أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


أين الخلل في مكافحتنا لظاهرة التطرف؟ ...بقلم : حسين هزاع المجالي

بقلم : حسين هزاع المجالي
19-08-2018 06:11 AM

تفتح عمليتا الفحيص والسلط الإرهابيتين الباب واسعا للتفكير مليا بما لدينا من استراتيجيات لمكافحة التطرف والإرهاب، ولإجراء مراجعات نقدية حقيقية للوقوف على أسباب التقصير أو العجز لمعالجتها، وتعظيم الجوانب الإيجابية فيها وتعزيزها.

باستثناء المؤسسة العسكرية والأمنية فإن غالبية المؤسسات المعنية بمكافحة التطرف خاملة ولا تقوم بدورها الوطني على أكمل وجه، وأن ما لديها من أدوات لمعالجة الظاهرة ليست كافية وليست ذات نجاعة مقنعة، والدليل أن ثمة انزياحا نحو التطرف لدى الكثيرين وهو التطرف الذي يستند إلى ذات المنبع الفكري الذي نهلت منه تنظيمات مثل القاعدة وداعش لكن خطورته اليوم لدينا تكمن في أنه يفرز أشكالا جديدة غير تلك المعتاد عليها في التنظيمات الهيكلية السابقة.

الخطورة تكمن في أن التطرف اليوم يتشكل من خلايا ومجموعات صغيرة وربما من أفراد، تشربت الفكر التكفيري عبر وسائل متعددة، وهذا الفكر لا أحد يعلم متى يتحول من 'حيز الكمون' إلى 'حيز الفعل الإرهابي' عند ذلك الفرد أو عند تلك المجموعة المستحدثة والصغيرة.

فربما ينفجر في لحظة غضب لدى هذه المجموعة أو تلك من مهرجان أو ما شابه ذلك من نشاطات تنظر تلك الجماعات إليها على أنها فعل كافر ومن يُقدم عليها كافر وبالتالي يستحق الموت.

هذا 'الإرهاب المُنفلت'، من الصعوبة بمكان اكتشافه، ذلك أنه قد يختبئ وراء مجموعات جديدة ليست لها أسبقيات جرمية سابقة، وليس لها ارتباطات تنظيمية بالمعنى العملي، وبالتالي من هنا فإن المراجعات لما لدينا من استراتيجيات باتت ضرورة للبحث في الأسباب الحقيقية للانزياح نحو التطرف والتكفير.

تحدث الباحثون كثيراً أن من أسباب ذلك الانزياح هو الفقر والبطالة والتهميش وغياب العدالة الاجتماعية وغياب التنمية في الأطراف، غير أن ما شاهدناه من أحداث دامية محليا وخارجيا أثبتت أن تلك ليست الأسباب الوحيدة للانزياح نحو التطرف عندما شاهدنا إرهابيون على درجة معقولة إن لم نقل كبيرة من التحصيل العلمي وعلى درجة مقبولة من المستوى المادي والاجتماعي وغير ذلك.

ثمة عوامل أخرى تساعد على الانزياح الفكري نحو التطرف من مثل الانترنت والأسرة، ولعل الأخيرة أخطر ما يكون على ذلك الانزياح.

إن وسائل وصول الفكر المتطرف إلى الأفراد كثيرة، والسؤال ما الذي فعلناه من أجل تجفيف المنابع ومراقبة الوسائل وتنقية ما يعبر منها من أفكار متطرفة؟.

أولا: وسائل التواصل الحديثة مثل فيسبوك تحجب اليوم أي صورة قاسية تبث من خلالها كصور الجرائم والدم وغير ذلك، وبالتالي لماذا لا يكون العمل جادا باتجاه تنقية الانترنت أو تلك الوسائل الاتصالية الحديثة من أفكار التطرف عبر وضع قاموس من المصطلحات والعبارات الدالة على الفكر المتطرف أو الحض على كره الآخر وتكفيره، وهذا جهد من الممكن أن يكون عالميا ومن الممكن أن يكون لنا مساهمتنا الداخلية فيه إن لم نجد تجاوبا عالميا معه.

