بقلم : سلامة الدرعاوي
25-09-2018 04:27 AM
جَميعُ الزيارات الرسميّة لِبعثات صندوق النقد الدولي للمملكة كانت تُشكّل لقاءات موسّعة مع أعضاء من مجلس النُوَّاب للاستماع الى آرائهم فيما يًخص السياسات الاقتصاديّة التي تُنفذها الحكومات مع الصندوق ضمن ما يعرف ببرامج الاصلاح الاقتصادي.
جميعُ اللقاءات بلا اِستثناء تقريباً كانت لِقاءات حاميّة الوَطِيس بالنسبة للنُوّاب الذين يَصب غالبيتهم جامَ غَضَبهم على الصندوق ويَتهمونه بأبشع الأوصاف ويحملونه مسؤولية فَشَل السياسات الاقتصاديَة، والتداعيات السَلبيّة لِبرامجه على الأمن المعيشيّ للمواطنين.
لكن الصندوق في الحقيقة لا يَأخذُ كثيراً باتهامات النُوّاب، ولا يَضعها في عيّن الاعتبار في محادثاته مع الحكومات، لأنه ببساطة يَعتبرهُ جُزءاً من الحكومة أكثر مما يعَتبره ممثلا للشّارع.
نعم هذه نظرة حقيقية للصندوق تِجاه النُوّاب، لِدرجة أنهم أي الصندوق على قناعة تامة اذا ارادت الحكومة تَمريرَ قانون فإن ذلك يَسير عليها ولا يحتاجُ إلى أكثرَ من اتصالٍ هاتفيّ تَنسيقيّ مع القوى الفاعِلة في المجلس لإقرار ما تُريده.
لكن الأمر اختلفَ في الفترةِ الأخيرة خاصةً مُنذُ شهر أيار الماضي ودخول قوى شعبيّة ونقابيّة مُختلفة على خط العلاقة مع الصندوق، وكان مَشروع ضريبةِ الدخل في الحكومة الملقي البوابة التي اظهرت قوة شعبيّة طَغت في حُضورِها وتأثيرها المُباشر على حضور النُوّاب في تغيير مُعادلة القوى التقليديّة في الدولة، وَبَدأت تأخذُ دفة قيادة المَشهد، وفعلاً نَجَحت في ذلك وساهمت مباشرة بإسقاطِ حكومة كاملة وسحبِ مشروع القانون من مجلس النواب.
حينها بدأ صندوق النقد الدولي يَنظرُ نَظرة جديدة لتطورات الشّارع الأردنيّ وحركتهِ الاحتجاجيّة، وأصدر في وقتها أكثر من بيانٍ يدعو فيه المجتمع الدوليّ إلى المُسارعة في دعمِ الاقتصاد الأردنيّ الذي يُعاني من تداعياتٍ سَلبيّة بسبب الوضع الإقليميّ في المنطقة من جهة، وتوسّيع قاعدة الحوار بين الحكومة وكافةِ أطياف الشعب وقواه ومؤسساته وفعالياته الرسميّة والأهلية للوصول إلى تَفاهمات مُشتركة حول مشروع قانون الضريبة المُثير للجدل، وقتها وَصفَ موقف الصندوق الأكثر مرونة ودعماً للأردن.
الآن قامت الحكومة بتوسيع قاعدة الحوار حول الضريبة، وَخَرجت بمشروع قانون مازال يحظى برفض الشّارع له، والرفض في الحقيقة ليس موجّه لقانون الضريبة بحدِ ذاته، وأنما هو رفضٌ شامل لكل شي تقوم به الحكومة من الناحية الاقتصاديّة، وهذا بسبب السياسات التَرَاكُميّة التي عاشها المواطن في السنوات الماضية والتي لَم تُخرجهُ من الكابوس الاقتصاديّ ولم تُحسن من مستوى مَعيشتهُ أبداً، والجَميعُ شاهد أشكال الحوارات في المحافظات والتي كانت مُناسبات لتفريغ الشّارع من احتقانه واستيائه بوجه الحكومة ووزرائها المُختلفين، حيث نوقش كل شيء في هذه اللقاءات إلا الضريبة، مما يُعطي مؤشرا هاما على مدى درجة الاحتقان بالشّارع تجاه السياسيات الرسمية، ومدى الحاجة إلى مُواصلةِ الحوار وتعزيز هذه الثقافة من أجل إيجاد حلول للمشاكل المُلِحة وإعادة بِناءِ جدار القوة بين المجتمع والحكومة.
لا شَكَ أن الاحتجاجات في المحافظات وصلت الى المعنيين في الصندوق، والكل اليوم يُناظر الحوار الذي سيقوده مجلس النُوّاب حول مشروع قانون الضريبة تحت القُبة مع مختلف فعاليات المجتمع، وواضحٌ ان النُوّاب هذه المرّة مُصممون على إعادة الاعتبار لمجلسهم بعد أحداث الرابع من شهر أيار الماضي ، ولا يكون هذا إلا من خلالِ مشروع قانون الضريبة الذي من المؤكد انه سَيوفر لهم الأرضية اللازمة للتقرب الى ناخبيهم، خاصةً وانه لن يبقى سوى دورتين للانتخابات المُقبلة، وبالتالي سيناقش القانون من النواب وأعينهم على الانتخابات المُقبلة وهذا حقهم.
لكن كيف نظرة الصندوق الآن للاعتراضات الكبيرة التي شهدتها حوارات المحافظات والتي منها سَينطلقُ النُوّاب في تعديلاته المُرتقبة على بنودِ مَشروع قانون ضريبة الدخل؟
من المَنطق ان يأخذ الصندوق احتجاجات المحافظات بعيّنِ الاعتبار مع تعاطيه الاقتصاديّ مع القانون، خاصة وان هذه الاحتجاجات أكدت الان للجميع ان مجلس النُوّاب ليسَ في جيب الحكومة كما يعتقد بذلك الصندوق. جَميعُ الزيارات الرسميّة لِبعثات صندوق النقد الدولي للمملكة كانت تُشكّل لقاءات موسّعة مع أعضاء من مجلس النُوَّاب للاستماع الى آرائهم فيما يًخص السياسات الاقتصاديّة التي تُنفذها الحكومات مع الصندوق ضمن ما يعرف ببرامج الاصلاح الاقتصادي.
الدستور