أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


قانون “من أين لك هذا” قبل الضريبة واغتيال الشخصية

بقلم : فرح مرقة
29-08-2018 01:30 PM



تظهر بوضوح نبرة “غياب الثقة” بشكل كبير بين الشارع والحكومة، بمجرد بدء حوار حول قانون ضريبة الدخل الجدلي، خصوصاً مع الاقتصاديين المسيّسين. الرؤية في الشارع تتصاعد أكثر مع تداول صور لفواتير كهرباء أو ماء أو حتى نقل ملكيات، ملؤها الرسوم التي تصل أحياناً لأضعاف أثمان الخدمات، مع تساؤل عن مصارف الأموال.
الأمر الذي زاد الحنق في الشارع هو تزامن وتلازم الحديث عن قانون ضريبة الدخل، مع تشريع منتظر يزيد القيود على اغتيال الشخصية، وهو الامر الذي بدأ يواجه بردود عنيفة، خصوصاً ان تم اقراره قبل قانون وآليات قانونية تشرّع مساءلة المسؤولين الحاليين والسابقين، على مبدأ “من أين لك هذا؟”.
الشارع الأردني يبدي حتى اللحظة قلقه من الطريقة التي يتعاطى فيها فريق الدكتور عمر الرزاز مع فكرة وجود الفساد، خصوصا مع اقتصار مفهوم “محاربة الفساد” الكبير على قضية رجل التبغ عوني مطيع، الذي على الاغلب لم يكن يوماً أصلا ضمن المحسوبين على الفساد في الوجدان الأردني.
في دولة تحاول الانتقال للمؤسساتية يفترض المراقبون ان يتم “تطهير” رجال الدولة والشخصيات العامة من الشبهات التي تطاردهم قبل أي محاولة لتقييد حرية الراي والتعبير. كما استعادة الأموال التي يتحدث الشارع عن كونها “مسروقة” أو هناك فساد في صرفها قبل زيادة عبئهم الضريبي.
المقترح ليس “وصفة سحرية”، ولكن عبره فقط يمكن تمرير قانون ضريبة الدخل، الذي يصرّ صندوق النقد الدولي وعبر ممثلية في دول عربية وأجنبية على التأكيد انه ليس الضاغط الحقيقي لاقرار القانون في الأيام الحالية، وانما وصفة أردنية صرفة تحاول إيجاد مخارج من الازمة الاقتصادية الحالية.
“رأي اليوم” فتحت حواراً بسيطاً وحضارياً مع العديد من الأطراف حول قانون الضريبة وفي عدة مسارات، ليظهر بوضوح سلسلة من الوقائع التي تفرض على الحكومة الأردنية التعامل معها، لعل أولها ازمة الثقة، مهما زادت او نقصت قيمة الضريبة على الافراد والمؤسسات، بالتلازم مع تأكيد خبير اقتصادي شهير مثل جواد عبّاسي على “ضرورة ضبط تهريب الضرائب والرسوم من القطاع العام الجابي نفسه”، قبل أي خوض بالتفاصيل.
عباسي والذي قام بالعديد من الدراسات حول العبء الضريبي واطلع على تجارب عالمية في الخصوص يؤكد ان ضبط التهرب الضريبي من قطاعات كالخدمات والمطاعم قد يغني الدولة فعلاً إذا ما رافق ذلك ضبط حقيقي لموظفين عامّين يصرّ على كونهم “فاسدين”.
النقاش الكبير والمتشعب جداً الذي دخلت فيه “رأي اليوم” خلال الأيام القليلة، أظهر ببساطة ووضوح ان الشارع بشبابه والحراك الشعبي لا يزال ينتظر “حواراً حقيقياً” حول قانون ضريبة الدخل، ما يعني ان كل الحوارات التي قام بها نائب رئيس الوزراء الدكتور رجائي المعشر تحوّلت لتكون “غير مرئية” لا يقرؤها الشارع الأردني ولا يشعر بها، حتى بعد اعلان المعشر نفسه انتهاء الحوارات.
بهذا المعنى، لا تدخل فقط الحكومة في مزاج مختلط بين تقديم القانون للنواب او عدمه، ولكن يدخل الشارع في صيغة “رفض تام” لاي صيغة ضريبية لا تحترم متطلباته الأساسية أولا بإغلاق كل تسريبات الموازنات ووقف التهرب الضريبي قبل إقرار أي قانون ضريبي جديد.
رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز، يدرك جيداً جداً أن قانون ضريبة الدخل تحديداً سيكون هو أول “عقد” حقيقي بينه وبين الشارع، وأنه وعبر نصوص القانون المذكور يفترض له ان يقدّم بوضوح رؤيته للاقتصاد ككل وللفئات الأردنية المختلفة ولصيغ المال والاعمال، الامر الذي يمكن لمسه عبر إيقافه لصيغة القانون التي خرجت عن الدكتور المعشر، وتوجيهه لفريقه ان الحوارات لم تنته بعد، وان على الجميع ان يستأنف حوارات بالسياق.
شماعة “صندوق النقد” لا تنطلي تحديداً على الدكتور الرزاز، فهو صاحب خبرة طويلة في سياق المؤسسات الدولية المالية والاقتصادية، كما انه لصيق بالشأن الأردني لدرجة كبيرة ليعرف جيداً كيف يمكنه من سنّ قانون ضريبة الدخل ان يبدأ صياغة “العقد الاجتماعي الجديد” الذي تحدث عنه ثم بدأ يلمح لتغيير مسماه بعدما ثارت عليه قوى الامر الواقع جميعا.
الدكتور الرزاز على الاغلب يعيق شخصياً تمرير القانون الذي بات موسوماً بالصبغة “البنكية الرأسمالية” لنائبه الدكتور رجائي المعشر حتى دون الاستماع لكل التفاصيل حوله، وبشخص المعشر الشارع أساسا يطرح سيناريو عن “تفاهم خفي” حكومي نيابي يسعى لجلب الشعبية للغرفة التشريعية الأولى عبر القانون المذكور. وهذا ما يخفّض اصلا مستوى قبول الشارع حتى لنقاش نيابي ينتصر له بالنهاية.
بكل الأحوال، يبدو ان تمرير قانون ضريبة الدخل في المرحلة الحالية اكثر تعقيداً مما توقعه الجميع بما فيهم النواب وبعض فريق الرزاز، وهذا بحد ذاته مناخ جديد وغريب على الأردن، حيث الشارع امام حكومة “تحترمه وتحترم رغباته” أو حتى “تهابه”، الامر الذي يفترض له ان يوحي لكل الأطراف بالتفكير خارج الصندوق، حيث يقدم الشارع مقترحات فعلية ويصرّ على مطالبة بسيطة استطاعت “رأي اليوم” أن تلتقط مدى الحماسة لها مثل قانون والية “من اين لك هذا؟”، مقابل ان ترسم الحكومة قوانينها من الضريبة وغيرها بصورة توضّح فعلاً موقفها من الصيغة الأردنية ككل.
هنا الاقتراحات بتسهيلات في الأطراف وللشباب وللمرأة وغيرها كلها موجودة، ويدركها الدكتور الرزاز أكثر من سواه، ولا يحتاج أكثر من فريق متخصص يسأل ويحاور ويرصد دون انحيازات مسبقة لا ضد وسائل التواصل الاجتماعي، ولا حتى ضد الشباب، ودون أي تنظير عن مساحة لشدّ الاحزمة، فالشارع يعتقد ان حزامه يخنقه أصلا. برلين ـ “رأي اليوم” – فرح مرقه

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012