ثانيا: السجون لدينا، ثمة من يقول إنها بيئة خصبة لتفريخ التطرف، عبر الحلقات التي يقيمها بعض النزلاء وتحديدا أولئك الذين ينتمون للأفكار المتطرفة والذين يؤثرون على غيرهم من المساجين.

وفي الحقيقة كان ثمة تجربة مهمة لدى ادارة السجون في التعامل مع مثل هذه الحالات وقد نجحت تجربتها كثيرا، ومن المهم الإستمرار في مثل تلك البرامج وتصديرها إلى بقية مؤسسات الدولة للاستفادة من التجربة في معالجة ظاهرة التطرف والإرهاب.

ثالثا: المناهج الدراسية والجامعية تحتاج إلى تطوير باتجاه أن تشتمل على دروس ومحاضرات تُعلي من قيمة قبول الآخر والحوار ونبذ العنف والتطرف، ونحتاج في هذا السياق إلى برامج لامنهجية لتثقيف الطلبة بأسلوب يبتعد بهم عن المجال الدراسي حتى لا يكون عبئا عليهم وبالتالي لا يستقبلون المعلومة إلا من أجل غاية النجاح في المبحث فقط، بل نحتاج إلى تمرير ما نهدف إليه من تلك الحصص بأسلوب تشويقي ممتع وهذا يحتاج من واضعي المناهج والمدرسين إلى مهارات إبداعية فائقة.

رابعا: يجب التفكير مليا في الكيفية التي يجب العمل بها على الأسر في المنازل وعلى الأمهات بشكل خاص باعتبارهن أكثر جلوسا مع الاطفال من الأب وأكثر تأثيرا عليهم لبث تعاليم الاسلام السمح ونبذ العنف والتطرف وتعزيز قيم الاختلاف والحوار وقبول الآخر وما إلى ذلك من مفاهيم اعتدالية تبث قيم التسامح.

خامسا: الأندية ومراكز النشاطات الشبابية وغيرها من مراكز تجمع للشباب يجب عدم تغييبها عن البال من ناحية أن يكون لها دور في التوعية من خطر التطرف والإرهاب، فجميع الأندية الرياضية لدينا تكتب في عناوينها أنها ثقافية اجتماعية، وهنا نتساءل أين هو الدور الثقافي والاجتماعي الذي تقدمه تلك الأندية؟، بل أين دور وزارة الشباب
حيال ذلك؟.

سادسا: مؤسسات المجتمع المدني وعلى رأسها الاحزاب، ليس لها أي دور ظاهر حيال معالجة ظاهرة التطرف، إذا لماذا نقدم لها الدعم من أموال دافعي الضرائب والغالبية منها ليس له أثر أو تأثير على الارض وليس لها جهد ظاهر حيال مكافحة ظاهرة التطرف؟.

سابعا: حتى مشاكل من نوع الفقر والبطالة والتهميش التي كثيرا ما يرددها الباحثون على انها من أسباب التطرف، ما الذي فعلناه من أجل معالجة تلك الظواهر ونحن نعلم أنها سببا في مشاكل أخرى غير التطرف كانتشار الجريمة مثلا؟.

ثامنا: إن غياب المؤسسة الدينية الرسمية والمديريات التابعة لها 'كالوعظ والإرشاد' عن القيام بالدور والمهام المناطة بها فتحت المجال أمام أصحاب الفكر المتطرف ليأخذوا مكانها ويؤثروا في عقول البعض وغسل أدمغتهم بما هو بعيد عن جوهر الاسلام الوسطي.

تاسعا: بشكل عام إن التصدي لمعركة التطرف والإرهاب الذي يهدد الأمن والسلام الدوليين يحتاج الى مهمة حقيقية على المستوى الاقليمي والدولي وخطوات محددة سريعا للقضاء عليهما.

