب التوافق الدولي حولها، والإشارات بأنها تتضمن تنازلات مطلوب من إسرائيل الإقدام عليها، توفر للفلسطينيين والعرب فرصة تاريخية لطرح موقف عربي، يقوم على إعادة إنتاج مبادرة السلام العربية التي تشكل احدث مبادرة حظيت بإجماع عربي، من خلال حملة دبلوماسية جادة مع روسيا والصين والاتحاد الأوروبي ،خاصة وان الأطراف الثلاثة لديها رؤى ومقاربات لحل النزاع العربي الإسرائيلي ،لا تتضمن انحيازا مطلقا لإسرائيل على الطريقة الأمريكية، وخاصة روسيا، في ظل العلاقة بين الرئيسين بوتين وترامب، والتي عكستها نتائج قمة هلسنكي الشهر الماضي، فروسيا اليوم قوة فاعلة وذات مصداقية في ملفات المنطقة ، وترتبط بعلاقات ايجابية مع دول القرار في المنطقة،ولم تبد رأيا حقيقيا في عملية السلام والمبادرات المطروحة منذ أوسلو.
كاتب ،وباحث بالامن الاستراتيجي.رأي اليوم

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012