ما أود قوله أن أسباب الانزياح إلى التطرف كثيرة غير تلك التي اعتاد الباحثون على ترديدها، وبالتالي نحتاج إلى إعادة تقييم وتطوير ما لدينا من استراتيجيات لمكافحة الظاهرة حتى تكون أكثر نجاعة ونحتاج إلى أن يعمل الجميع, مؤسسات حكومية وهيئات مجتمعية وأفراد من أجل حصر الظاهرة في أضيق نطاق ومن أجل بناء مجتمع وسطي صالح يؤمن بثقافة الحوار والاختلاف ويقبل الآخر.

الرأي


التعليقات

1) تعليق بواسطة :
19-08-2018 09:49 AM

.
— تحليل سليم ، المشكله الكبرى هي في نوعيه الأشخاص الذين يتم اختيارهم للإصلاح لان الاختيار يقوم على التنفيع في اغلب الأحيان فتصبح المهمه مكلفه وبلا نتيجه

— لا نجد عُمانيين في أوساط التطرّف ومرد ذلك نهج ناجح يبدأ في المدارس ، حبَّذا لو استفدنا من التجربه العمانيه

.

2) تعليق بواسطة :
19-08-2018 11:35 AM

دعني اولا ان اوضح امرا وهو ان البلد الذي يسمح فيه بالتعددية الدينية والمرجعيات الدينية وهي التيارات والتجاذبات الدينية التي بالضرورة ستصبح دينية سياسية كنتيجة لتفاعل بالاضافة للفساد والظلم = الفقر +حقد+ قلة انتماء وعليه يصبح الفرد مدعوا بسهولة لتفريغ الظلم والحفد بمبرر انه لا خيار سوى تنفيذ الامر

3) تعليق بواسطة :
19-08-2018 12:24 PM

تحياتي واحترامي للباشا 000 لقد اشرت الى تجربة السجون الناجحه في مكافحة التطرف للتكفريين فيا ريت يتم توضيح هذه التجربه للمجتمع وتوضيحها فانا شخصيا مطلع عليها فراي انها تجربه ناجحه جدا وعلاج فعال للتوعيه للمتطرفين ومن حولهم وان تاخذ هذه التجربه حوار حولها وتعميمها من خلالكم ولكم كل الاجر والثواب

4) تعليق بواسطة :
19-08-2018 06:49 PM

مفال ممتاز و تحليل منطقي و سليم . لا بد من معالجة هذه الظاهرة الخطيرة قبل استفحالها بشتى الوسائل و الطرق و بحيث لا تتعارض مع حقوق الانسان و الدستور و القوانين و الانظمة حتى لا يشعر المواطن بالظلم و الغبن . مرة اخرى رؤية صحيحة يشكر عليها الكاتب الدارس و المطلع .

5) تعليق بواسطة :
19-08-2018 08:12 PM

كل الاحترام للباشا

6) تعليق بواسطة :
19-08-2018 10:21 PM

كل الاحترام للباشا ابن الشهيد هزاع المجالي

7) تعليق بواسطة :
20-08-2018 02:11 AM

و اين الخلل في مكافحة القتل الجنائي اليومي ؟

8) تعليق بواسطة :
20-08-2018 02:14 AM

اتفق معك جزئيا اما المقارنة المخطوءة فتنتج نتيجة مخطوءة مع بالغ الاحترام

9) تعليق بواسطة :
20-08-2018 02:18 AM

الا يعتبر اصحاب السوابق مصدر ارهاب ؟
الا يعتبر القتل الجنائي ارهاب؟
لم لا نجد احدا يتحدث عن القتل لاتفه الاسباب في بلد الامن و الامان ؟

10) تعليق بواسطة :
20-08-2018 02:09 PM

الدول الغربيه نادر وجود التطرف كما هو الحال عند العربان والشبب الحكومات والانظمة والفقر وافقار الشعوب والركوب على اكتاف هذه الشعوب من قبل الانظمة والفقر وضنك الحياة والاعطيات ..

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012